شناشيل : عار تركي عمره مئة سنة

شناشيل : عار تركي عمره مئة سنة
آخر تحديث:

 

عدنان حسين

مثلما لم تنجح معركة غاليبولي في الحفاظ على كيان الدولة العثمانية منذ قرن، فشلت الاحتفالات الضخمة المرتبكة التي نظمتها الحكومة التركية بالذكرى المئوية لتلك المعركة في التغطية على المناسبة المتزامنة، وهي الذكرى المئوية للإبادة الجماعية للأرمن في تركيا العثمانية.

في أوروبا كلها، وفي غيرها من البلدان المتحضرة، حظيت ذكرى الإبادة الأرمنية بتغطية إعلامية واسعة فضلاً عن النشاطات التي نظمتها الجاليات الأرمنية وسواها ونشطاء حقوق الإنسان في هذه المناسبة.

الدولة العثمانية انتهجت طوال تاريخها سياسة التمييز الديني والقومي، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى التي اختارت فيها الدولة العثمانية التحالف مع ألمانيا، نظّمت السلطات العثمانية على مدى الأعوام 1915- 1917 مذابح وعمليات ترحيل جماعية ضد الأرمن والسريان والآشوريين والكلدان واليونانيين، وانطوت تلك العمليات على حالات إعدام واغتصاب جماعية للآلاف من النساء وإرغام مئات الآلاف على الرحيل سيراً على الأقدام آلاف الكيلومترات قبل الحصول على ملاذات آمنة في العراق وبلاد الشام وسواهما.

يقدّر المؤرخون أعداد القتلى والموتى في تلك العمليات بما يزيد عن مليون نسمة من الأرمن وحدهم وعدة مئات من الآلاف من القوميات الأخرى. وتؤكد الوثائق ان كل ذلك جرى في إطار سياسة ممنهجة، ما حمل العديد من الحكومات والمنظمات الدولية، وبينها منظمة الأمم المتحدة، على وصف ما جرى حينذاك بانه “جينوسايد”، أي عملية إبادة وتدمير جماعية على أساس عرقي أو ديني.

لم يعترف كمال أتاتورك، الذي أقام الجمهورية التركية على أنقاض الدولة العثمانية، بتلك الجريمة، بل أنكرها، وعلى خطاه مشى خلفاؤه جميعاً وصولاً الى الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان الذي من الواضح انه يعمل لإقامة دكتاتورية متوحشة جديدة في بلاده.

في الخطاب الذي ألقاه يوم الجمعة الماضي في الاحتفال بمئوية معركة غاليبولي، وجّه أردوغان دعوة لـ”تحويل آلامنا المشتركة الى أداة تشجع على الأخوة والسلام (…) وتكون دواء ضد الإرهاب والعنصرية والإسلاموفوبيا والكراهية”. هذه الدعوة موجهة في المقام الأول الى البريطانيين والفرنسيين الذين كانت قواتهم تحارب في الطرف المقابل للقوات العثمانية في تلك المعركة، فيما لم يشأ أن ينشد السلام مع الأمم الأخرى التي كانت ضحية للجينوسايد العثمانية.

لن يكون في وسع أردوغان، حتى لو أرسى دعائم دكتاتوريته المتوحشة الصاعدة، أن ينجح في ما فشل فيه أسلافه الأتاتوركيون في طي تلك الصفحة السوداء المشينة في تاريخ الدولة العثمانية والدولة التركية الحديثة والأمة التركية، فعار تلك المذابح والويلات سيظل يلاحق الأتراك جميعاً إلى أن تأتي قيادة لهم تقرّ بما سجّله التاريخ وظلت شواهده قائمة حتى اليوم.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *