شناشيل : منحة المثقفين

شناشيل : منحة المثقفين
آخر تحديث:

 

عدنان حسين

هذا خبر طيب وإن بدا للبعض خلافاً لذلك.. إنه إعلان بإغلاق نافذة للفساد الإداري والمالي الذي له في دولتنا بوابات هائلة الحجم مُشرعة على مدار الساعة، لكنّ سدّ النوافذ يُمكن أن يقود الى إيصاد البوابات، وإن كانت هذه مهمة شاقة لأن ريح الفساد لدينا عاتية للغاية.

وزارة الثقافة أعلنت منذ يومين أن موازنتها للعام الحالي المُصادق عليها في مجلس النواب، لم تتضمن تخصيصات المنحة السنوية للأدباء والإعلاميين والفنانين التي درجت الوزارة على صرفها نهاية كل عام. السبب معلوم، هو أن الموازنة العامة للدولة فيها عجز فادح، وكان لابدّ لبرنامج التقشف الحكومي أن يطيح بهذه التخصيصات وسواها مما لا يدخل في أبواب الرواتب والأجور والمناهج الاستثمارية التي تعرضت تخصيصاتها للقضم هي الأخرى.

الوزارة وعدت في إعلانها بأنها “ستسعى جاهدة ليس فقط لتأمينها (تخصيصات المنحة السنوية) في ميزانيتها في السنوات اللاحقة بل وتنظيمها وترتيبها أيضاً بطريقة تخدم أكبر شريحة من المثقفين فنانين وكتاباً وأدباء وصحفيين”.

هذا الوعد غير مقدّر له أن يتحقق على المدى المنظور، فعجز الموازنة العامة باق لسنوات في الأقل، وقد يُصبح مزمناً إذا ما حدث تواكل أو نكوص في تحقيق البرنامجين الإصلاحيين اللذين تعهدت بهما الحكومة ومجلس النواب، وبخاصة لجهة مكافحة الفساد الإداري والمالي واصلاح أوضاع الجهاز الإداري للدولة وجهاز السلطة القضائية أيضاً المتهم من الحركة الشعبية الاحتجاجية المتواصلة بالخضوع لإرادة السلطة التنفيذية، بؤرة الفساد الرئيسة.

أفضل ما يمكن أن تفعله وزارة الثقافة في ظني هو السعي لإغلاق هذا الباب. المنحة السنوية إجراء مهين يتعيّن أن يقف بالضد منه الأدباء والإعلاميون والفنانون الحقيقيون، خاصة وان كثيراً من المنتفعين بهذه المنحة ليسوا فقط غير مبدعين، وإنما أيضاً لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بأي حقل من حقول الثقافة والإعلام والفن، وهذا راجع إلى أن بعض النقابات والاتحادات التي أنيطت بها مهمة ترشيح المستحقين لهذه المنحة، وهم حصراً من الأدباء والفنانين والإعلاميين، منحت عضويتها للمئات بل الآلاف من الأشخاص من خارج هذه المجالات (سائقو سيارات أجرة، مصلحو سيارات، ميكانيكيون، فنيو كهرباء، موظفون إداريون في دوائر الدولة، أصحاب دكاكين، مدراء نواد وملاه، وأقارب ومحاسيب).. إحدى هذه النقابات يزيد عديد أعضائها الآن عن 10 آلاف فيما نظيرتها المصرية مثلاً تضم ثلاثة آلاف فقط، ذلك ان عضوية النقاية إياها وسواها تباع بمبالغ نقدية يتقاضاها أعضاء مجلس النقابة وبطاناتهم مقابل الحصول على المنحة السنوية وقطع أراض سكنية.

في مناسبتين سابقتين اقترحتُ إلغاء هذه المنحة المهينة واستثمار تخصيصاتها في مسابقات سنوية في مجالات الأدب والفن والإعلام، فبهذا نضمن ألا تتسرب أموال هذه التخصيصات من نوافذ الفساد وإنما تذهب إلى مستحقيها، وأن تقدّم مكافآت مجزية لمن يحققون إنجازات معتبرة في ميادين الأدب والفن والإعلام.

أعيد الآن طرح الاقتراح على وزارة الثقافة للعمل به حالما تنفرج أزمتنا المالية (الإبن الشرعي لأزمة نظامنا السياسي المشوّه)، عسى ألا يطول الانتظار، والا يُفتقد الأمل بانجاز البرنامجين الإصلاحيين للحكومة والبرلمان.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *