الدونية بجلباب المفكر.. الشعوبي حسن العلوي نموذجا … بقلم د. موسى الحسيني

الدونية بجلباب المفكر.. الشعوبي حسن العلوي نموذجا … بقلم د. موسى الحسيني
آخر تحديث:

ليس المقصود باستخدام مفردة الدونية شتم المفكر الكبير حسن عليوي هندش المتسمي بحسن العلوي. نستخدم الدونية هنا لتوصيف عقدة النقص التي يعاني منها بشكل حاد هذا المفكر المبدع، فهي مصطلح علمي قدمه الطبيب النفسي النمساوي،الفريد ادلر في كتابه “الدونية العضوية وتعويضاتها السايكولوجية” عام 1917، وتابع دراساته عنها في كتاباته اللاحقه وهي عقدة لاشعورية تصيب بعض الاشخاص وتنشا معهم منذ الطفولة، وتضغط نفسيا على مشاعر الفرد الذي يستجيب لاشعوريا بالبحث عن تعويضات او ميكانزيمات لاشعورية للتخفيف من ضغوطاتها على مشاعره. من امثلة هذه المظاهر التعويضية، التباهي المضخم،والادعاءات الكاذبة والقصص الوهمية عن قدرات الشخص المبالغ بها، التي ينحو من خلالها الى اعطاء نفسه صورة الشخصية الجبارة، العظيمة، المميزة. عندما تتضخم هذه العقدة عادة عند التعرض لاحباطات كبيرة، ما يجعل الفرد يضخم بشكل مبالغ به قصصه ورواياته عن عظمته وقدراته،وتتصاعد معه مشاعر الاحساس بالدونية وهذيانات العظمة المزعومة الى حد الاصابة بالبانورايا. والمعروف ان البارونويا تاتي بشكل هجمات حادة. كما هو واضح في كتابي المفكر حسن عليوي هندش، الاخيرين : العراق الاميركي، وشيعة العراق وشيعة السلطة.
نقول عقدة، وعادة لاشعورية، ولايقوى المريض على السيطرة عليها، الا ان بعض المصابين قد يتمكن من ادراك عوامل نقصه، فيعمل بشكل سوي في قبولها، ويبحث عن وسائل عقلانية للتعويض عنها. فالمريض متى ما عرف طبيعة عقدته، واسبابها تتحول العقدة الى حالة شعورية وتصبح مشكلة عادية يمكن حلها بالتفكير السليم وتفريغ شحناتها الضاغطة.
ومن يقرا كتب المفكر الدعي حسن العلوي سيكتشف فيها بسهولة ووضوح، حالة ضاغطة ومضخمة من الشعور الحاد بالدونية، تستفحل عقدته هذه عندما يتعرض للاحباط، كما هو فشله في ان يصبح سفير العراق في سوريا، فتتخذ مظاهر المرض النفسي المعروف بالبانورايا. تلك هي حالة الدوني، اي المصاب بعقدة الشعور بالدونية.

اما المفكر، يعني مبدع، صانع للافكار، والرؤى والنظريات المميزة،هو من يستخدم قدراته العقلية والمعرفية، وفقا لمنهج معين من مناهج البحث العلمي ليصل لتصور او تحليل او رؤية لتفسير ظاهرة، او لعلاقة غامضة بين ظاهرتين او مجموعة من الظواهر الاجتماعية او الادبية اوالتاريخية وغيرها من حقول المعرفة، بحيث يمكن استخدام هذه الفكَر او التفسيرات او التحليلات في بعض الاحيان، كثوابت معيارية لقياس او تفسير ظاهرات اوعلل مشابهة في الحياة، او في احدى مجالات المعرفة المحددة.
عندما يكتب حسين مروة كتابه النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية، تختلف معه او تتفق، الا انك تجد نفسك امام جهد ممنهج، خاضع لشروط البحث العلمي مع امانة في النقل.لايمكنك تجاوزه في قراءاتك التالية للعقل العربي، ولمختلف الاحداث التاريخية الاخرى. كذلك. الحال مع محمد عابد الجابري، وهويوصف بنية العقل العقل العربي، ويحفر في اعماقها ليكشف انها قائمة على اساس البيان والعرفان والبرهان، تشعر انك امام راي ونظرية تعيد تفكيرك بكل ما هو شائع من مفاهيم عن العقل العربي.حتى عندما تقرأ نقد جورج طرابيشي له، لا تمتلك الا ان تحترم الناقد والمنتقد، وتشعر ان كل منهم اضاف لعقلك معرفة مميزة. وعندما كتب علي الوردي كتبه وفقا لمنهج اراد ان يوضح به تداخل المفاهيم الثقافية العربية في حالتها النكوصية التي غلبت على السلوك والتركيبة السيكولوجية في العراق بتاثير ما فرضته الدولة العثمانية، تلك المفاهيم التي ما زالت تتمسك بالقيم العربية القديمة من عشائرية، او بدوية، في مواجهة قيم الاحتلال بما يمثله من قوة حديثة وعصرية في نظرتها للحرب والاحتلال، والمصالح القومية، والعلاقات الدولية، في حين تختلط المفاهيم الفردية والعشائرية والدينية المؤطرة باطار رجعي ومتخلف، عند الفرد العراقي باستثناء نخبة صغيرة جدا بالنسبة للحجم السكاني، فالامية كانت الصفة السائدة في المجتمع.لنفهم من كل ذلك لماذا لم تحقق ثورة العشرين اهدافها. والموقف الاجتماعي من حركة التاريخ والحضارة في طبيعة المجتمع العراق او لنفهم لماذا تباطئ التطور والنمو في العراق حتى بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة، ما هو دور النخب وما هو موقفها من عملية التغير الاجتماعي، وغيرذلك من الامور، لنتعلم كيف يمكن ان نستفيد من مناهج علم الاجتماع في فهم الاحداث السياسية.فانت تحتاج علي الوردي لقراءة تاريخ العراق قراءة موضوعية من منظور اجتماعي – ثقافي.اما الحسني كان مؤرخا حياديا، يسجل الحدث دون التدخل في تفسيره.يقدمه كما هو، وكما حصل دون التدخل في في البحث بتفاصيل اسبابه الاجتماعية – الثقافية، فهو مؤرخ بكل معنى الكلمة،يستحق اللقب بجدارة، لكن لا نستطيع ان نوصفه كمفكر، مثلا.
كذلك بقية المفكرين والكتاب الموضوعين العرب والعراقيين، من امثال ساطع الحصري، طه حسين، الطيب تيزيني، برهان غليون، صادق جلال العظم،ابو يعرب المرزوقي، حسن حنفي، محمد اركون، محمد عادل العوا، جورج جبور، وحنا بطاطو وغيرهم الكثيرين من المفكرين العرب، الذين يشعر الانسان باختلافات وفروق في تفكيره قبل وبعد قرائتهم.
اذا سمح احدا لنفسه ان يسمي حسن ابن عليوي هندش، بالمفكر. مع كل تخريصاته وهذياناته البعيدة كل البعد عن الفكَر الناضجة. ترى ماذا سنسمي هؤلاء المفكرين والعلماء العرب، علينا ان نبحث عن دلالات او تعريفات اخرى لتوصيفهم. لان استخدام تعريف مفكر لحسن العلوي هو حط وانحطاط بالفكر، وشتيمة وتبخيس بحق المفكرين العرب.
لاشك ان من يوصف حسن بهذا التعريف، اما ان يكون منافق مثله، او جاهل، او من انصاف المثقفين. هذا الذي يقرأ باحكام مسبقة، مستفيدا من قابلية القراءة والحفظ، دون ان يستخدم قدراته العقلية الاخرى، يحلل ما يقرأ مثلا، يفحص المصادر، يعرض ما يقرأه على اساسيات البحث العلمي، يبحث عن، يتفحص صدق الرواية، داخليا، وظاهريا، يقارنها بسياقات السلوك العام لاشخاصها، وضمن اطار المرحلة التاريخية التي حصلت بها،كي يعطي لنفسه الحق او يمتلك القدرة على تقيم غيره من الكتاب، ما اذا كانوا مفكرين، او باحثين موضوعيين، او مجرد كتاب استخدموا قدرتهم على الكتابة، لعرض موضوع او الدعوة لترجيح، او نقد فكرة ما. لذلك فان بعض انصاف المثقفين الذين اعتمدوا في طرح موضوع الطائفية في العراق مستشهدين بحسن العلوي، هم من هذا النموذج من انصاف المثقفين امثال الكاتب باسم وهمي دكتور سعيد السامرائي او الدكتور عبد الخالق حسين،قد يكون هناك بعض المثقفين والمفكرين الذين لايشك احدا بقدراتهم العلمية، الا انهم متمسكين بمنهج شعوبي، صهيوني معادي للعرب والعروبة، كما هو الاستاذ سمير النقاش في كتابه عن شيعة العراق. لااحد يستطيع ان يشكك بعلمية الباحث سمير النقاش، وانا متاكد من انه يعرف مدى كذب وتزوير حسن عليوي هندش في كتابه ” الشيعة والدولة القومية ” لكن سمير النقاش، وهو يهودي عراقي الاصل، هاجر برفقة اهله الى فلسطين المحتلة منذ اوائل الخمسينات. وكتب كتابه عن الشيعة لاحبا بهم، ولارغبة في البحث عن الحقيقة، لكن ضمن برنامج معد مسبقا للترويج لمشروع شارون – ايتان بضرورة تقسيم الدول العربية الكبيرة لدول صغيرة.كي يروج لموضوعة : مظلومية الشيعة “، طبعا ليس تعاطفا انسانيا مع الشيعة، بل هي وظيفة مكلف بها ليخدم مؤسسات الصهيونية العالمية التي ظلت تامل ان يتصاعد الخلاف الشيعي –السني الى حد الذبح. وعندما لايجد سمير النقاش مادة يمكن ان تدعم مزاعمه يلجأ عادة لامثال حسن عليوي هندش، وهو يعرف جيدا انها مبنية على الزيف والبهتان. ذلك ما يعطيه العذر عند المحاججة او النقد، سيدعي عندها بانه خدع و لم يلتفت الى ان احدا يمتلك هذه القدرة على التزييف.

اما الكاتب الدكتور عبد الخالق حسين، في كتابته عن ساطع الحصري، انا متاكد واراهن بقوة وثقة انه كتب، واعطى رأياً بساطع الحصري معتمدا على كل من حسن العلوي، والاسم الوهمي د. سعيد السامرائي، دون العودة لاي من كتب ساطع الحصري التي ذكرها في اخر ما كتب كمصادر. كما انه لم يقرأ حتى كتاب كليفلاند ولا كتاب المستشرقة الروسية تيخونوفا.وان قرءهما فبعجالة قارئ الصحيفة لا بعقلية الدكتور، وافترض ان جميع حاملي شهادة الدكتوراة يمتلكون المعرفة باصول البحث العلمي، وسوف لن تعوزهم القدرة على اكتشاف التزييف والبهتان بكتابات حسن عليوي هندش.
ان كل ما كتبه د. عبد الخالق حسين عن ساطع الحصري اعتمد فيه على حسن، وعلى سعيد السامرائي. وسعيد السامرائي اعتمد هو الاخر كليا في كتابه عن الطائفية في العراق على كتاب ” الشيعة والدولة القومية” حتى ليشك القارئ احيانا ان سعيد السامرائي ليس هو الا حسن العلوي متنكرا.
لذلك اتمنى على الدكتور عبد الخالق ان يعيد قرائته لساطع الحصري، وبالعودة لكتابات الاستاذ ساطع الحصري نفسه، لا ما قيل عنه. بعدها سنحترم كتاباته في اي نتائج يتوصل لها ان سلبا او ايجابا بحق المفكر القومي الاستاذ الكبير ساطع الحصري.وانا مستعد لتزويده بالمصادر المطلوبة بما فيها مذكرات الاستاذ ساطع الحصري، وكتاب تيخونوفا، وكليفلاند، اذا تعهد كتابة باعادتها بعد فترة محددة اما الكتابة بهذا الشكل لاامتلك الا ان اقول عنه ليس الا كاتب، او نصف مثقف.
لاشك ان انصاف المثقفين هؤلاء او الكتاب المحكومين بالاحكام المسبقة هم احد اسباب تضخم الاحساس بالدونية عند حسن، فسيكولوجيا الدوني تجعله يفكر انهم يسخرون باعماقهم منه، فهو يعرف نفسه اكثر منهم، وهو يعرف انهم لايمكن ان يكونوا بمثل هذه السذاجة الى الحد الذي يتقبلون به هلاوسه وتخريصاته بهذه السهولة.
وعندما يعتقد انهم فعلا انخدعوا او صدقوا هلاوسه،فهذا يعزز به الميكانزيمات الدفاعية اللاشعورية التي تدفعه اكثر فاكثر لتضخيم اكاذيبه وهلاوسه.

ان الربط بين ساطع الحصري والطائفية هو ربط شعوبي خبيث، الغاية منه هو الربط بالايحاء بين المذاهب السنية و الحركة القومية العربية، للوصول منها لنزع الهوية العربية من التشيع والشيعة العرب.
او ما يسميه حسن العلوي، بتعجيم الشيعة او ترحيلهم من العروبة والهوية العربية، التي لم يقل بها احداً غيره. سوى رواية نقلها عن اخيه عادي العلوي عن الدكتور عيسى سلمان، كذبها مباشرة هادي العلوي في مجلة الحرية عدد 8 أب 1989.

اي شعوبية حاقدة هذه التي تريد ان ترحل مئات العشائر العربية الى الفارسية، واي خدمة تحلم بها ايران اكثر من ذلك، انها كافية لان تنعش شارون من غيبوبته لو سمع ذلك.
عندما يختزل هذا الشعوبي الملتصق زورا بلقب العلوي تاريخ العراق بما سماه الصراع السني – الشيعي. وكل سني هو قومي عربي، وان الحركة القومية العربية ما تشكلت الا كتعبير عن التعصب الطائفي عند سنة العراق من اجل انكار هوية الشيعة العرب، وترحيلهم عن العروبة..
كيف يمكن ان نفسر اذا ما ذكره د. فخري قدوري عن اول اجتماع جرى في منزله لانتخاب اول قيادة قطرية لحزب البعث فكان من بين اعضائها خمسة من سبعة من الشيعة. فؤاد الركابي، وعبد الله الركابي، تحسين معلة،علي صالح السعدي، شمس الدين كاظم (هكذا عرفت البكر وصدام، ص : 28)، اكد الاستاذ فؤاد الركابي صحة ودقة الرواية.
كما كان هناك ستة من ثمانية من اعضاء القيادة القطرية التي قادت حركة 8 شباط، هم من الشيعة العرب.(بطاطو، الكتاب الثالث، ص : 284).

حتى البعث بعهده الثاني بعد حركة 17 تموز 1968، ورغم كل الدعاوي الطائفية، والاتهامات شارك الشيعة العرب في الحكم ووصلوا الى اعلى المناصب، كرئاسة الوزراء، ووزارة الدفاع، ورئاسة اركان الجيش، والقيادة القطرية، وباختصار كان”اكثر من ستين بالمائة من البعثيين هم من الشيعة وكان الكادر الوسطي في البعث يتألف من اكثر من سبعين بالمائة من الشيعة وهم اساس بنية الحزب التنظيمية والتكوينية وهم من تولى العمل الجماهيري والتتنظيمي فيه” (محمد البغدادي، اكاذيب مظلومية الشيعة، شبكة البصرة، 25/3/2005)؛
كيف نفهم قبول القوميين من السنة العرب بقاء مهدي كبة كرئيس لحزب الاستقلال منذ اوائل الاربعينات وحتى حل الحزب.ان كل من حامد الجبوري، احمد الحبوبي، وهاشم علي محسن، وغيرهم من اوائل المؤسسين لحركة القوميين العرب في العراق كانوا من الشيعة.
كيف نفهم مساهمة شيوخ القبائل العربية الشيعية في قيادة الحركة القومية العربية ممن عرفوا بجماعة الصليخ، امثال الحاج عبد الواحد سكر، ونور الياسري ومحسن ابو طبيخ وغيرهم، ممن تحرك بقبائله من اجل اسقاط حكومة جميل المدفعي، وفرض ياسين الهاشمي كرئيس وزراء جديد على القصر الملكي. وتدخل محسن ابو طبيخ لاختيار الوزراء الجدد في وزارة الهاشمي (الحسني، الجزء الرابع خاصة الصفحات من 60- 82).
في الجانب الاخر، كيف نفسر وفقا لنظرية المفكر الكبير حسن عليوي هندش،استجابة مشايخ القبائل السنية في الرمادي –زوبع، البومحيي، الجنابات – لدعوة المجتهد الشيعي محمد ميرزا الشيرازي للمشاركة في ثورة العشرين، واندفاع الشيخ ضاري المحمود الزوبعي لقتال البريطانيين الى الحد الذي اضطر ابنه الشيخ سلمان الى قتل القائد البريطاني ليجمان. (علي الوردي، ج5، القسم الثاني،ص :67-71)، في حين وقف بعض شيوخ العشائر الشيعية في الجنوب ضد الثورة الشيخ خيون ال عبيد مثالا .
تظل بلا تفسير ايضا، ظاهرة اندفاع مشايخ ووجوه السنة في الموصل وتكريت وبغداد لتاييد الشيخ مهدي الخالصي في دعوته لعقد مؤتمر في كربلاء للمطالبة بانهاء الاحتلال، وتشكيل جيش عراقي مستقل، كرد فعل على الهجوم الوهابي على مدينة الناصرية في عام 1922(الوردي،ج6، ص:133 -1149 والحسني، ج1، ص:63-67). مقابل الكثير من مشايخ العشائر الشيعة تنادوا لعقد مؤتمر مضاد في الحلة للمطالبة ببقاء الاحتلال، والتخلي عن فكرة تشكيل جيش عراقي، والاعتماد على حماية بريطانيا العظمى (نفس الصدر، ص: 149-192).
تعايش الشيعة والسنة وبقية العراقيين من ابناء الاديان الاخرى على مر العهود في الدولة العراقية الحديثة، كمواطنين.تزاوجوا، وتشاركوا في الاعمال والتجارة دون حساب للانتماء الطائفي او الديني. كما هي توجهاتهم السياسية كانت تخضع لقناعاتهم دون اي اعتبار مذهبي او ديني.توزعوا على الاحزاب والحركات السياسية يمين ويسار، فبين الشيوعيين كما بين البعثيين والقوميين العرب كان هناك اعضاء قيادات واعضاء عاديين من مختلف التلاوين المذهبية، قد لايعرف العضو حتى انتماء الاخرين الذين يعملون معه في نفس الخلية الحزبية.
قدم الحزب الاسلامي طلب اجازة للعمل العلني في زمن عبد الكريم قاسم على ان محسن الحكيم هو الراعي او المرشد، والى عهد قريب جدا حتى ثمانينات القرن الماضي كان حزب الدعوة يدعي ان هناك على الاقل عضوين من قيادته من ابناء الطائفة السنية.
ان البحث العلمي يؤشر الى ان سبب المظلومية اذا كانت هناك مظلومية حقا، هم مجتهدي الشيعة الذين كانوا بالغالب ايرانيين، فقالوا بتحريم المدارس الحكومية، كما هو تحريم العمل في وظائف الدولة العراقية، بهدف عزل الشيعة العرب عن دولتهم، حتى اضطرت الحكومات العراقية المختلفة في العهد الملكي الى التوسل ببعض الشيعة للمشاركة في تشكيل الوزارات. وتوزير الجاهل والامي الذي تعلم القراءة والكتابة فقط في تكايا الملالي. كما حصل مع عبد المهدي المنتفكي، ومحسن ابو المحاسن. واول شيعي حصل على شهادة الحقوق صالح جبر، عين محافظا للبصرة ثم رئيس وزراء. واول عراقي حصل على الدكتوراة فاضل الجمالي عين وزيرا، عدة مرات، ثم رئيسا للوزارة.
عن وزراء المعارف الاميين، تحدث ساطع الحصري في مذكراته، يشكوا معاناته معهم ليس لانهم شيعة بل لانهم متخلفين، يريدوا ان يحولوا ديوان الوزارة الى مضيف خاص. يجمع عبد المهدي المنتفكي موظفي الوزارة لمدة اكثر من اربع ساعات ليناقشهم عن رايهم في تغير قطع التعريف التي توضع على باب كل غرفة (الارمات)، هل يجب ان تكون من الحديد او من الخشب، بعد ساعتين من الحوار الجاد جدا، صارت القناعة ان تكون خشبية فطرح الوزير مشكلة اخرى، هل يجب ان تكون ارضية الكتابة بالاسود والكتابة بالابيض، او العكس او الافضل ان يكون طلاء الارضية بالاخضر.
ان ساطع الحصري، المربي الاول في الدولة العثمانية، وصاحب النظريات المعروفة في التربية، ومدير معارف الدولة العلية العثمانية، ثم وزير معارف اول دولة عربية حديثة قامت في سورية في 1918. لاشك يعرف قيمة الزمن، ويؤلمه هدر الوقت بهكذا تفاهات،، ويتعطل عمل موظفي ديوان الوزارة بامثال هكذا ترهات.
فالخلاف بينه وبين الوزير عبد المهدي لايمكن ان يحسب بحسابات طائفية بل بحسابات النزاع على الصلاحيات بين وزير متخلف ومدير عام، حاصل على شهادات جامعية في وقته، وله نظريات، ووجهات نظر علمية في التربية.
الا ان ساطع الحصري يجب ان يكون طائفيا في المشروع الشعوبي التقسيمي، والافمن الصعب ربط الحركة القومية العربية، ثم العروبة بالسنة من عرب العراق، وتجريد الشيعة من عروبتهم. ولو لم يكن ساطع الحصري موجودا، كان يمكن ان يخلقوا رمزا حتى ولو خياليا، ليعطوه ما نعتوا ساطع الحصري به من نعوت واتهامات بالطائفية.
بعد ان حددنا الاطار النظري لمحاكمة هذا الدوني المتلبس بجلباب المفكر، سننتقل في الفصل القادم لمناقشة كتبه، كمادة للبحث، بغية الوصول الى نتائج موضوعية للفرضيات التي ححدناها في هذا الفصل وما قبله.

وفقا لهذه الملاحظات الاولية السريعة، نعود لمحاكمة كتب المفكر الكبير حسن ابن عليوي هندش، والكتب هي الخزينة التي يعرض بها المفكرين نتاجاتهم الفكرية.

كتب حسن عليوي هندش ستة كتب شحنها بتخريصات، واكاذيب، وقصص ملفة ليثبت ان تاريخ العراق ليس هو الا تاريخ الصراع بين الشيعة والسنة، مدعيا بانه يريد معالجة الطائفية، للتخلص من اثارها ونتائجها. الا ان الكثير من الروايات التي حشرها في هذا الموضوع تؤشر ايضا الى شخصية مريضة، غير سوية. هذه الكتب هي :
1 : دماء على نهر الكرخة، كتبه في عام 1980، واضح انه جهد متملق للرئيس صدام حسين، من الصفحة الاولى والاهداء الذي شبه به صدام بملوك بابل الذين لايكذبون، ويختمه اهداءه ” وهذا الجهد مقدمة لهذه المسلة (مسلة صدام حسين). اليه يرجع العمل الصالح ويرفع الجهد المتواضع “، وهذه الصفات التي اطلقها حسن على الرئيس صدام تنسجم مع سيرة التملق التي اعتادها للنائب ثم للرئيس صدام حسين.ففي مقال نشره في مجلة الف باء، بعد ما عرف بمؤامرة الحمداني، كتب حسن مقالا بعنوان : ” الرشيد يعصف بالبرامكة ” خاطب صدام فيه ” انت اعدل من عمر، واشجع من علي “.
تتمحور فصول الكتاب حول فكرة ان التشيع هو مذهب شعوبي تشكل بجهود الفرس المجوس، بالتعاون مع الشخصية اليهودية الوهمية عبد الله بن سبأ،فحرف الاثنين الاحاديث وسور القران من اجل ان يقولوا باحقية الامام علي بالخلافة، ولشق الامة العربية – الاسلامية حقدا على العرب والمسلمين، وظلوا يرددون هذه البدعة التي سماها حسن ابن هندش، ووضع لها عنوان رئيسي،”قميص علي” (ص : 54)، تورية للمشكلة التي صنعها المجوس على شاكلة تمسك الامويون بقميص عثمان. جاءت بعض عناوين فصول الكتاب كانت كما يلي : مجوس ومسلمون، متشيعون ام فرس، قميص علي، لماذا تشيع الفرس والخلافة في قريش،هولاكو – العلقمي – الطوسي-، الغزل باش والعمامة الصفوية.

2 : الكتاب الثاني هو “التاثيرات التركية في الفكر القومي العربي”: طبع عام 1988، لم يتطرق فيه ولا بالاشارة لنظام البعث او حكم الرئيس صدام لاسلبا ولا ايجابا، وهو الذي يدعي انه عارض النظام او خلق المعارضة واسسها. ركز الكتاب على رجالات العهد الملكي، معتبرا اياهم جميعا من القوميين العرب بما فيهم نوري السعيد، وجعفر العسكري، وجميل المدفعي، وحكمت سليمان، وكل الزعماء الاخرين الذين تناوبوا على السلطة باستثناء الشيعة منهم. كان ساطع واحدا ممن نالتهم الاتهامات فبدونه لايمكن ربط الفكر القومي العربي بالسنة وعزل الشيعة عن العروبة.
اعتبر حسن ان جميع وجوه العهد الملكي من ابناء العوائل السنية البغدادية هم اتراك بالنسب والثقافة، تارة من خلال امهاتهم التركيات او زوجاتهم، ومن لايجد له اما او زوجة تركية، فالمصاهرة والتزاوج ممن متزوج من تركية. اوعلى اساس الثقافة والدراسة.والمعروف ان جميع موظفي الدولة العراقية في سنينها الاولى هم خريجي المدارس والكليات التركية في اسطمبول او بغداد. لكنهم يتصرفون بنهج قومي عربي.فبدون الربط بينهم وبين الحركة القومية (واغلبهم ممن ارتبط بالاحتلال البريطاني معلنا عداءه للحركة القومية العربية) لاتكتمل خطة عزل الشيعة العرب عن بيئتهم، والغاء هويتهم العربية.
واضح ان الغاية من الكتاب هو ترضية بعض بقايا رجال العهد الملكي من الشيعة امثال سعد صالح جبر، وعبد الكريم الازري، ومن هو مستعد لتقديم الهبات لابن هندش.

3 : الشيعة والدولة القومية : يروج حسن في هذا الكتاب لفكرة مؤامرة سنية – بريطانية قادها او اتفق عليها كل من المندوب البريطاني كوكس مع الشيخ السني عبد الرحمن النقيب. طبعا يجب ان يحشر هنا اسم ساطع الحصري حشراً، فهو قومي – سني (رغم ان الرجل كان علمانيا) لكي يتحقق الغرض من الكتاب، ويثبت بجدارة امام اسياده انه كان مخلصا لمشروع شارون – ايتان. كل سني يجب ان يكون قومي عربي، وكل قومي عربي يجب ان يكون سنيا متعصبا ضد الشيعة العرب في العراق، وتصبح الحركة القومية وكانها ما تشكلت وظهرت الا لمحاربة الشيعة.
زور حسن اكثر من عشرين استشهاد من مصادر مختلفة ليثبت صحة ما يقوله، ولكي لااعيد ما وضحته من التزويرات والتحريفات في هذا الكتاب والتي كتبتها ونشرتها في كتابي ” ساطع الحصري والخطاب الطائفي الجديد “، انصح القارئ بالعودة للحواشي والمصادر التي كتبها ابن هندش في اخر الكتاب، ويعود للاصل، كمثال على ذلك ما نقله عن مذكرات ساطع الحصري، مذكرات سندرسن، كتاب كليفلاند، كتاب الدكتور وميض عمر نظمي، المعنون “الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية في العراق “. ليكتشف القارئ حجم ومساحة التزوير وتخريصات هذا المفكر الكبير.
رغم ان حسن عليوي اعتمد على كتاب الدكتور وميض في توصيف النقيب، ورغم ان وميض كان قد اعتمد منهج البحث العلمي في ايضاح دور الشيعة العرب في العراق ببناء الحركة القومية الا ان وميض سنيا، والسنة عند حسن لايحق لهم حتى في اطراء ادوار الشيعة الوطنية وقول الحق فيهم، لذلك فان وميض يصبح ممن يفتقرون للنزاهة ومشبوها بتهمة الارتباط (91-92). الحديث عن ادوار الشيعة الوطنية هو حق خاص بحسن فقط، لانه كما يرى حسن : “باعتقادي فان الحديث عن عروبة الشيعة العراقيين، هو اخر مراحل السير في قافلة الاتهام، واكثرها ايغالاً في ايذاء الاغلبية العربية ” (ص : 43

هذا الفاقد للنزاهة، والمشبوه بتهمة الارتباط،والوغل في ايذاء الشيعة، الدكتور وميض، يصبح بقدرة قادر في كتاب العراق الاميركي واحد من الصفوة القومية التي تتميز “بصفوة النقاء السياسي ” كيف ولماذا..!؟علمها عند الله، وعند المفكر الكبير حسن ابن علوي هندش.

اول تكذيب للروايات الملفقة التي اوردها حسن، جاء من اخيه هادي العلوي، شقيق حسن، حيث نشر تكذيبا في مجلة الحرية التي تصدرها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بعددها الصادر بتاريخ 8 اب 1989، يكذب فيه الرواية التي نقلها حسن عنه في ص : 41 من الكتاب. ان هذا التكذيب يكشف حجم المبالغة في التزيف والتزوير الذي ورد بالكتاب الى الحد الذي لايحتمله حتى هادي العلوي.
تعالوا نبحث عن المفكر هنا. ان الكتاب ينفي تماما ما قاله حسن في كتاب دماء على نهر الكرخة عن الشيعة، فبعد ان كانت عقائدالشيعة من تصنيع عبد الله بن سبأ، وقيادات المجوسية، اصبحت من ” فعل الرسول وقوله ” (ص : 13) كما يقول ايضا : ” ظهر التشيع في الجزيرة العربية. وبهذا يكون عربي المولد والنشأة وقد احصينا في لائحة عرضها باحث مرموق، مائة وثلاثين صحابيا من رواد التشيع الاوائل ” (ص : 13).
والشيعة اليوم هم اتباع فقه الامام الصادق الاتقياء، الذين تعلموا من فقه الامام الصادق الوطنية، ورفض العمالة والتعاون مع الاحتلال البريطاني (1914-1958)، كما فعل السنة العرب في العراق، الذين سرقوا الوطن، واعطوا الشيعة الوطنية اين هي الفكَر.
اين هي وحدة الموضوع، ما هو المنهج الذي اعتمده حسن ليتجرأ على عرب العراق، ليلغي عروبة الشيعة هناك في كتابه دماء على نهر الكرخة، وعروبة السنة هنا.
لم يجد القارئ، او الباحث منهجا او قاعدة فكرية يستند لها حسن في هذين الاستنتاجين المتضادين تماما. كما لايمكن فهم هذا التناقض الا من خلال الانتهازية المشبعة بالنفعية التي تدفع صاحبها لان يتلون ويتنقل في المواقع حسب ما تتجه بوصلة مصلحته وطمعه في الاكرامية، وقد عرف حسن بلقب الطاسة، تشبيها بالمتسولين الذين يحملون طاساتهم ويقفون في الطرقات. اي مفكر هذا الذي يضع قلمه بخدمة المتصدقين عليه بمال او امتياز..!؟.

هناك ملاحظة مهمة، يدعي حسن في كتابه العراق الاميركي انه هو من اسس المعارضة للنظام السابق، وخلقها وقادها الى ان حققت اهدافها. لكنه لحد هذا الكتاب المطبوع عام 1989، كان من الواضح يتحاشى الحديث عن النظام. حصر حديثه عن فترات الحكم السابقة على نظام البعث، اي انه تناول تاريخ العراق حتى 1968. لان سلطة الحزب في العراق كانت ما زالت قوية، وتثير رعب الكثير من ادعياء المعارضة. لم يتجرا حسن في الحديث العلني ضد نظام حزب البعث الا في مرحلة ما بعد ازمة الكويت، ويبدو ان حسن تصور ان النظام يمكن ان يسقط، او انه صار ضعيفا بما يجعله قادراً على الكتابة بدون خوف او خشية. خاصة وان حجم الاغراءات التي قدمتها دول الخليج لمن يؤيد ضرب العراق كانت تثير اغراء وتشد عزم حتى الجبناء. وفعلا تمكن حسن من ان يحقق الكثير من الارباح الى حد انه هو نفسه كان يردد ما مازاحا : ” ان الجميع خرج خاسراً من هذه الحرب، الا ثلاثة : ايران وسورية وحسن العلوي”.
ان الفكر ووجهات النظر والاراء التي طرحت في هذه الكتب الثلاثة نفت وسفهت بعضها بعض،فاتباع عبد الله بن سبأ والمجوسية، اصبحوا من الصحابة العرب، نشاؤا وترعرعوا مع مذهبهم (المجوسي، اليهودي) في الجزيرة العربية.
ما لم يتغير في هذه الكتب بعد الرأي الذي طرحه حسن حول السنة، وسنة بغداد خاصة في انهم اتراك يتظاهروا بالالتزام بالفكر القومي العربي، خدمة لبريطانيا العظمى .
الا رحمة بمفكرينا العرب.. كم نظلمهم ونتعدى عليهم عندما نسمي هذا الدوني مفكرا.

4 : كتاب “بقية صوت”، حاول حسن اخراج هذا الكتاب بطريقة الحوار، اختار اسم صحفي غير معروف، من غلمان باقر صولاغ وجريدته “نداء الرافدين” ليركب له حسن الاسئلة والمقدمة بطريقة ايحائية، تلمح الى ان حسن وصل من المكانة العالمية والعربية، ما هو معروفا وبديهيا حتى لهذا الصحفي. يتضح في كتابة المقدمة ان حسن انتقى هذا الصحفي لانه من اهل الرميثة ليثبت من خلاله انه ينتمي اصلا لعائلة تقيم في الرميثة، وواضح جدا انها احدى محاولاته لاثبات لنفي اصوله الهندية، بعد ان كشفت تلك الاصول بمقال نشرته بعنوان ” الباحثون عن المجد في الخواء ” في جريدة البديل الاسلامي، بعددها الصادر في 1 تشرين الاول 1987. استجاب الكاتب هادي العلوي للحقيقة كما كتبتها، وتعايش معها بعقلانية، وغير لقبه من العلوي الى البغدادي في كل السنوات التالية لمقالتي وحتى وفاته، بدأ يكتب لقب هادي البغدادي بدلا من العلوي.
في هذا الكتاب حاول حسن ان يغازل اول ما يغازل اسرائيل، والاطراء باليهود الذين سماهم بقية سيف حيث تميزوا ب ” الدفاع عن النوع(ما) يجعل من ابناء بقية السيف رجالا اشداء ورجالا خبراء ونساء نجيبات وابناء مهرة في كل صنعة. هكذا كان اليهود ” (ص :14)
ثم يبدأ بتقديم نفسه، على انه كان الكاتب والمفكر المميز الذي تربطه مع الرئيس البكر روابط صداقة حميمة، بحيث كان البكر ينتظر نصائحه، ويصحح مواقفه بناء على تعليمات ونصائح حسن، ويجتمع به باستمرار ليسمع مقترحاته، حتى ان البكر كعاشق لهذا المفكر كان لاينام الليل قبل ان يودع نهاره برسالة غزل لحسن هندش. اصل الادعاء يبنيه حسن على رسالة استلمها من البكر. وهي الوحيدة على ما يبدو. وعند العودة لنص الرسالة التي وضع لها حسن عنوان ” الرئيس احمد حسن البكر يكتب بلغة القارئ الى حسن العلوي ” يكتشف الانسان عند قراءة النص ان الرسالة كتبها البكر بعد ان شاهد مقابلة تلفزيونية لحسن، يبدو ان حسن اندفع فيها كما هي عادته في كيل المدح والثناء للبكر بشكل تضخيمي ومتطرف، لم يقبل به البكر نفسه فكتب يوجه حسن للتوقف عن المدح بهذه الطريقة.يقول البكر للمقابلة سبب الرسالة : “اريد ان تعرف بعض الشئ عن خصائصي وقد يعرفها جيدا عني كل من زاملني….. لست ممن تستهويهم عبارات الثناء وما يماثلها… اقسم برب الكعبة ” ثم يقدم البكر توجيهاته لحسن بضرورة التوقف عن مدحه، والكتابة ” بموضوعات تحبب فيه العراق باعين العراقيين ” (199) الرسالة كتبت بلغة مؤدبة لكنها واضحة بما لايقبل التفسير تعبر عن توجيهات رئيس لتابع، قائد الى جندي، وليس فيها مايشير الى توجهات قارئ لكاتبه المحبوب كما وضع حسن عنوانا في اعلى الصفحة.
ثم برواياته التالية يكشف حسن كذبه بنفسه، فرغم الزيارات المتكررة لبيت البكر والرسائل الغزلية المتبادلة، الى حد ان البكر يكشف اسرار الدولة همسا باذن حسن. الا انه عندما ادعى ان البكر كلفه بمهمة السفر برفقة عبد الستار الجواري، لم ياتي التكليف من البكر شخصيا، رغم اللقاءات اليومية المتكررة، بل عن طريق عبد الستار الجواري. لماذا هكذا بالواسطة وليس مباشرة. التحليل الوحيد ان البكر استكبر على نفسه ان يزعج حسن بالتكليف، فترجاه عن طريق الجواري كما كانت تترجاه تاتشر في قصته مع الدكتورة هلكا (العراق الاميركي، ص : 88)
يكشف حسن في هذا الكتاب سرا رهيبا، لاول مرة (كما يقول هو)، من تلك الاسرار التي تهز الارض وتفسر الكثير من الغوامض بتاريخ العراق. يقول حسن :عندما زار تيتو العراق، وفي المطار وحسن لاشك يهرول مع الصحفيين ” عندما عزف النشيدان الوطنيان العراقي واليوغسلافي للرئيسين فعقب صدام حسين قائلا: هل تتصور كم حقنة زرقت في جسد تيتو ليستطيع الوقوف على رجليه ربع ساعة “(44).كانت الزيارة في شباط 1979، وكان صدام حسين في اوج تالقه، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، وغيرها من المناصب التي تفرض عليه ان يكون الاول في صف المستقبلين بعد الرئيس البكر، ويليه صف طويل من المستقبلين من اعضاء القيادتين القومية والقطرية، واعضاء مجلس قيادة الثورة، ثم الوزراء، ويليهم الدبلوماسيين، ولم يكن حسن واحدا من هؤلاء حتى يقف في صف المستقبلين، بل صحفيا يهرول بين المصورين باحثا عن افضل وضع لالتقاط صورة هنا واخرى هناك. وفي عز الاستقبال حيث ان السلام الجمهوري يفرض على كل من يحضر في الساحة ان يقف بحالة الاستعداد ولايتحرك، بما فيهم الحرس والمصورين، يخرج صدام من صف المستقبلين ليبحث عن حسن ويقول له :شوف حسن كم ابرة زرقت في جسد تيتو ويعود لمكانه..!؟.
ان حادثة مثل هذه الحركة او الهلاوس الكارتونية التي صنعها حسن بخياله المريض، كان يمكن ان تخلق ازمة دبلوماسية بين العراق ويوغسلافيا، ولاشك كان هناك بعثة اعلامية يوغسلافية ترافق تيتو، كما ان هناك صفا اخر من المرافقين له بالوفد، وكل هؤلاء كان يمكن ان يلاحظ حركة الشخص الثاني في الدولة، هذه. كما لاشك كان يمكن لحركة كهذه من صدام حسين ان تنشر الفوضى والارتباك في ساحة الاستقبال، وتلفت نظر الحمايات والمرافقين. ومع ذلك لم يحسب صدام حساباته المهم ان ينكت ويثير البهجة في قلب المفكر العبقري الكبير حسن، تملقا وكسبا لرضاه.
طبعا هذه الكذبة قدمها حسن ليدعم كذبه اخرى سبقتها. عند اعلان المرسوم الجمهوري في منح نائب رئيس الجمهورية صدام حسين رتبة عسكرية. يقول انه سمع المرسوم وهو برفقة عدنان الحمداني ومحمد عايش الذين ابدوا دهشتهم لعدم علمهم المسبق بالقرار. الا ان حسن مع ذلك اعترض، وراح يحاجج صدام شخصيا ويلومه كيف يقبل هذه الرتبة :” كيف سنواجه العسكر في الحزب وانت قبلت الرتبة العسكرية ” (ص : 44). لاحظ تعبير نواجه هنا، التي لاتفهم الا ان صدام والبكرمن اصدر القرار، وحسن فقط، هم من يقود العراق، لااحد غيرهم، ما دام حتى الحمداني وعايش غير معنيين بالقرار،ولايمتلكون الجرأة لمناقشة الامر لم يبقى الا ابن عليوي هندش لها ليقف في وجه صدام حسين، ويؤنبه..!؟
قلت ان متابعة كذب وتخريصات هذا الدعي تحتاج لكتاب مستقل، فهكذا قصص تمتلئ بها كتبه. اكتفي بهذا القدر من الكذب الذي ورد في هذا الكتاب.
الا ان الكذب بهذا المستوى من السخف المثير للضحك. يعكس حالة نفسية مرضية حادة من حالات الشعور بالدونية اوصلت صاحبها الى حد الهذيان والهلوسة. وهذه صورة ايضا من اعراض البارونويا. والبانوريويا هناك تاخذ شكل الميكانزيم الدفاعي اللاشعوري، من خلال ما تضفيه من خلال الاوهام والخيالات من احساس لامتناهي بالعظمة، الى الحد الذي يتصور به ان البكر يسهر الليل لاينام يفكر بماذا قال حسن وما يريد، ويدبج في عز الليالي رسائله الغرامية الوهمية والتي لاوجود لها الا في مخيلة المريض. وصدام يكسر التقاليد البروتوكولية غير ابه بما يمكن ان يسببه هذا السلوك من اثر على علاقات العراق بدولة صديقة، فقط ليثير الاستئناس والبهجة في قلب حسن.
بقية القصص اترك القراء ممن يحتاج للضحك ان يتابعها بنفسه في كتابات هذا المهلوس المحكوم بالدونية، مفكر العربي الكبير الاستاذ حسن عليوي هندش.

الكتابين الاخرين : “العراق الاميركي، و”شيعة العراق وشيعة السلطة” اترك الحديث عنهما لفصل جديد، فهما يعكسان موقفين غريبين من استفحال مرض الدونية عند حسن عليوي هندش،فيتحفنا بقصص كبيرة جدا بحجم ععظمته وتفكيره. كما انهما يقدمان صورة مجسدة للنصاب، ابو الطاسة كما اسماه الكاتب علاء اللامي، فهو يكشف طرائق نصبه على المسؤولين العرب بنفسه. كما انه يكشف الاسباب التي دفعته لتغير اسم ابيه من عليوي للسيد نوري. فالسيد نوري وهو من سكان الكرادة الاغنياء، مات ولم يخلف ذرية، ويبدو انه كان وحيدا فوجد فيه حسن ضالته. يريد ان يستغل غياب السلطة في العراق والفوضى التي سادت الدولة العراقية لينهب مخلفات السيد نوري. كما ان الانتساب للسيد نوري يخلص حسن من عقدة الدونية، ومن عليوي هندش، الذي تنقل في عمله من جندي هندي في القوات البريطانية – شرطي في قوات الشبانة – خادم في جامع الرميثة – صباغ دور ومنازل (كما عرفه هادي العلوي) – فلاح وراعي مواشي في بدرة وجصان – كاتب حجب وتعويذات في الكرادة، صبي عند صيادي السمك. لاشك ان اسم السيد نوري يشرفه.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *