قناة بغداد وجيل التأسيس … وجهة نظر .. بقلم د. احمد محجوب

قناة بغداد وجيل التأسيس … وجهة نظر .. بقلم د. احمد محجوب
آخر تحديث:

لم تكن قناة بغداد ” ولن ” شاشة نمطية أو دكانا من دكاكين الاعلام الحديثة مع اعتزازي بالمؤسسات الرصينة ، بل هي نبض حي لجماهير واسعة وطيف عريض من أطياف الشعب العراقي بل الأمة ، تجلّى ذلك واضحا بمواقفها المبدئية الصادحة والصادقة من قضايانا المصيرية في زمن صمتت فيه بعض الأصوات الخيرة خوفا وراحت أخرى تبحث عن مسار دافئ وآمن لتحصل على رضى ” السلطان ” أو لتتحصل على بعض الفُتاة من مائدة اللئام في زمن يذبح فيه الوطن من الوريد الى الوريد

وإن أنْسَ فلا أنسى ذلك اليوم الكانوني الممطر من عام ٢٠٠٥ الذي وجهني فيه الأخ الفاضل الدكتور عمار وجيه للعمل في القناة بما كان يراه لي من مهارات يحسبها هو مميزة تؤهلني للخوض في هذا الغمار الجديد والميدان المثير ” الاعلام ” حيث زودني برقم هاتف الأخ الفاضل عبد الملك العاني مدير البرامج في قناة بغداد آنذاك والذي استقبلني استقبالا حافلا حيث كانت لنا معرفة ” سطحية ” سابقة أيام الفلوجة واحتفالاتها حين كنت اعتلي منصاتها شاعرا وعريفا في أوائل التسعينيات
بقيت أتردد على القناة طوال شهرين في زيارات متقطعة منتظرا قرار الإدارة في توظيفي في القناة وتعرفت فيها على نخبة من الأخوة المشتغلين منهم الزميل عمر صبحي الذي استضافني في هذه الفترة ببرنامج حواري شجع إدارة القناة التي كان على راسها الدكتور الفاضل وليد السامرلئي على الإسراع في قبولي للعمل والتقيت أيامها بكل من الأخ الشهيد منصف الخالدي والأخ محمد جعفر المعروف بـ ابو جابر وصهيب الفلاحي واحمد رشدي وبعدها الأخ زيد الشمري وآخرون كلهم رائعون
لم تطل الأيام حتى جاء يوم ١٦ / ١ / ٢٠٠٦ حين تغّيب الزميل سعد الكبيسي يومها عن برنامجه الحواري الديني فسارع الأخ عبد الملك العاني للاتصال بالمدير العام طالبا منه الأذن بدخولي كمقدم للبرنامج والذي وافق بدوره على الطلب وحينها تسارعت نبضات قلبي قبل دقائق من الدخول الى الاستوديو المباشر غير ان كلمات اخي عبد الملك التي لا أنساها ووصاياه المهنية بطريقة التعامل مع الكامره والضيف والمتصل هدأت من روعي وجعلتني أكثر استعدادا لخوض الغمار

ساعة كاملة وانتهى البرنامج وصفق كل من كان في ” الجلاري ” وفرح الجميع بولادة مقدم برامج جديد للقناة وتعشينا يومها في ” كرڤان ” الأخ عمر صبحي وكان بيته الذي لا يبرحه حيث جعله أوسع من أي بيت آخر بكرمه ولطفه رغم أنها أمتار ضيقة لا تزيد على أبعاد غرفة صغيرة في دار
وبدا العمل الدؤوب رغم تحدياته المروعة
قنابل الهاون المتكررة على المبنى ، محاصرة ومداهمة القوات الأميركية والعراقية ، وجوهنا التي أصبحت معروفة في الشارع والتي حكمت علينا باللبث لعدة اشهد داخل المبنى خوفا من الاغتيال وتحديات المال الذي لم يكن وفيرا
ورغم كل هذا كان العمل شيقا ، فريق واحد روح متقدة همة عالية صبر كبير وابتسامة لا تفارق رغم الألم وجهة الاستاذ ثائر رحمه الله
الأيام السوداء بعد كارثة سامراء وجرائم القاعدة والمليشيات التي كانت تستهدفنا في آن واحد لم تفت من عضدنا فقد كنا ” ولا زلنا ” نؤمن أننا نقوم بدور مقدس وهو الدفاع عن المظلومين وحماية وجود أهلنا
وحدث الذي لم يكن في الحسبان في ٥ / ٤ / ٢٠٠٧ واستهدفت القناة بحافلة مفخخة راح ضحيتها الحاج ثائر وحسين نزار وآخرون شهداء وجرحى
اضطرت القناة لحمل امتعتها الى عمان التي كنت فيها انا والأخ عبد الملك مصادفة لتغطية مؤتمر وبدا عمل تأسيسي جديد وصلنا به الليل والنهار حيث كنا نظهر فيها يوميا من المدينة الاعلامية في عمان والتحق بعدها بنا زمرة خيرة من الأخوة كان منهم الأخ عمر صبحي والأخ زيد وصهيب ومحمود وامجد وآخرون
بدأ العمل بمرحلته الجديدة التي تتوجت بالأخ سعد التكريتي مديرا جديد متفاهما أيضاً كما الدكتور وليد الرجل الرائع وصاحب اليد الأولى والطولى بدعم المؤسسة وكان بينهما مدير لا ارغب بذكره ” خيرا او شرا ”
مضى العمل على قدم وساق وكان العامل المزعج الوحيد هو الظرف المالي الصعب في دار الغربة حيث ” لا ماما ولا دادا ” وعانينا الفقر والعوز لتأخر الرواتب لشهرين وثلاثة وأربعة وكنا نعلل النفس بأهمية جهدنا ومكاننا ، غير ان الحاجة لا صديق لها والفقر لا دين له وغلاء المعيشة ومتطلبات العوائل بدأت تثقل كواهلنا وتفت من عضدنا وفوق كل ذلك كانت الاتهامات عبر التقارير ” التي ترفع للمالك ” من هنا وهناك تنال منا ومن جهدنا ولم نكن نسمع كلمة تشجيع او تصبير فخارت الهمم وضعفت العزائم وبدأ البعض يتململ مما يجد من الضغط بين نوائب الدهر وقسوة المالك فقرر الأخ عبد الملك مرغما ومكرها مغادرة المؤسسة الى عرض يغطي احتياجات عائلته الكبيرة بعد ان نفذ ما لديه من رصيد مالي قديم إضافة الى قطعة الأرض اليتيمة التي تذكره بانه عراقي يملك في بلده شيئا وهكذا
وعلى طريقه مضى الأخ ابو جابر الى امريكا بعد ان وجد ما وجده عبد الملك
أما زيد فقد باع حتى غرفة نومه فتبعهم
والمؤلم في الأمر ان المؤسسة ممثلة بالمالك لا المدير كانت زاهدة بكل هؤلاء الذين يمثل كل واحد منهم خبرة متراكمة في مجال عمله

وفي منتصف ٢٠١٢ أُخترت مديرا تنفيذيا للقناة وكنت متحمسا لإثبات ان الشباب قادرون على فعل شيء ولم يستمر الأمر طويلا حتى كانت تتلجلج في أروقة المالك الأحاديث عن احمد محجوب وضرورة أبعاده من إدارة قناة بغداد واعتقد يومها أن أوراق التقارير التي كتبها ” المتبرعون ” تكفي لإغاثة مخيم الزعتري بالقرطاسية
ولم يأت آخر ألعام حتى غادرت كما غادر إخواني من قبلي بعد افتعال مشكلة من قبل المالك سوقها من حقيقتها الشخصية الى المهنية فجاء قرار الأبعاد متوقعا بعد مسيرة سبع عجاف من العوز والحاجة والخوف
وعدت ادراجي للعراق حين تركتني المؤسسة على قارب النجاة ابحث عن شاطيء قريب ترسو عليه اذرعي المتعبة وجيبي الفارغ حتى من أجرة السيارة التي أقلت عائلتي للعراق
ولم تمر سنة حتى غادر الزميل صهيب – أو كاد – القناة ليكمل دراسته في تركيا لكن خروجه كان صامتا فدماثة خلقه وشخصيته الدافئة جعلته في معزل عن المناكفات والمشاكل
واخيرا وقبل ايام استهدف مالك المؤسسة آخر أفراد الرعيل الأول وهو الزميل عمر صبحي الذي كان لسانا ناطقا ومدويا لأهله وللمظلومين في العراق حيث تم الضغط عليه وتحييده من قبل رئيس مجلس الإدارة الجديد الذي عينه المالك ” والذي اتحفظ عن ذكره بخير او شر ”
اليوم قناة بغداد تفقد آخر نكهتها القديمة ” عمر صبحي ” لينقطع جيل التأسيس بكامله عن جيل جديد واعد من الشباب الذين اكن لهم كل الاحترام والتقدير ولا اشك في قدرتهم على إدارة دفة المركب
لكن المثل الشعبي يقول ” اللي مالو اول مالو آخر “
وفي القلب حسرة وألم ان لا يكافأ المبدعون والمبادرون بل يحاربون ويقمعون من أهلهم وتبقى قلوبننا جميعا نحن المغادرون تتلفت الى البيت الأول متمثلة بقول الشاعر
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
واتسائل مخلصا وصادقا لماذا يعامل المثابرون بهذه الروح العدائية من أبناء جلدتهم في حين تتلقفهم المؤسسات الأخرى بعقود مغرية حيث تعرض عليهم أرقاما خيالية ليعملوا معها ولماذا يدفعهم ” إخوانهم ” دفعا للرحيل وفي نفوسهم غصة المتنبي حين يقول
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
ألا تفارقهم فالراحلون هموا

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *