لحظات المصير الخطير للحكم الشيعي بقلم ماجد السامرائي

آخر تحديث:
قيمة المظاهرات الحالية في العراق لا تقاس بالحجم العددي، بقدر ما تشكل تمثيلا للمطالب المشروعة لكل أبناء الشعب رغم أنها تنطلق من أبناء العرب الشيعة. وعفوية التظاهرات لم تمنع محاولات اختراقها من الكتل السياسية المتضررة من الإجراءات الإدارية والمالية التي ينبغي على رئيس الوزراء حيدر العبادي تنفيذها وفق “حزم الإصلاحات” التي أعلنها مع أنها ما زالت في طور الإعلانات. كان بإمكانه تحقيقها خلال عام من توليه المسؤولية التي جاءت عبر موافقته على وثيقة الإصلاح السياسي لاتحاد القوى العراقية (العرب السنة زائد إياد علاوي) عام 2014.

فما لم يحققه في عام يحاول تحقيقه الآن في أسبوعين. فهل كان العبادي بحاجة إلى هذه المظاهرات ليباشر هذه الحملة الإدارية، وهي لم تمس ملفات الإصلاح السياسي التي خرجت مظاهرات المحافظات العربية السنية تنادي بها عام 2012، والمتعلقة بالحيف والظلم السياسي والاجتماعي في ملفات المعتقلين الأبرياء وإلغاء قوانين الاجتثاث وقانون “أربعة إرهاب”، وملف أربعة ملايين نازح من أبناء العرب السنة قبل، وبعد، احتلال داعش؟ بتلبية العبادي لجزء من مطالب الجمهور الشيعي الغاضب يكون قد اقترب من وكر الدبابير بمواجهة خطر تفكيك بنيان الحكم الشيعي الذي قام على تحالف هش بين قوى وأحزاب وميليشيات حكمت البلاد لأكثر من عشر سنوات، لم تقدم للجمهور الشيعي الذي انتخبها مكسبا واحدا إلا حرية طقوس مسيرات اللطم على الحسين، ولم تقدم لجمهور العراقيين إلا الظلم والتعسف وغياب العدالة، ووصل العراق إلى الهاوية في الإفلاس واحتلال الإرهاب المتطرف لثلث البلاد.

ولهذا لا يتوقع لمداولات الكتل الشيعية الآن التي تجري بطلب من طهران أن تكون قادرة على إخماد اللهيب بعد أن أعلن الشارع الشيعي موقفه الرافض لرموز الفساد والهزيمة. ولعل ظرف أبناء العرب السنة المشردين عن ديارهم، وعدم قدرتهم على التفاعل مع جمهور المحافظات الوسطى والجنوبية قد خدم قيادة الحكم الشيعي في اقتصار الاحتجاجات على القطاع الخدمي الاجتماعي، والابتعاد عن الخطر الأول وهو بنية النظام السياسي القائم.

مرت خلال الثلاث عشرة سنة الماضية محطات وفرص كثيرة لمراجعة التحالف الشيعي لمسيرته في الحكم ولسياسات حكامه الطائفية، لكن تورط قسم كبير من تلك الكتل في الفساد المالي والإداري والنهب العام، إضافة إلى سياسات القمع يعرقل أي تحولات جذرية في مسيرة الحكم، كما توفرت ذات الفرص لرئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، لكي يتحوّل إلى قائد عراقي غير طائفي، لكنه أصر وبتطرف على الولاء لحزبه، وعلى تنفيذ سياسة القمع والاستبداد بحق معارضيه مستخدما قوانين الحاكم الأميركي بول بريمر التي أدت إلى نتائج اليوم حيث يتعرض كل العراق إلى الانهيار.

لم تنطلق الثورة الشعبية الحالية من داخل الأوساط العربية السنية لكي تتهم بـ“الإرهاب والبعث وداعش”، بل هي ثورة جماهير الشيعة ضد حكم “الأحزاب الشيعية” فلماذا توصف بكونها “علمانية ضد التيار الديني الشيعي” وهو وصف غير صحيح؟ أدت هذه التداعيات الخطيرة المتوقعة في الشارع الشيعي إلى استنفار إيراني للتحرك وإنقاذ الوضع، في ظل زيارة المالكي لطهران والتي رفض خلالها التقرير الذي يتهمه بالمسؤولية عن سقوط الموصل. وتداعت بقية الكتل المرعوبة إلى طهران التي أبلغتها جميعا بالاجتماع ولملمة الوضع والخروج بإجراءات حتى وإن تطلبت الإطاحة برؤوس شيعية متورطة في الفساد المالي وفي هزيمة الموصل، وقبل الجميع ذلك.

ومعروف أن المظاهرات تقاد من قبل محمد رضا السيستاني الرافض للمالكي وغير المتوافق مع ولاية الفقيه (خامئني) وتدعم سلطة حيدر العبادي المدعوم كذلك من أميركا، وقد تصل الأمور إلى حل الحكومة إذا وصل العبادي إلى منتصف الطريق، ولم يتمكن الاقتراب من نقطة حسم مصير المالكي المدعوم من خامئني، ووجود ممثله الجنرال قاسم سليماني حاليا في كربلاء دليل على ذلك، إضافة إلى ما تخطط له قيادات الميليشيات التي لم يتجرأ المتظاهرون على المناداة بحلها، رغم أنها أساس البلاء. وإذا ما حصل الاصطدام بين قوى الجمهور الشيعي المدار من المرجعية والعبادي من جهة، والمالكي وقادة الميليشيات من جهة ثانية، فسيحصل الانهيار الذي تخشاه طهران. الإجراءات المتوقع القيام بها ستسعى إلى معالجة الوضع الشيعي في الحكم وتستثني المعادلة السنية التقليدية في الحكم (المطلك والنجيفي)، إضافة إلى أياد علاوي الذي رغم الملاحظات حوله ما زال يمتلك فرصته التاريخية في هذه الأيام لكونه خارج اللعبة الطائفية.

هناك فراغ سياسي كبير في الشارع العراقي في ظل التغييب المدروس للتيار الوطني الليبرالي غير الطائفي الذي قمعت بعض أطرافه وشخصياته العامة خلال السنوات الماضية، كما أن حل الجيش الوطني العراقي حصل في وقت مبكر من قبل بريمر لكي لا يكون ظهير الشعب ومنقذه في اللحظات المصيرية مثلما حصل في مصر. وإلى حد اللحظة فإن التظاهرات تديرها نخب من التيار المدني غير المسيس لكنها تقاد من قبل المرجعية، ومن غير المتوقع السماح لتلك المظاهرات بأن تتجاوز حدود المعادلة الطائفية المسموح بها من قبل المرجعية، ولذلك فإن الأوضاع الراهنة ستقود إلى سيناريوهات عدة أهمها:

وضع قيادات الأحزاب الشيعية لخارطة طريق تحافظ على الحكم الشيعي وتقبل بإدارة حيدر العبادي رغم اعتراض المالكي، والمجيء بوجوه حكومية جديدة قد يكون قسم منها من التكنوقراط، بعد الإطاحة برؤوس من الكتل الشيعية ما عدا المالكي لطمأنة الشارع الشيعي.

أما السيناريو الثاني فهو دعم المالكي لقيادات الميليشيات للوصول إلى الحكم (العصائب وبدر) بدعم إيراني وعدم رضى أميركي، وإدخال بعض الوجوه السنية بترشيحات من سليم الجبوري، المقبول من طهران وواشنطن.

السيناريو الثالث هو الحل الفدرالي وصولا إلى التقسيم، ويبدو أنه أسوأ السيناريوهات

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *