شناشيل : لحظة العبادي

شناشيل : لحظة العبادي
آخر تحديث:

 

 

 عدنان حسين

قبل ساعتين من انطلاق مظاهرة الجمعة الماضي في بغداد، أصدر رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي آخر توجيهاته بشأن الطريقة التي يلزم أن تتعامل بها قوات الأمن مع المتظاهرين، وطلبَ تزويده بالتقارير عن وقائع ما سيجري في ساحة التحرير أولاً بأول، بما في ذلك بث تلفزيوني مباشر عبر دائرة مغلقة لتمكينه من متابعة الوضع عن كثب.

وبعد ساعة أو يزيد من انتهاء المظاهرة أجرى السيد العبادي اتصالات تلفونية مع قادة الكتل والائتلافات والأحزاب المتنفذة في مجلس النواب والحكومة، وسألهم واحداً واحداً عمّا اذا كانوا قد تابعوا التقارير التلفزيونية عن المظاهرة التي فاق عدد المشاركين فيها كثيراً توقعات هؤلاء القادة ومساعديهم وقادة أجهزة الأمن والاستخبارات الذين لم تزد تقديراتهم عن بضعة مئات من “البطرانين” يمكن أن يصلوا الى ساحة التحرير متحدّين الحرّ اللّاهب وطافرين فوق حاجز الخوف.

العبادي دعا في اتصالاته تلك القادة السياسيين إلى اجتماع عاجل معه في اليوم التالي للبحث في ما يتعيّن عمله.

يوم السبت حضر القادة أو ممثلون رفيعو المستوى عنهم إلى مقر رئاسة الوزراء، واستمعوا في البداية إلى حديث من العبادي عرض فيه رؤيته لما حدث في ساحة التحرير ومعناه ولما يتوجّب على الطبقة السياسية الممسكة بمصادر السلطة والنفوذ والمال فعله من الآن فصاعداً.

العبادي قال للقادة أنه يرى في ما حدث “إنذارا مبكراً” للجميع عليهم أن يأخذوه في الاعتبار ( الواقع إن السيد العبادي نسي لحظتها أن الإنذارات المبكرة كانت قد تتابعت منذ مطلع العام 2011 وتكررت في العالم التالي، لكنّ الحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي تعاملت مع تلك الإنذارات باستهانة ما أدى إلى سلسلة من الكوارث بلغت ذروتها باجتياح داعش واحتلاله ثلث مساحة البلاد وما ترتب على ذلك من ويلات ومحن ومجازر تتواصل حتى اليوم).

رئيس الوزراء حذّر بدوره زعماء الطبقة السياسية من أن التعامل مع هذه المظاهرة والمظاهرات المحتمل اندلاعها لاحقاً بنفس الطريقة السابقة سيؤدي هذه المرة إلى “ما لا تحمد عقباه”، ملمّحاً إلى احتمال حدوث ثورة شعبية عارمة تشمل كل المحافظات، وهو ما سيجعل الأوضاع في البلاد خارج نطاق السيطرة، خصوصاً وان القوات العسكرية والأمنية مشغولة بالحرب ضد داعش.

السيد العبادي طرح على المجتمعين اقتراحاً بتشكيل حكومة جديدة في غضون شهر من الآن لتنظيف الحكومة الحالية من الوزراء المطعون في نزاهتهم ووطنيتهم والذين أثبتت تجرية سنة كاملة أنهم تنقصهم الكفاءة والخبرة، وأضاف أن على القوى السياسية المُمثّلة في الحكومة أن ترشّح له وزراء جدداً يختلفون تماماً عن الوزراء الحاليين، أو أن يتركوا له مهمة الاختيار، وأن أولويات هذه الحكومة تتمثل في مكافحة الفساد وتنشيط الاقتصاد وإعادة هيكلة أجهزة الدولة وتحسين الخدمات العامة وتقديم قوانين بناء الدولة الى البرلمان. وتابع العبادي أنه يرى أيضاً الحاجة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في غضون سنة لتنظيف مجلس النواب هو الآخر من الأعضاء المطعون في نزاهتهم ووطنيتهم وأثبتت تجربة سنة كاملة أنهم ليسوا ممثلين للشعب العراقي.

بخلاف هذا – قال السيد العبادي للمجتمعين إليه – إنه سيبادر بنفسه إلى إجراء تعديل وزاري واسع وأنه سيتقدم بتشكيلته الوزارية الجديدة إلى مجلس النواب، ولأنه يعرف أن موافقة المجلس على الحكومة الجديدة غير مضمونة فسيلجأ إلى الشعب.. سيطلب من الناس النزول إلى الشوارع والساحات للضغط على أعضاء مجلس النواب لتمرير التشكيلة الوزارية الجديدة، وأكد أنه في ضوء تجربة الجمعة الماضي يتوقع أن ينزل الملايين تأييداً لمشروعه هذا لأنه من الواضح أن الثقة بالحكومة والبرلمان الحاليين متدنية للغاية، وختم بالقول إنه إذا لم يتحقق له هذا فسيُعلن استقالته ويلقي بالكرة في مرمى القادة ليتدبروا أمرهم مع شعب انتهت مدة تخديره وبدأ يستعيد وعيه وإدراكه ويتحفّز للانفجار.

هذا السيناريو لم يحصل بالطبع.. إنه محض خيال، لكنه سيناريو واقعي كان يتعيّن أن يكون، ويمكن له أن يكون الآن، لأنه الحل الأفضل في الظرف الراهن لخروج السيد العبادي وحكومته وعموم الطبقة السياسية من مأزقهم الذي ينبغي أن يتحسّبوا لإمكانية انتهائه بانقلاب الطاولات عليهم جميعاً.

بعد الذي جرى يوم الجمعة غدا العبادي، الذي بخلاف سلفه المالكي اتخذ حيال المظاهرة موقفاً مسؤولاً، وطنياً وإنسانياً ومدنياً وحضارياً، رجل الدولة والسياسة الأول في البلاد، وهذه لحظة نادرة الحدوث في بلد كالعراق.. إنها لحظة ولادة الزعيم الوطني، وهي اللحظة المناسبة للعبادي لأن يفعل ما يريد إنْ كان حقاً يعني ما ظلّ يقوله منذ توليه رئاسة الحكومة قبل سنة.. وإذا ضيّعها فستضيع عليه وعلينا.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *