الديمقراطية قد تلد كوارث … بقلم عبد الله الزبيدي

الديمقراطية قد تلد كوارث … بقلم عبد الله الزبيدي
آخر تحديث:

من المعروف ان الديمقراطية آلية لبناء انظمة الحكم , عند ما تفوض الشعوب اشخاصا عبر صناديق الاقتراع ليحكموا باسمها عبر مواقع رئاسة الدولة والحكومة  والبرلمان ,ولذلك عرفت بانها تعني (حكم الشعب)ولقد شاع استخدامها خلال العقود الأخيرة, في الكثير من دول العالم بصرف النظر عن كونها جمهورية او ملكية او غير ذلك ,الا ان الديمقراطيــــة ليست وصفة جاهــزة تأتي بذات النتائج في كل زمان ومكان, بل ان ما يتمخض عنها يأتي دائمـا انعكاسا للواقع الذي تمارس فيه,(فالواقع الاجتماعي والثقافي والحضاري والاقتصادي والديني والسياسي)يقرر النتائج سلفا ويلعب المال والاعــلام دورا كبيرا ومؤثرا في جميع دول العالم تقريبا ,وقد تلعب خبرة الشعور دورا مهما في تحقيق النتائج لهــذه الممارسة .

ولكن بشكل عـــام والاستثناء قائم فان هذه الممارسة لم تحقق(جمهوريــــة افلاطـون)في اغلب دول العالــم ,ولكي لا نسترسل بالتعميم فلنأخـذ الولايات المتحدة الامريكية باعتبارهـا من الدول الكبرى التي تمارس الديمقراطية منذ مئات السنين ,واخذت تسوقهـا لبقية شعوب العالم باعتبارها احــدى وسائل العولمة او الامركة ,فمن المعروف ان الحزبيــن الجمهوري والديمقراطي يتناوبــان على حكـــم امريكا منذ امد بعيد ,ويتمتع الرئيس بصلاحيــات واسعة جــدا ,الا ان الحياة السياسية ونتائج الانتخابات تخضع لتأثير ثلاثة اطراف ,اولها الشركات الرأسمالية الكبيرة التي تؤثرفي السياسة الداخلية والخارجية ,واللوبي اليهودي من خــلال منظمتي (ايباك وول ستريت) اللذان يلعبان دور( بيضة القبان) في السياسة الامريكية تجــاه العرب منذ ان ورثت امريكــا مواقـع الاستعمار الاوربي في الشرق الاوسط بعد الحرب العالمية الثانية .

ومن يعود الى ملفات الامم المتحــدة سيجد عــدد المــرات التي استخدمت فيها امريكا (الفيتو)الى جانب الكيان الصهيوني بوقاحة وصفاقة بعيدتان عن الاخلاق والقيم الانسانية والحق والانصاف ,اما الطرف الثالث الذي يؤثر فــي نتائج الانتخابــــات بل يلعب دورا كبيرا في تظليل الشعب فهو الاعلام وما تنتجه وتسوقه ستوديوهات (هولي وود) وغيرها ,وللتدليل على ما اوردناه يمكن العـودة الى انتخابات آخر رئيسين وهما (بوش الابن وباراك اوباما) ,فبوش الابن جاء رئيسا بانتخابات تدور حولها الكثير من الشبهات ,وقام بغزو العراق واحتلاله بمبررات واكاذيب اكتشفها كل العالم ,واضرت بسمعة امريكا ومصداقيتها وتكبدت خسائر مادية وبشرية هائلة , الا ان الشعب الأمريكي كافأه بدورة رئاسية ثانية ! وبعد انتهـــاء رئاسة بوش الثانية والذي كان من نتائج سوء افعاله رجحان كفـة الحزب الديمقراطي جــاء (اوباما) فقرر سحب القوات الامريكية من العراق ايفاء للوعود التي طرحهــا في برنامجه الانتخابي لأيقاف نزيف المال  والدم الامريكي ,وكان ذلك نهاية عام( 2011) وبعد انتهاء ولايته الاولى كافأه الشعب الامريكي بولاية ثانية, وخــــلال شهر نيسان ابريل الماضي قام اوباما بزيارة بوش الابن بمكتبه فقال له (اشكر الرب لأنني جئت بعــدك وسحبت القوات الامريكية من العراق لأيقــاف هــــذه المأساة التي سببتها للشعبين ,فأجابـــــه بوش لو كنت بقيت بالرئاسة لأبقيت القوات الامريكية بالعراق خمسين عاما ).

اذن اين الخطأ واين الصواب  في قرار الناخب الامريكي؟؟ الم يكن الشعب الامريكي واقعـا ـتحت تأثير الجهات التي ذكرناها ؟ اين ديمقراطية أمريكا  ؟ اذن هذه ديمقراطية امريكا التي يتبجح المسؤولون فيها بانها قد اسست في العراق نظامـــا ديمقراطيــا ,بعد ان دمرت كل شيء ووضعت البلد علــــى طريــق الفوضى والصراع والاقتتـــال لتنفيــذ المشروع الصهيوني ,الذي وضعت  اسسه في( دستور) تم اخراجه بمسرحية انتخابات جرت تحت حراب المحتل والقانون الدولي يمنع اجراء انتخابات او تغيير قوانين البلد المحتل ,وعلى ضوء هذا الدستور تم بنـــاء ما يسمى (العملية السياسية) التي  يديرها النظـــام الصفوي الفارسي وهي ماضية بالعراق,في طريق الصراع الطائفي والعرقي والتفتت ,بعد ان ولدت لنـا الديمقراطية  حكومة عصابات ولصوص ومليشيات تديرها اطراف متعددة , واصبح جليـا جـدا ان امريكا تريد للعــراق ان يكـون النموذج الـذي تريـد تعميمـه ,علــــى العرب لبنــاء شرق اوسط  جديــد علـى شاكلتـه ,ليكـون سيده الكيــان الصهيوني لان الذكرى المئوية لاتفاقية (سايكس بيكو)قريبة جداحيث ابرمت بين فرنسا وبريطانيــا بتأريـــخ 16-5 – 1916 , ولذلك دلالات ومعاني عندما يلاحظ المـرء ما يجري في الكثير من الاقطـــار العربية .

ويبدو جليا ان  امريكا والصهيونية قــد اوكلتا مهمة تفتيت العرب للنظام الفارسي الذي يحمل اسم الاسلام والمذهب ,بعد ان تهيأت له الارضية بوصول الاحزاب التي تتخذ من الاسلام اغطية لهــا ,وبعد ان اصبحت لهـذا النظام العنصري الطائفي مواطيء قدم في العديد من الاقطار العربية .    

 ايها العراقيون ان الديمقراطية التي اهدتكم اياها امريكا ,قد فرخت لكم ضياع سيادتكـم بعد ان اصبح   بلدكم مستعمرة فارسية ,وحكومة عصابات ومليشيات تقتل على الهوية وتنتهك الحرمات ,ومافيــا لسرقة امــوال الشعب وانعدام كل متطلبات الحيـــاة و تفشي المخــدرات 0ونحن اذ قلنــا ما قلناه عن الديمقراطية فلسنا ضدها بل نؤمن بهـا كوسيله لبناء نظام تعددي متوازن ,وتحقيـــق العدالة واطـــلاق الحريات واتاحـة الفرص امــام الكفاءات الوطنبة ,الا ان ذلك لا يمكن ان يجري تحت حراب المحتل وغياب الارادة الوطنية فلا انتخابات في ظل الاحتلال كما ينص القانون الدولي وكل ما يترتب عليها باطل ,لذلك فليس امامنا من سبيل الا تطوير الاعتصامات والتظاهرات لتشمل كل العراق وتتطور الى انتفاضة شعبية عارمة تطيـــح بكل ما تركه المحتل ,حيث يصار الى تشكيل حكومة وطنية مؤقتة ,تتولى اعـــداد دستور للبلاد واجراء انتخابات عامة لبناء نظام تعددي ديمقراطي .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *