حين ترتعد حكومة الاحتلال امام رجالات العراق … بقلم عوني القلمجي

حين ترتعد حكومة الاحتلال امام رجالات العراق … بقلم عوني القلمجي
آخر تحديث:

 لقد ترددت كثيرا قبل ان احسم امري في الدفاع عن الشيخ حارث الضاري ونجله الدكتور مثنى، لسبب وجيه وواضح جدا. فالرجلان ليس بحاجة لي او لغيري في هذا الخصوص. فهما يستندان الى دعامة صلبة، لحمتها شعب العراق وسداها هيئة علماء المسلمين الغنية عن التعريف. واذا لم يكن هذا وذاك، فيكفي مكانة العائلة والعشيرة التي ينتميان اليها، لما لها من سجل وطني مشرف في تاريخ العراق الحديث، وقد نجد نموذجا عنه في عميدها الراحل ضاري المحمود الذي يعد من ابرز قادة ثورة العشرين الخالدة، والذي تغنى العراقيون يوم تشيعه الى مثواه الاخير باهزوجة “هز لندن ضاري وبجاها”، اي اجبرها على البكاء، في اشارة الى قتله للجنرال ليجمن الذي نصبه الاحتلال البريطاني حاكما عسكريا على العراق.

المسالة هنا تعود الى القرار المجحف الذي اتخذه نوري المالكي، رئيس حكومة الاحتلال الخامسة، بسحب الجنسية العراقية من الشيخ حارث ونجله مثنى، والذي تم الكشف عنه قبل عدة ايام من قبل وسائل الاعلام المختلفة. ولو اقتصر هذا الفعل المشين على قصد كيدي، او حقد او غطرسة حاكم وانتهى عند حدود الرجلين لهان الامر، فلقد سبق للمحتل وحكومته اتخاذ العديد من هذه الاجراءات، بحقهما، من قبيل اصدار اوامر اعتقال او تجميد اموال او منع سفر الخ. بيد ان صدور هذا القرار وفي هذا الوقت بالذات، فانه يدخل في صلب اجندة المالكي للمرحلة المقبلة والتي تنبئ بمخاطر جسيمة على مستقبل العراق ووحدته ارضا وشعبا، فالشيخ الضاري يقود هيئة علماء المسلمين التي تتمتع بحضور واسع في الشارع العراقي، مثلما لها حضور متميز في ساحات الاعتصام في محافظة الانبار، ناهيك عن المكانة العربية والدولية التي تحظى بها. ولو كان الامر غير ذلك لما اقدم المالكي على اتخاذ مثل هذا القرار ويعرض نفسه الى فضيحة من العيار الثقيل، فالدستور المفبرك الذي وضع نفسه حاميا له ويطالب الناس قبل خصومه بالاقتداء به والرجوع اليه في كل صغيرة وكبيرة، قد حرم اتخاذ مثل هذا القرار لاي سبب كان كما نصت المادة 18 منه وفي فقرتها الثالثة  (أ ) : “يحظر إسقاط الجنسية العراقية عن العراقي بالولادة لأي سببٍ من الأسباب، ويحق لمن اسقطت عنه طلب استعادتها، وينظم ذلك بقانون”. مثلما يعرضه الى المسائلة من قبل حزبه واقطاب من حكومته حول الرسائل التي بعث بها الى الشيخ الضاري، والتي اطلعت عليها بنفسي، يشكو فيها نواب السنة في البرلمان ويصفهم بالفاشلين، ويدعوه لان يكون الممثل الوحيد لسنة العراق حسب ما ورد في احدى رسائله. وهذا يعني اعترافه بدور الهيئة في الشارع العراقي وحضورها المتميز.

نعم ان  لهذا القرار ابعاد خطيرة اذا ما نظرنا اليه ضمن سياقه وتزامنه مع تطور الاحداث الجارية في العراق. حيث يدفع المالكي بالبلاد نحو الهاوية من خلال بذل الجهود لزج العراقيين في حروب اهلية ذات صبغة طائفية. وفي هذا الخصوص هناك من الوقائع والاحداث ما يدعو للتفكير والتامل، ففي الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في محافظة الرمادي وامتداد لهيبها الى العديد من المدن العراقية، للمطالبة بحقوق مشروعة، يقوم المالكي، بدل التفتيش عن الاجراءات التي تلبي هذه المطالب، بالتفتيش عن اي سبب لخلق حالة صدام مسلح بين جيشه الميليشاوي وبين المنتفضين، فهو لم يكتف بوصف الانتفاضة. بالفقاعة والنتة تارة واتهامها بتنفيذ اجندات خارجية تارة اخرى، وانما اخذ يمارس استخدام القوة العسكرية ضدها بين الحين والاخر، بالمقابل وجراء معرفته برفض العراقيون لمثل هذه الحروب، كونها مشروع امريكي صهيوني ايراني، يحاول المالكي اشاعة الخوف والرعب في نفوس البسطاء من اخوتنا الشيعة مدعيا بان الانتفاضة سنية ومتعاونة مع تنظيم القاعدة والجيش السوري الحر وانها تخطط لانهاء الحكم الشيعي وعودة البعث الى السلطة الى اخره من هذه الترهات.  

ليس هذا فحسب، وانما سمح المالكي، بل شجع على  تشكيل ميليشيات مسلحة جديدة للوقوف بوجه الخطر القادم من المنطقة الغربية!! ، كان ابرزها جيش المختار لصاحبه واثق البطاط الذي بدا العمل على تصفية السنة كما يصفهم وتهجير العوائل التي تسكن المناطق الشيعية حسب تصنيفاته. ودعك من اصداره اوامر بالقاء القبض على البطاط التي هي بمثابة ذر الرماد في العيون، والا بماذا يفسر لنا المالكي ظهور البطاط علنا في الشوارع ويلقي الخطابات في الساحات ويظهر على الفضائيات؟ في حين خرجت المظاهرات المؤيدة له تدعو الى تصفية جماعة معاوية ووصفهم بالمجرمين. وفي اخر ابتكار له لتازيم الاوضاع قرر المالكي تنفيذ حكم الاعدام باثنى وعشرين شخصا تحت تهمة 4  ارهاب الذي بات يطلق عليه قانون 4  سنة، وكان قبلها باسبوع او اكثر، شنت شرطة المالكي هجوما على السجناء من الطائفة السنية في سجن ابو غريب وقتلوا وجرحوا عددا منهم.

بالمقابل وعلى الجانب الاخر، لم يسلم حلفائه الكرد الذين حملوه على اكتافهم واوصلوه الى هذا المنصب من خلال اتفاقية اربيل السيئة الصيت والسمعة، فهو قد صعد خلافاته مع قيادة الاحزاب الكردية وعلى وجه الخصوص مسعود البرزاني، الامر الذي سيؤدي الى استقلال الاقليم عن المركز حسب التعبير الدارج، اي الاعلان عن الدولة الكردية، بل حتى حلفائه في البيت الشيعي كما يصفوه قد اصطدم معهم الواحد تلو الاخر. واذا جمعنا هذه التوجهات العدائية في سله واحدة، فان ذلك , يعني تهيئة الاجواء لكل مقومات تقسيم العراق والذي قد يمر قبلها بحرب اهلية او طائفية، ويبدو ان حزب الدعوة بكامله قد ارتضى تقسيم العراق، وهذا ما يفسر لنا انتخاب المالكي وبالاجماع امينا عاما لحزب الدعوة قبل عدة ايام كمكافئة له على هذا العمل بدل اقصائه نهائيا من الحزب المذكور جراء فشله في توفير ابسط حقوق المواطن الحياتية وكذلك توفير الامن والامان للناس.

ترى ما الذي دعا ويدعو المالكي للدخول في هذا النفق المظلم؟ هل هي بسبب سذاجة سياسية او قلة خبرة ميدانية او بسبب غطرسة الحكام؟ ام ان هناك اسباب اخرى غير ذلك؟ وهل من بين هذه الاسباب وجود رغبة امريكية وايرانية بتقسيم العراق الان وليس غدا؟.

لم يعد سرا ولع المالكي في السلطة والاستمرار بها طول حياته، فهو القائل “اخذناها وبعد ما ننطيها”، ولذك نراه يقيم الدنيا ولا يقعدها كلما جرت محاولة لسحب الثقة منه، مستخدما كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للافلات منها، ويبدو ان فرص نجاحه للفوز بولاية ثالثة ورابعة وخامسة بدات تتضائل وتذوب. الامر الذي يدعوه للقبول بحكم دولة شيعية في الجنوب او حتى دولة بقدر مساحة الفاتيكان، ومن المؤشرات على ذلك، اتخاذ البرلمان المزعوم قرارا  بتحديد ولاية الرئاسات الثلاثة بدورتين انتخابيتين، وتاييد اطراف من داخل التحالف الذي ينتمي اليه المالكي لهذا القرار؟. مثل التيار الصدري ومجلس الحكيم. ومنها ايضا بقاءه وحيدا دون سند يحصل عليه من الكرد او “العرب السنة” جراء تصادمه مع الجميع، بل ان معظم حلفائه قد اعتبروا رحيل المالكي شرطا للاستمرار في العملية السياسية العقيمة، اما عموم الشعب العراقي فانه لم يعد يطيق المالكي ولا يطيق عمليته السياسية، جراء وعوده الكاذبة بتامين ابسط الحقوق الحياتية للمواطن العراقي ناهيك عن شيوع الفساد المالي والاداري وتزايد حجم السرقات الكبيرة للمال العام والخاص على حد سواء.

دعونا نسترسل اكثر، فامريكا هي الاخرى اصبحت مستعدة لتقسيم العراق بعد ان تضائلت امامها فرص الهيمنة على العراق كله لعقود طويلة من الزمن،  جراء عجزها عن مواجهة المقاومة وانهائها، اما ايران وبسبب تبخر احلامها في الهيمنة على العراق وفشل مخططها نهائيا في تحقيق فكرة الهلال الشيعي جراء اقتراب سقوط حليفها الاستراتيجي المتمثل في النظام السوري، فقد ارتضت، على ما يبدو،مشروع التقسيم وضم جنوب العراق اليها. اما عراقيا فلن تجد اكثر من الاحزاب الكردية شوقا لتقسيم العراق وتحقيق الحلم الكردي باقامة دولتهم المستقلة، بل حتى فكرة اقامة دولة سنية في المنطقة الغربية اخذ الترويج لها ليل نهار من قبل البعض من تجار السياسة والمال.

لا داعي لتذكيرنا بالعقبات التي تحول دون تقسيم العراق فالعمل من اجل تذليلها قد بدا فعلا وفي جنح الظلام، خاصة من قبل امريكا وايران على وجه التحديد، كما اصبح بالامكان ايضا ازالة مخاوف الدوائر الغربية والاقليمية ، من انتقال تداعيات التقسيم، او انتقال الصراع الاهلي العراقي الى الدول المجاورة. عبر استغلال ايران لوجود دولة شيعية او اقليم شيعي  في الجنوب ، للتمدد واكتساب المزيد من النفوذ داخل منطقة الخليج والمنطقة عموما. حيث بامكان الولايات المتحدة ،ان تلزم جميع الاطراف المستفيدة من تقسيم العراق، باتفاق امني قوامه المساومات وتقديم التنازلات المتبادلة، يحرم بموجبه استغلال الوضع الجديد وتداعياته، وما قد يترتب عليه من نتائج  . وهذا ما يفسر صمت هذه الدول، التي كانت تتداعى فيما مضى الى عقد اجتماعات على وجه السرعة ، مثل تركيا وايران وسوريا والسعودية ، لمجرد ان تلوح في الافق ، نية لتقسيم العراق.  وكانت هذه الاجتماعات عادة ما تنتهي بموجة من التاكيدات التي تطلق لاعلان الحرص على وحدة ارض العراق وشعبه ودولته . بمعنى اكثر وضوحا فان هذا المخطط القديم الجديد ، قد دخل، على ما يبدو، حيز التنفيذ.  بغض النظر عن امكانية النجاح او الفشل.

ليس قصدي تحميل الامر اكثر من حدوده، او اشاعة الياس في النفوس. فقناعتي بقدرة شعب العراق على احباط جميع المؤمرات ضده ليس لها حدود. لكن في نفس الوقت ليس من الحكمة السياسية تجاهل هذه المحاولات الخطيرة، او السكوت عنها تحت اية ذريعة كانت، خاصة وان الشارع العراقي يخضع الان لاكبر عملية تزوير وتشويه للعناوين الكبيرة، حيث يجرى التستر على تقسيم العراق تحت اسم نظام الاقاليم او الفدراليات التي تسير عليها الدول المتقدمة، ويضربون لنا الامثال بالتقدم الحاصل في اقليم كردستان، حيث الامن وتوفير الخدمات وغيرها.

 خلاصة القول، فنحن امام مواجهة مع اكبر مؤامرة تستهديف انهاء وجود العراق من خارطة العالم السياسية، ولذلك علينا جميعا تقع مسؤولية دحر هذه المؤامرة الغادرة، وهذا لن يتم دون انهاء الاحتلال بالكامل وطرد حكومته العميلة، ليتسنى لنا استعادة استقلال العراق وسيادته الوطنية واقامة نظام وطني ديمقراطي تعددي.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *