طارق عزيز .. سياسي و دبلوماسي، شغوف بالموسيقى ويجبد العزف على الكمان…… بقلم أحمد صبري

طارق عزيز .. سياسي و دبلوماسي، شغوف بالموسيقى ويجبد العزف على الكمان…… بقلم أحمد صبري
آخر تحديث:

لم يحظ مسؤول عراقي على ثقة الرئيس الراحل صدام حسين، بمثل ماحظي به طارق عزيز، ماوضعه بالصف الاول في قيادة الحزب والدولة على مدى أكثر من ثلاثة عقود.ولد طارق عزيز عام /1936/في بلدة تلكيف شمالي الموصل، لاسرة كلدانية، درس اللغة الانكليزية في كلية الآداب بجامعة بغداد،أشتغل بالصحافة في مقتبل عمره ،حتى أصبح رئيسا لتحرير صحيفة الثورة الناطقة باسم حزب البعث العراقي.وعزيز المعتقل منذ نيسان عام 2003 وحتى الان بتهم منها مشاركته في قرا ر أعدام التجارالمتهمين بخزن الحبوب في ظل الحصار عام 1992 ، في حين كان عزيز مشرفاً على السياسة الخارجية بعد قطاع الثقافة والأعلام ولا صلة له لا من قريب ولا من بعيد بالشؤون الاقتصادية أو الدينية .ويواجه طارق عزيز مصاعب السجن وتداعيات امراضه بصلابة الانسان المؤمن بقدره،لم يضعف أو يستجيب للضغوط وبقي صامدا يواجه عاديات الزمن.وفي معرض وصف علاقته بصدام حسين ،قال طارق عزيز،أنه صديق عمره و رفيق دربه كان قريباً منه إلى حد اعتبار أعدام صدام بأنه أصعب يوم في حياته لانهم قتلوا روح العراق،ودعا عزيز عبر صحيفة الغارديان البريطانية التي التقته في سجنه عام 2010 الرئيس الامريكي باراك اوباما إلى عدم تسليم العراق إلى الذئاب على حد وصفه.ويوصف عزيز بأنه اليد اليمنى لصدام وأبرز معاونيه وأحد أبرز من يقومون بكتابة خطابات صدام وبصياغة القرارات التي كانت تصدر عن إجتماعات القيادة العراقية ، وعزيز أبي النفس فضلاً عن شهامته وشجاعته ونزاهته، فعلاقته بصدام كان يخشاه الجميع ويحسدونه عليها .وبحسب مقربين من طارق عزيز فانه أكد مرات أنه اقرب إلى الاسلام من المسيحية،لكنه بقي مسيحيا .وعلى مدى العقود الماضية تحمل عزيز مسؤولية قيادة الدبلوماسية العراقية و مشرفاً على السياسة الخارجية بعد قطاع الثقافة والأعلام في أحلك الظروف لمواجهة التحديات التي عصفت بالعراق ،مدافعا عن وجهة نظر بلاده في المحافل العربية والدولية،غير انه أعتبر الاجتياح العراقي للكويت خطأ كبيرا،رغم محاولات خنق العراق اقتصاديا ومحاصرته سياسيا.لقد كان طارق عزيز صاحب موقف ورأي يجهر به أمام صدام وفي إجتماعات القيادة العراقية عند مناقشة أخطر القضايا التي كانت تواجه العراق ،وكان صدام ينصت اليه وياخذ بارائه ومقترحاته، ماوضعه في الخلية المقربة من رأس النظام وموضع ثقته.وعشية غزو العراق أستدعى صدام كل من طارق عزيز نائب رئيس الوزراء ومحمد سعيد الصحاف وزير الخارجية إلى أجتماع عاجل لتدارس تطورات الحشد الامريكي ،ووجه صدام سؤالا لهما حول مسار الازمة، فبادرالصحاف بالقول ،أن العمل العسكري الوشيك لايختلف عن عملية ثعلب الصحراء في عهد الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون التي استمرت أربعة ايام ،فيما خالفه طارق عزيز الرأي قائلا، أن الامريكان هذه المرة سيحتلون العراق ويسقطون النظام .وبحسب رواية مسؤول عراقي سابق فأن صدام أنهى الاجتماع من دون أن يعلق على رأيي عزيز والصحاف.ومكانة طارق عزيز داخل العراق وخارجة كشخصية سياسية ودبلوماسية وقدراته في المحاورة عززت من حضوره في الحياة السياسية في بلاده،لما يتمتع به من كفاءة وصفات قيادية وخلفية ثقافية واسعة.وعندما نتحدث عن طارق عزيز السياسي والدبلوماسي،فأن الوجه الآخر لشخصيته تتسم بالبساطة والتواضع والنأي بالنفس عن صغائر الامور.و طارق عزيز ليس فقط الدبلوماسي البارع والمحاور السياسي المقنع وإنما يعد من أبرز المثقفين والمفكرين والأعلاميين على المستوى العراقي والعربي ، وهو صاحب مدرسة متميزة في كتابة المقال السياسي والافتتاحات والتحليل (أسلوبه السهل الممتنع) إذ قضى عشرات السنين من حياته في العمل الصحفي والأعلامي والثقافي والفكري وعمل في الصحافة اللبنانية والسورية والعراقية وعلى يديه قامت مؤسسة (دارالثورة للصحافة والنشر) وهي مؤسسة قومية لم تقتصر على العراقيين فقط وإنما كانت مفتوحة لجميع الأشقاء العرب.ويروي مدير مكتبه السفير سامي سعدون أن طارق عزيز، مجيد في الكتابة باللغة العربية ومتميز في الحديث والكتابة باللغة الانكليزية و كان مثار أعجاب العديد من السياسيين الأجانب لسلاسة لغته وثراء وتنوع ثقافته، وهذا ما كان وراء اعجاب الرئيس الفرنسي (فرانسوا ميتران) في أول لقاء له مع طارق عزيز في الاليزيه منتصف الثمانينات إذ عرض ، بعد نهاية اللقاء ، على عزيز أن يكون ضيفه يقضي معه عطلته{ إجازته الصيفية } في الريف الفرنسي ليتطارحا في أمور الثقافة العامة أعجاباً من (ميتران) بشخصيته وثقافته المتنوعة.وبحسب مقربين من طارق عزيز فانه شغوف وعلى معرفة جيدة بالموسيقي وهو يجيد العزف على آلة الكمان ، كما أن له محاولات شعرية جيدة غير منشورة ، ولذوقه  الرفيع ولمساته المميزة أثرها في قيام صروح ثقافية وفنية وسياحية راقية أمثال (دار الأزياء العراقية) و(مدرسة الموسيقى والباليه) و(معهد الدراسات النغمية)  و(الفرقة القومية للفنون الشعبية) و(دار ثقافة الأطفال) و(مؤسسة السينما والمسرح).(البانوراما في سلمان باك) ومن الفنادق التي قامت تحت أشرافه مجموعة فنادق(خمسة نجوم) ومجمعات رئاسية استعداداً لمؤتمر بغداد لعدم الانحياز الذي كان مؤملاً انعقاده في عام 1982 لولا الحرب الإيرانية العراقية حيث انعقد في نيودلهي ،ومن هذه الفنادق (الرشيد) (المنصور –ميليا) و(فلسطين ميريديان) و(عشتار شيراتون) و(بابل اوبروي) و(قصر المؤتمرات) ومجمع الجاردية ومجمع اليرموك ومجمع القادسية لاقامة كبار ضيوف الدولة.ويكشف مدير مكتبه عن أن الشركة المنفذة لفندق (ميريديان) حاولت بمختلف الوسائل . أن تسقط كلمة (فلسطين) ويبقى اسمه (الميريديان) فقط ، إلا أن طارق عزيز أصرّ مهدداً بالغاء العقد ومقاضاة الشركة فرضخوا وظل اسم (فلسطين ميريديان) .و عزيز كفوء وله ذاكرة قوية وعقل منظم ، فهو لا ينسى أي شيء ، وكان يثير استغراب العاملين في مكتبه عندما يسأل عن أوراق وملفات كان قد طلب الاحتفاظ بها قبل عدة سنوات و مؤلفات ومقالات ويحوث وكلمات ومداخلات طارق عزيز تعكس هذه المنهجية التي تستعرض الوقائع حسب تواريخها وتسلسلها وتدرجها ، ففكره منظم ، وذاكرته نشطة ولو كتبت له الحياة والخروج من محنته ومنح الوقت الكافي لاستعرض بكل أمانه وموضوعية أحداث السنوات الخمسين في تاريخ العراق والمنطقة العربية والعالم.وتعرض طارق عزيز الى محاولة اغتيال ، فكسر ذراعه في حادث المستنصرية في نيسان عام 1980 ، ثم في محاولة أخرى عند افتتاحه لمعرض فني في صالة العرض في ساحة ا لطيران ببغداد.ورغم سعة صدره وهدوئه وقدرته على التحمل كان طارق عزيز شجاعاً لايهادن في الدفاع عن العراق ، فكان أحد أبرز الأصوات وأشجعها في قاعات مجلس الأمن والجمعية العامة  دفاعا عن العراق وفلسطين، إضافة إلى قيادته للدبلوماسية العراقية في أحلك الظروف التي مربها العراق أبان جرب الثمان سنوات مع إيران وأثناء الحصار وحرب الخليج الثانية عام 1991 وحتى الاحتلال .في لقائه الشهير مع (جيمس بيكر) وزير الخارجية الامريكي في جنيف عشية الحرب على العراق عام 1991، وبعد تهديدات (بيكر) بأن أميركا ستعيد العراق إلى ما قبل العصر الصناعي، وأنها ستّغير القيادة العراقية وتنصب حكاماً من أتباعها .رد عليه طارق عزيز.. نعم أنكم تستطيعون تدمير العراق بما تملكون من قوة ولكنكم لن تستطيعوا القضاء على العراق فعمره سبعة آلاف سنة قبل الميلاد.. فسيبقى العراق وانتم الزائلون.، كما رفض أستلام رسالة بوش الأب للرئيس صدام للغتها غير المؤدبة كما وصفها عزيز في حينها.ومايعزز دور ومكانة عزيز في تمثيل العراق  بالخارج أعتراف أحمد عبدالستار الجواري وزير التربية في عهد الرئيس الاسبق أحمد حسن البكر وهو صديقه  الشخصي  ومعروف عنهما (التدّين) بأهلية طارق عزيز لحضور المؤتمرات لثقافته الإسلامية بعدما كان يعترض على ترؤسه أو مشاركته مع الوفد العراقي لمؤتمرات منظمة المؤتمر الإسلامي،واثناء حرب الخليج الثانية عام 1991 وعند مرور الوفد العراقي برئاسة طارق عزيز بطهران في طريقه إلى موسكو لمناقشة المبادرة السوفيتية لوقف الحرب كما يكشف مدير مكتبه ، أصرّ الجانب الإيراني على ترتيب لقاء رئيس الوفد مع الرئيس الإيراني الاسبق هاشمي رفسنجاني وكان اللقاء منفرداً استغرق ساعة واحدة خرج بعدها طارق عزيز محمرّ الوجه وعلامات الغضب واضحة داعيا جعل طريق العودة إلى بغداد عبر الأردن وليس طهران ،قائلا لا أريد أن أرى هؤلاء ؟ويوضح السفير سامي سعدون فهمت من خلال إعداد المحاضر، أن رفسنجاني حاول التشفي بما يحصل للعراق بعد أن فشل في معرفة نوايانا للمساومة إذ رافض تهديداته..بتسليم العراق (مجاهدي خلق) او السماح للايرانيين بالدخول لتصفيتهم.وحاول طارق عزيز من خلال موقعه ومسؤوليته بادارة الملف العراقي مع الامم المتحدة وفرق التفتيش الدولية أن يدرأ شبح الحرب على بلاده ويكشف بطلان المزاعم بامتلاك بلاده الاسلحة المحظورة،رغم الاستجابة العراقية لشروط ومتطلبات قرارات مجلس الامن .ففي العام 1998 نجح طارق عزيز باقناع القيادة العراقية بالسماح لفرق التفتيش الدولية زيارة القصور الرئاسية التي كانت الادارة الامريكية تروج أن أسلحة الدمار الشامل مخزونه فيه،في محاولة لنزع فتيل أزمة  كادت أن تعرض العراق إلى ضربة عسكرية امريكية.وأصطحب عزيز في حينها وسائل الاعلام الغربية والعربية في جولة حرة في القصور الرئاسية المتوزعة في بغداد والرضوانية وقرب المطار الدولي ، وكان عزيز يقود الصحفيين من غرفة إلى أخرى للتاكيد من خلو القصور الرئاسية من أية أسلحة محظورة، وشاركت في الجولة المذكورة كوني مراسلا لاذاعة مونت كارلو في العراق.وترتب على موافقة العراق على دخول المفتشين إلى القصور الرئاسية مجيىء أمين عام الامم المتحدة كوفي عنان إلى بغداد والتقى صدام وعقد مؤتمرا صحفيا مع طارق عزيز كان من  اكبر المؤتمرات التي شهدتها بغداد ووجهت سؤالا محددا إلى طارق عزيز مفاده، بعد انتهاء أزمة القصور الرئاسية، هل سيرى العراق النور في نهاية النفق،فكان رده، نعم من غير أن يغلق الباب أمام النوايا الامريكية ضد بلاده .وطارق عزيز الذي يفضل الموت على الحياة التي يعيشها وراء القضبان  في سجن الكاظمية حسب ماصرح به مؤخرا، يواجه الامراض التي داهمته بشجاعة وصبر، يلتقي زوجته واحفاده شهريا وتسمح له سلطات السجن بأجراء مكالة تلفونية مرة  بالشهر

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *