الدم العراقي أطهر من أشرفكم … بقلم منصور الراوي

الدم العراقي أطهر من أشرفكم … بقلم منصور الراوي
آخر تحديث:

أكثر من سنة و نصف مضت على قيام التظاهرات و الأعتصامات السلمية التي انطلقت في بعض محافظات العراق المطالبة بحقوق سلبت من مواطنيها و أكثر من 144 يوما على الانتفاضة المسلحة التي اندلعت دفاعا عن النفس و ردا للكرامة المهانة .. خلال هذه الفترة سفك دم طاهر في كل مدن العراق و قراه لا أمل في أن ينتهي هذا المشهد المأساوي الرهيب و المعيب أن يحدث في بلد مثل العراق ذات التاريخ العريق و الإرث الحضاري المبهر بسبب شلة عميلة و فاسدة و جبانة تتلاعب بمقدرات و مصير شعب مختلط الأجناس و الطوائف ينتمي الى خير أمة أخرجت للناس و قادت العالم لسنوات طويلة و علمت العالم ما لم يعلم .
مشهد يعيشه العراق منذ السنوات الأولى من الاحتلال لغاية هذا اليوم و الشعب ينتقل من محنة الى أخرى صانعوها أشخاص يمتهنون سفك الدماء بعضهم يمتهن الطائفية البغيضة و التي تدعوا الى ثارات لا وجود لها إلا في مخيلاتهم زقها دهاقنة أعداء العرب و الإسلام في أدمغتهم الخاوية و البعض الآخر جاء ليؤسس كما يدعي حكم الإسلام و يتخذ قطع الرقاب و التفجير و سفك الدماء وسيلة للوصول الى مبتغاه يستند على مفاهيم منحرفة و موجهة من قبل جهات صنفها شعبنا منذ القدم بأنها عدوة الشعوب و عدوة الإسلام .. و آخرون احتلوا مناصب تشريعية أو تنفيذية همهم نهب الثروات و تدمير كل ما أستطاع العراقيون وضعه على الأرض بعد احتلال هولاكو لبغداد و الى ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق منفذين بذلك تهديد جيمس بيكر أحد وزراء خارجية الدولة المارقة بإعادة العراق الى عصر ما قبل الثورة الصناعية و آخرون يستجيبون دعاء احد أخس العرب بدعائه على بلد فيه بغداد حاضرة العرب و المسلمين عندما قال ( اللهم لا تبقي في العراق حجرا على حجر ) ..
مرت سنوات طويلة و القاعدة تفجر و تقتل و تهجر و تهين أبناء شعبنا و المليشيات التي تسرح كقطعان الذئاب و الكلاب المسعورة تخطف الناس على الهوية و تأخذ الفدية من ذويهم لتدلهم على مكان جثة أبنهم و تهجر وتحرق البيوت و المزارع و تستخدم قوات الجيش و الشرطة لتنفيذ برامجها الإجرامية .. و كل هذه الأطراف تسعى جاهدة الى إنهاء و مسح دولة من الخريطة أسمها العراق من خلال اشعال حرب طائفية شعواء لا تبقي و لا تذر ..
كل هذا يحدث و يتبجح بعض فاقدوا الضمائر بأن في العراق دولة بنظام سياسي ديمقراطي يتم فيه التبادل السلمي للسلطة من خلال انتخابات شفافة يشارك فيها كل فئات الشعب و طبقاته .. و لدى هذه الفئات ممثلين في مؤسسة تشريعية منتخبة وهي مجلس النواب العراقي ..
لم نرى يوما وقفة لممثلوا الفئات التي يتكون منها هذا الشعب قد أتخذوا قرارا يمنعون فيه سفك الدم العراقي .. و الذي يحدث هو تصريحات إعلامية نارية فقط لبعض من يمثل هذا المكون أو ذاك و تكون نتيجته ازدياد الشارع لهيبا , و الأمثلة كثيرة لا أستطيع تغطيتها في هذه السطور البسيطة و منها ..أن الجيش و القوى الأمنية الأخرى أصبحت تمارس أعمال ساندة للمليشيات التابعة للأحزاب الدينية و غيرالدينية التي ساهمت بالعملية السياسية حيث تم دمج المليشيات التابعة لأحمد الجلبي و أياد علاوي و قوات بدر و مليشيات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية و للحزب الإسلامي و مليشيات حزب الدعوة لتكون نواة هذا الجيش والذي أستمر بالنمو على هذا الأساس الى يومنا الحاضر .. و هذا الجيش نفذ سياسة مراجعه حتى وصل الحال الى حد يكاد أن يكون من مكون واحد من مكونات هذا الشعب ..و أنيطت مسؤولية هذا الجيش و باقي القوات الأخرى لرئيس مجلس الوزراء التابع الى أحد الأحزاب الدينية الطائفية و على هذا الأساس فأن محافظات عديدة و مناطق كثيرة عانت كثيرا من ممارسات هذا الجيش الغير مهنية و الطائفية و تعرضها الى اضطهاد كبير كانت نتيجته زج المئات من ألاف الرجال و النساء في سجون الحكومة و حولوا الى القضاء بتهمة 4 إرهاب و البعض منهم يصفى جسديا قبل أحالته للمحاكم التي أطلقت الغالبية العظمى منهم بعد ثبوت براءتهم من التهم التي وجهت أليهم و التي انتزعت منهم بالإكراه والتعذيب الوحشي الذي لا يتصوره عقل بعد قضائهم سنوات عديدة في السجن و دفعهم أموال طائلة دفعت للمحامين وضباط و عناصر أجهزة التحقيق المختلفة ..
و هذا الجيش كلف بفض التظاهرات و الأعتصامات و منع أي مظهر من مظاهر الاحتجاج على الممارسات القمعية من الاعتقالات العشوائية و قطع الطرق و تشديد الحصار و المداهمات المستمرة و توجيه الشتائم و بعبارات طائفية و هذه الممارسات محصورة على طائفة واحدة من المجتمع العراقي .. و قد قام الجيش و تجحفلت معه كل المليشيات الطائفية مثل عصائب اهل الحق و غيرها الكثير لتصب غضبها على هذا المكون , و من بين تلك الأفعال هو منع المصلين في الجوامع من أداء صلاة الجمعه و و ضع الحواجز و التفتيش و الإهانات لمرتادي هذه الجوامع و خير مثال على ذلك ما يعانيه مصلوا جامع أبو حنيفة النعمان و استخدام العبوات الناسفة و الاغتيالات بكواتم الصوت و اعتقال أئمة الجوامع و مؤذنيها ولا زالت جريمة جامع سارية في محافظة ديالى التي راح ضحيتها عشرات الشهداء من المصلين و أعداد كبيرة من الجرحى .. كما أن الجيش و ما يتبعه من المليشيات ضرب ساحات الاعتصام التي اتهمها البعض بالإرهاب و ما جرى في ساحة اعتصام الفلوجة خير مثال و كذلك ما عاناه المعتصمون في سامراء و غيرها و كان آخرها فض ساحة اعتصام الأنبار بالقوة و راح ضحية ذلك الكثير من الشهداء و الجرحى .. و تتعرض مناطق شمال بابل و خاصة في جرف الصخر الى حملات اعتقالات واسعة و تهجير مستمرة و تصفية المعتقلين فور اعتقالهم أو بعد أيام قليلة ..
كل ذلك و غيره بقى أعضاء البرلمان و الوزراء متمسكون بكراسيهم البرلمانية و مناصبهم بالسلطة التنفيذية و كأن شيئا لم يكن و تركوا شعبهم وجماهيرهم و أهلهم ينتظرون مصيرهم المحتوم بالتصفية و التهجير و حرق الدور و المزارع و التهجير .. و لم نشاهد طيلة السنوات الماضية انسحابات حقيقية من مجلس النواب أو الحكومة احتجاجا لما يقوم به الجيش أو المليشيات و السياسات الخاطئة للحكومة حتى وصل بهم الآمر الى عدم استطاعتهم مناقشة هذه الجرائم تحت قبة البرلمان و انشغلوا بنهب الثروات و استغلال مناصبهم و نفوذهم للاستحواذ على المزيد من المكاسب بالوقت الذي تتفجر فيه شوارع المحافظات التي ينتمون أليها ألما على سفك دماء أبنائهم وفقدان كرامتهم مما جعلهم يحملون السلاح للدفاع عن أنفسهم و عرضهم و مالهم و انطلقت ثورة العشائر في عدد من المحافظات ..
و استغلت القاعدة و بمساعدة بعض المسؤولين في محافظة الأنبار هذه الظروف لتدخل الى جانب العشائر المنتفظه ضد القوات الحكومية و قد دخلت هذه الأنتفاضه يومها الـ ( 146 ) ولا يوجد في الأفق أمل لإيجاد حل لها ولا زالت المعارك على أشدها و هي تحصد ارواح الالاف من أبناء شعبا في هذه المحافظات أو من بين القوات المهاجمة بسبب خنوع كافة أعضاء مجلس النواب و بمختلف انتماءاتهم السياسية و عدم استطاعتهم الضغط على الحكومة لإيقاف هذه المذابح .. و الأدهى من ذلك لم يناقش هذا البرلمان الكسيح موضوع هذه الحرب منذ اندلاعها و لحد الآن و كأن الأمر لا يعنيهم ..
و لم يناقشوا موضوع الفيضانات التي اجتاحت مئات القرى في أبو غريب ولا جرائم حرق البساتين في ديالى و أبو غريب و شمال بابل ولا قصف المدنيين في مدية الفلوجة و الرمادي و الكرمة بأنواع الأسلحة الثقيلة مثل الطائرات و المدفعية و استخدام البراميل المتفجرة ضد الأهالي المسالمين ..
لم يناقش هذا البرلمان إلا لأغراض استعراضية أو انتخابية موضوع التفجيرات بالعبوات اللاصقة أو السيارات المفخخة و كواتم الصوت وهي تحصد أرواح العشرات من أبناء شعبنا … و لم يناقش البرلمان معلومة مهمة جدا تتعلق بأمن البلد و مستقبله السياسي و وحدته الاجتماعية أدلى بها أحد أقطاب العملية السياسية و العراب الأول للاحتلال وهذه المعلومة تنص على أن أحد مقرات الأجهزة الأمنية قامت بتفخيخ عدد من السيارات لغرض تفجيرها في شوارع بغداد أثناء الزيارة الغرض منها هو التمسك بالمالكي لقيادة البلد لدورة ثالثة لحفظ الأمن فيه ..
بينما كرس البرلمان جل وقته لمناقشة منافع أعضائه و صراعهم على المناصب و تقاسم الثروات و السفر الى عمان و بيروت و الدول الغربية و الشرقية و بذلوا أموالا طائلة على حملاتهم الانتخابية لغرض استمرارهم في تجاهل شعبنا الذي نصبهم على هذه الكراسي متناسين أن الشعب مصدر السلطات و كلمته هي العليا
هؤلاء الذين يتصدرون المشهد السياسي و الرسمي لم يهتز لهم طرف و كل هذه الدماء تسفك يوميا من أبناء شعبنا ثمنا لخلافاتهم و انشغالهم بمفاسدهم لا يساوون قطرة دم طاهرة ينزفها مواطن في البصرة أو نينوى أو الأنبار أو النجف أو في أي محافظة من محافظات العراق .. غالبيتهم لا يساوون مسمارا في نعل بغل من بغال العراق و أن هذه القطرة من الدم هي أشرف من أشرفهم ولا حل أمام الشعب إلا التغيير و مع الأسف فأن الغالبية العظمى من هذا الشعب لم يستغلوا الانتخابات لكي يتم وضع الرحى بموضعها الصحيح … و أملنا الوحيد عسى أن يصلحوا بعض ما أفسدوه من سبقهم .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *