كبرياء وفيضان … بقلم سعيد قزاز

كبرياء وفيضان … بقلم سعيد قزاز
آخر تحديث:

قبل أسابيع سمعْتُ من وزير الموارد المائية تصريحه الآتي “إن العراق مقبل على فيضانات مدمرة، وليست لدينا الإمكانيات الكافية لمواجهتها”.

فجأة لاحت في البال شخصية سعيد قزاز (وزير الداخلية) الذي استطاع أن يواجه أكبر فيضان هدَّد بغداد بالدمار وبمصير مشؤوم عام ١٩٥٤؛ لم يَقُلْ سعيد قزاز: “ليست لدينا الامكانيات”، رغم أنه لم تكن لديه إمكانيات فعلاً، ولم يقدم تبريرات عن مؤامرات الخصوم والصخور، ولم يكتف بالتحسر على الغارقين، والقرى المهدّمة، والبيوت المدمرة؛ وإنما بادر، واتخذ إجراءات حازمة، وتابع -ميدانيًا- العمل بنفسه، بل إنه لم يلتزم بأوامر البلاط الملكي الذي طالبه بإخلاء بغداد من سكانها.

لم يلتزم بأوامر البلاط؛ لأنه كان واثقًا بنفسه، مقدراً –تمامًا- حجم المسؤولية، ورأى أنه أهل لها؛ فلم يروع سكان بغداد، وإنما كان معهم، وهو يقوي السدود، ويتخذ الاحتياطات، ويصدر البيانات التي يلقيها من الإذاعة بنفسه؛ فيطمئن البغداديون، لأنهم يثقون بكلمته، ويرون أنها كلمة مسؤول على قدر المسؤولية.

بعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ لم يهتز سعيد قزاز حين ألقي القبض عليه؛ لا في المعتقل، ولا أمام المحكمة العسكرية الخاصة برئاسة المهداوي، ولا حتى بعد صدور قرار الإعدام بحقه، وقال في المحكمة كلمة ممتلئة بالكبرياء والأنفة؛ قرأها بثقة عالية مستهزئاً من جلاديه.

لقد تعامل سعيد القزاز مع الموت بنفس الثقة مع الفيضان؛ كان مسؤول دولة من طراز رفيع، ورجلاً يمتلئ كبرياءً؛ فاقرأوا ما قاله في رسالته التي وجهها لأمه وزوجته بعد صدور قرار الإعدام بحقه :

“سألاقي وجه ربي ناصع الجبين، وبوجه أبيض؛ لأني لم أرتكب أي معصية أو خطيئة، وإنما قمت بواجبي ومسؤولياتي طبقاً للقانون. إني أرفض رفضًا قاطعًا أن تطرقا باب أي مسؤول، وإذا سمعت أنكما قمتما بذلك، فسوف أرفض أن ألقاكما، أو أعفو عنكما، سواءٌ في الدنيا أو الآخرة “.

وهل تعرفون: ما الذي قاله سعيد قزاز وهو على حبل المشنقة؟

لقد قال -وكأنه يوجّه خطابه اليوم لكل أولئك الذين جعلوا بغداد تغرق بالمياه وتغرقُ بالدماء:
” سأصعد إلى المشنقة، وأرى تحت أقدامي أناساً لا يستحقون الحياة”.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *