عندما يكون القتل حراما بالكيماوي… حلالا بالتقليدي؟؟ بقلم طارق الهاشمي

عندما يكون القتل حراما بالكيماوي… حلالا بالتقليدي؟؟ بقلم طارق الهاشمي
آخر تحديث:

كان من الطبيعي أن يقف المجتمع الدولي موحدا مصدوما لسقوط أبرياء بهجمات بالسلاح الكيماوي شنها نظام فقد الإحساس بعد أن كان فقد الشعور بالمسؤولية، لسنا بصدد مناقشة فظاعة استخدام أسلحة الدمار الشامل ومنها بالطبع السلاح الكيماوي مقارنة بالسلاح التقليدي، لذلك حرمت القوانين الدولية استخدام تلك الأسلحة ووضعت قيودا صارمة لمنع انتشارها في العالم. وكان من الطبيعي في ضوء ذلك أن يركز المجتمع الدولي على هذه الحادثة وينشغل بها أملا في معاقبة من ارتكبها، لكنه مع ذلك ما كان ينبغي أن يتغافل متقصدا عن مجازر ارتكبها نفس النظام ولكن بسلاح مختلف هو السلاح التقليدي أوقع خسائر تتجاوز ربما مائة ضعف ما سقط من خسائر في هجمات بالسلاح الكيمياوي على الغوطة الشرقية يوم الحادي والعشرين من أغسطس. القتل هو القتل والقاتل هو القاتل مهما اختلفت أداة الجريمة وتباينت ظروفها، وعندما نحاول أن ننتصر لأبرياء سقطوا بالسلاح الكيماوي ينبغي ألا نتغافل عن أولئك الضحايا الذين سقطوا بسلاح آخر، انتفض المجتمع الدولي منذ ثلاثة أسابيع وصحا لهول الكارثة بعد أن بقي غارقا في سباته على مدى سنتين ونصف من الزمن لا يكترث بقتل ودمار وتهجير قل نظيره في التاريخ الحديث، مفارقة مهما كان لها ما يبررها فإنها تبقى عصية على الفهم اللهم إلا أن تكون البشرية قد فقدت حقا إنسانيتها.
من المؤسف والغريب أن نلاحظ أن الحديث الطاغي الآن في أروقة السياسة والإعلام بات يركز على الترسانة الكيماوية التي تملكها سوريا وكيفية إخضاعها لرقابة المجتمع الدولي، تراجع الحديث عن معاقبة نظام ثبت استخدامه أسلحة محرمة دوليا ضد شعبه، بل غاب الحديث عن معاناة شعب يكافح من أجل حريته، وغابت عن واجهات الصحف والإعلام مأساة مقتل ما يزيد على مائة وخمسين ألفا وتشرد الملايين في داخل وخارج سوريا، لم يعد هناك من حديث يحث المجتمع الدولي في البحث عن حل عاجل لمأساة شعب عمرها سنتان ونصف، وبدلا عن ذلك سرق الهجوم بالكيماوي الأضواء ويبدو هذا ما كان ينتظره صانعو القرار المتنفذون في هذا المجتمع الدولي المتهم أصلا بالتسويف والمماطلة وإطالة أمد معاناة شعب كان ذنبه أنه تطلع لحياة أفضل.
هذا التحول المفاجئ في المواقف، غير منطقي، إذ من غير المقبول أن تنصرف الجهود الدولية للاهتمام بمعالجة ترسانة النظام من الأسلحة الكيمياوية وإخضاعها لرقابة المجتمع الدولي دون أن يرتبط ذلك على الأقل بضمانات كافية تضع حدا لمعاناة الشعب السوري، ولأن جميع المؤشرات سواء على الأرض أو في أروقة المجتمع الدولي لا توحي بذلك، فإن من باب تحصيل الحاصل أن نفسر التقلب الحاد في مواقف إدارة الرئيس الأمريكي أوباما في إطار نظرية المؤامرة.
الغالبية تحمل الإدارة الأمريكية تراجعها عما تعهدت به، وحقيقة أي متابع موضوعي لمواقف الرئيس الأمريكي أوباما خلال سنواته الست وهو في الحكم ما كان ينبغي أن يفاجئ بذلك وهو الذي بات معروف عالميا بالتردد وغياب الرؤية والنظرة الإستراتيجية للتعاطي مع الأزمات الدولية، وعلى هذه الشاكلة فإن تطور المواقف والأحداث خلال الأسابيع الثلاث الماضية عكس تباين مواقف وتصريحات فريق المستشارين للرئيس أوباما وامتد ذلك حتى لمواقفه المتذبذبة أحيانا والمتناقضة أحيانا أخرى، حديثه عن الخطوط الحمر مثلا، وكذلك تحوله من اعتبار الهجوم بالكيمياوي على الغوطة تهديدا للأمن القومي الأمريكي ولحلفاء أمريكا في العالم وبالتالي لابد من معاقبة مرتكب الجريمة بضربة عسكرية إلى مجرد الاكتفاء بالرقابة على الترسانة الكيمياوية السورية بهدف منع تكرار الهجمات مستقبلا!! بمعنى غض النظر عن جريمة الغوطة وتركها للمحاكم الدولية.؟ تحول كبير للغاية لكنه مؤسف.
من حقنا بعد الذي حصل أن نأخذ بنظرية المؤامرة في تفسير التقلب الحاد في موقف الإدارة الأمريكية اللهم إلا إذا ثبت العكس خلال الأيام القليلة القادمة وعرضت الولايات المتحدة رؤية واضحة لمشروع خارطة طريق ربما لا تنطلق بالضرورة من ضربة عسكرية بل من نزع السلاح الكيمياوي لكنها لا تقف عند هذا الحد بل تتواصل بإيقاع متسارع من الأحداث والقرارات الدولية يقوي المعارضة السورية من جهة ويضعف النظام من جهة أخرى وتعجل بالتالي بالتغيير المنتظر، أما الوقوف عند حاجز السلاح الكيمياوي فحسب فإن الانطباع الذي سيتركه هذا التصرف لن يتجاوز حقيقة أن تفاعل الولايات المتحدة مع مجزرة الغوطة الشرقية ما كان كما ادعت أصلا أنه يأتي استجابة لدواع إنسانية أو أخلاقية بل أملته مصلحة شريكها الاستراتيجي إسرائيل.
ربما سيصاب وزراء الخارجية العرب الذين التقوا وزير الخارجية كيري مؤخرا بالصدمة خصوصا بعد أن سربت الأخبار عن تنسيق مسبق بينه وبين الوزير الروسي لابروف، مما قد يعرضنا لمفاجآت أخرى غير سارة، والأخطر من ذلك أن تجري تسوية القضية السورية في إطار تفاهمات مع إيران، على حساب المصلحة العربية، لا أدري وطالما لا ضمانات في موقف الغرب ما الذي يمنع أن يعود ملف سوريا إلى العرب لمعالجته بالطريقة التي تحفظ للشعب السوري تطلعاته وللأمة مصالحها، مجرد اقتراح.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *