فوز بطعم الخسارة … بقلم جــودت هوشيار

فوز بطعم الخسارة … بقلم جــودت هوشيار
آخر تحديث:

اذا كانت ماكنة الـ( بروباغاندا ) المالكية تحاول قلب الحقائق وتضليل الرأي العام بحكاية فوز ( مختار العصر ) في الأنتخابات التشريعية الأخيرة ، فأن الأرقام المعلنة تكذب مزاعمها ، والأرقام كما نعلم ويعلم الجميع ، أدلة دامغة لا يمكن حجبها أو الألتفاف عليها وعصية على الذين اعتادوا الكذب والدجل .
في الأنتخابات البرلمانية لعام 2010 حصل ائتلاف دولة القانون على 89 مقعداً ، أما في أنتخابات عام 2014 وبعد انضمام ميليشيا (عصائب اهل الحق ) ومنظمة ( بدر ) ، فأن عدد مقاعد ( دولة القانون ) لا يتجاوز 94 مقعدأ ، أي بزيادة مقعد واحد فقط عن الدورة السابقة رغم تسخير امكانات الدولة ومواردها المالية والبشرية لصالح حملة المالكي الأنتخابية . ، حيث حصل حزب الدعوة الحاكم على 13 مقعداً فقط من مجموع 328 مقعدا أي أقل من ( 3 % ) من مقاعد البرلمان ، وجاء في ذيل قائمة ائتلاف دولة القانون رغم التلاعب بالأصوات خلال عملية العد والفرز لصالح المالكي ، وحرمان مئات الآلوف من النازحين من أهالى الرمادي والفلوجة وأبو غريب من التصويت .
والأهم من ذلك أن تغيراً جذريا قد حصل في تناسب القوى داخل ( دولة القانون ) لصالح ، كتلة المستقلين, وكتلة بدر ,وتنظيم العراق. ، مما جعل المؤتلفين مع المالكي يرفعون سقف مطالبهم وأدى الى نشوب خلافات شديدة داخل ائتلاف دولة القانون وعلى المالكي تقديم تنازلات كبيرة للكتل المؤتلفة معه للحافظ على تماسك الائتلاف الهش .
وفي الوقت نفسه يواجه المالكي معارضة شديدة داخل حزبه بسبب ادارته الفاشلة للحزب
وتحويله الى حزب عائلي وتجاهل قادة الحزب التأريخيين .

وشهد شاهد من أهلها :

أقطاب حزب الدعوة يتحدثون بألم ومرارة عن تحول حزب الدعوة من حزب عقائدي الى تجمع نفعي فاسد يقوده ويعول في نجاحه الانتخابي على شخص رئيسه ، الذي أخذ يعتمد أكثر فأكثر– شأنه في ذلك شأن صدام – على أفراد اسرته واقاربه على حساب قياديين بارزين في الحزب ناضلوا في صفوفه لسنوات طويلة وكانت النتيجه الطبيعيه هزيمه الحزب ومرشحيه في الانتخابات الاخيرة .
فقد حمل القيادي في حزبِ الدعوة وليد الحِلي رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي مسؤولية سقوط الحزب المدوي في الانتخابات.
وقال الحلي في تصريح صحفي اِن حزبَ الدعوة هو الخاسر الأكبر في الانتخابات بعد سقوطِ كثير من قياداتِ الحزب لصالح المالكي ومُقربين له من خارج الحزب.
مشيرا إلى أن الانهيارَ الذي تعرض له مرشحو الحزب وقياداته يتحملها المالكي وحده بسبب تجيير مؤسسات الدولة لشخصِ رئيس الوزراء وصهريه وأقاربه على حساب تضحيات آلاف الشهداءِ من حزب الدعوة، واضاف الحِلي اَن المالكي يَعتقد أن ابعاد منافسيه من حزب الدعوة واسقاطَهم انتخابيا سيجعله الخيار الوحيد لتولي منصب رئيس الوزراء وأمانة الحزب وهذا أمر لن يتم السكوت عنه.

وأعلن قيادي آخر في حزب الدعوة, وهو حسن السنيد في تصريح متلفز, إن الفرحة الكبيرة التي حدثت لأنصار وقيادات ائتلاف دولة القانون بعد إعلان نتائج الإنتخابات النيابية لم تخل من منغصات.
وذكر إن أبرز المنغصات هي عدم حصول الأغلبية التي كنا نتوقعها, وسقوط صقور حزب الدعوة وعدم ترشحهم للبرلمان الجديد.
وأضاف السنيد إن المنغص الثالث والطامة الكبرى هي حصول حزب الدعوة الإسلامية على “13” مقعدا فقط ضمن ائتلاف دولة القانون بعد كتلة المستقلين برئاسة حسين الشهرستاني “33” مقعد, وكتلة بدر “22” مقعد ,وتنظيم العراق “16” مقعد.
وفي نهاية حديثه قال السنيد بالرغم من حصول المالكي على المركز الأول لكنه يتوقع أن تكون الولاية الثالثة صعبة المنال بسبب إجماع الكتل على رفضها , ما لم تتدخل امريكا وإيران كما حصل في عام 2010. .

من الفائز الحقيقي في الأنتخابات التشريعية الأخيرة ؟

رب قائل يقول أن المالكي فاز بأكبر عدد من الأصوات حوالي (700) ألف صوت وهذا ليس بالأمر الغريب بعد الرشى التي قدمها الى الناخبين سواء بتوزيع قطع الأراضي على سكان العشوائيات أو تعيين آلاف العاطلين في الجيش والشرطة خلال الحملة الأنتخابية وفرض مقداد الشريفي مديرا للدائرة الأنتخابية وفصل 17 من المديرين العامين في مفوضية الأنتخابات وتعيين آخرين من حزبه بدلاً عنهم وتهديد القادة العسكريين بالفصل والأقصاء في حالة عدم تصويت منتسبيهم للمالكي ، ويشكل التصويت الخاص بالعسكريين ونزلاء السجون والمرضى في المستشفيات معظم الأصوات التي نالها المالكي ، وهؤلاء لا حول لهم ولا قوة وينفذون الأوامر الصادرة اليهم صاغرين وبعكسه يتعرضون الى ما لا تحمد عقباه .

ان الفائز الأول الحقيقي في هذه الأنتخابات لم يكن المالكي، بل الدكتور أياد علاوي رئيس قائمة ( الوطنية ) الذي حصل لوحده على حوالي ربع مليون صوت في بغداد ، رغم أنه خارج السلطة ولا يمتلك جيشا ولا اجهزة قمعية ولا ميليشيات أرهابية وليست تحت يديه موارد الدولة الهائلة ولا يتمتع بأية صلاحيات تنفيذية ولم يوزع قطع الأراضي ولم يرش أحداً ولم يكن بمقدوره تعيين حتى أصغر موظف في المفوضية أو أي مؤسسة حكومية .
وقد ذكرت النائب انتصار علاوي في حديث متلفز ان احد أعضاء مجلس المفوضين ( أعلى سلطة في مفوضية الأنتخابات ) قد أتصل بها هاتفيا وأخبرها أن قائمة ( الوطنية ) التي يتزعمها الدكتور أياد علاوي قد حصل على عشرة مقاعد في بغداد بعد فرز ثلثي ألأصوات ويتوقع أن ترتفع عدد مقاعد ( الوطنية ) الى 14 مقعد وطلب ( 600 ) ألف دولار لقاء الحفاظ على أصوات ( الوطنية ) . وبطبيعة الحال فأن أنتصار علاوي رفضت بشدة هذا العرض الشائن . وقالت ساخرة اذا كان الحفاظ على الأصوات بـ( 600) ألف دولار ، فبكم ( التزوير ) أذن ؟
والمكالمة مسجلة ويمكن تقديمها الى المحاكم الدولية والأمم المتحدة كدليل دامغ على التزوير الفاضح ، الذي حدث في الأنتخابات الأخيرة .

مساومات لشراء الذمم ومعضلة الثلثين :

صحيح أن أئتلاف دولة القانون فاز بالمركز الأول ولكنه فوز بطعم الهزيمة ، لأن الأغلبية التي كان يحلم بها المالكي (حوالي 120 مقعد ) لم تتحقق ولم يتبقى امامه سوى اللجؤ الى تقديم أغراءات لذوي النفوس الضعيفة من الكتل الفائزة الأخرى ( مليون دولار نقداً مع سيارة لكل نائب) والتلويح لهم بمناصب وزارية لكسبهم الى جانبه ، بعد أن وجد نفسه وحيدا خارج السرب .

كما يعول المالكي على عدد من النواب الفائزين من الكتل الأخرى ، الذين سبق أن صدرت بحقهم أوامر ألقاء قبض أو متهمين بقضايا فساد حيث سمح لهم بخوض المعركة الأنتخابية شريطة الأنضمام الى كتلته في حالة فوزهم. وقد ينجح المالكي في تشكيل كتلة من 165 نائبا ومع ذلك سيواجه معضلة كبرى وهي أن أنتخاب رئيس الجمهورية بحاجة الى أغلبية الثلثين من أصوات أعضاء مجلس النواب ، ومن دون أنتخاب رئيس الجمهورية لا يمكن تكليف المالكي أو غيره بتشكيل الحكومة الجديدة .

وسواء نجح المالكي او فشل في مسعاه ، فأنه سقط من أعين الجميع وبضمنهم قادة حزبه ، ناهيك عن الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي ، وسيكون فوزه بولاية ثالثة بداية تفكك العراق ، لأن الكرد والسنة قد توصلوا الى قناعة تامة بأنه يستحيل التعامل مجددا مع المالكي .
واستقلال الكرد و أنفصال السنة مسألة وقت لا أكثر ، وهي النهاية المنطقية والحتمية لسياسات المالكي الرعناء التي قادت العراق الى حافة الهاوية.

ما الذي يمنع تفكك العراق ، اذا كانت دول عديدة أهم وأقوى من العراق ، قد تفككت خلال العقدين الأخيرين ( الأتحاد السوفييتي ، يوغسلافيا ، تشيكوسلوفاكية ، السودان … الخ ) ؟.

وهذا التفكك حبلى بتداعيات ستؤدي الى وضع نهاية للمالكي كحاكم وحتى كسياسي في ما سيتبقى من العراق ، لأن الشعب العراقي لن يسامحه بعد كل ما صنعت يداه وما أراقه من دماء وما بدده من ثروات، والمحاكم الدولية بأنتظاره ولن يكون مصيره أفضل من مصائر الطغاة الذين أذاقوا شعوبهم مر الحياة ، وان غداً لناظره قريب .
——————–

جــودت هوشـيار
[email protected]

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *