لماذا يذهب سنّة العراق الى الإنتخابات البرلمانية بعد اليوم ؟ بقلم د. عمر الكبيسي

لماذا يذهب سنّة العراق الى الإنتخابات البرلمانية بعد اليوم ؟ بقلم  د. عمر الكبيسي
آخر تحديث:

إذا كانت جماهير محافظات السنّة في العراق قد أجمعت أن لا حلَّ لتهميشها وإذلالها وما تتعرض له من استخفاف وعنف وانتقام إلا برفع السلاح بوجه السلطات المحلية والجيش الذي حشده المالكي بمبرر انهم تكفيريون وداعش وقاعدة ، في حين أنهم في واقع الحال مقاومون ومجاهدون ومظلومون يتعرضون الى إبادة كاملة ودخلوا حربا عسكرية في معركة وجود او لا وجود مضطرون عليها .

إذا كان سنّة هذه المحافظات كلهم قاعدة وداعش حسب نظرية المالكي فهذا يعني إبادتهم ، وإذا كان المالكي متشبثا بهذا الإدعاء لكسب الإسناد الدولي لصالحه، فهذا هو جوهر المكر والخداع الذي يريد المالكي أن يوظفه ليبقى في مشروعه التصفوي الصفوي التسلطي .
إن الحقائق التي أضهرها آخر تقرير مفصل ومطول في أكثر من 150 صفحة ومثبت بمقابلات وزيارات سجون ومواقع وشخوص قضائيه وتحقيقية وتقارير احصائية لمنظمة (هيومن رايت وج) الرصينة قبل أيام قليلة يؤكد ان ما يحدث هو نوع من التمييز والإبادة حيث يتطرق التقرير لإحكام اعدام غير منصفة و وسائل تعذيب بشعة غير إنسانية في السجون والمعتقلات وأعداد كبيره من الالاف المعتقلين من الرجال والنساء والأحداث والاطفال بدون جريمة مثبتة او بوشايات او مكيدة المخبرين السريين غالبيتهم من السنة في العراق ولسنين عديدة وتعرض النساء بشكل سافر للإهانة وهتك الاعراض والاغتصاب ، أليست هذه الحقائق دلائل صارخة لوجود مشروع إبادة طائفية للسنّة ؟ هل يجوز إذا ما انتفظوا بوجه هذا الظلم الذي بلغ فيه السيل الزبى بعد أن وقفوا لأكثر من عام محتجين سلميا تُقتحَم بعدها ساحات اعتصامهم وتظاهراتهم ويقتلون فيها أن يقال بحقهم انهم ليسوا عراقيين او انهم جيش يزيد وأن بين سلطته (الشيعية) وبين (السنّة) بحار من الدم ؟.ثم ينعتهم بداعش والتكفير ويحاصرهم ويقصفهم .
السؤال الذي يطرح نفسه ، هو لماذا في ظل هذه الأوضاع والاضطهادات التي يتعرض لها السنَّة يذهبوا الى الانتخابات في الوقت الذي تقف اغلبيتهم بجنب الانتفاضة وترى بها آخر أمل و وسيلة لتحقيق مطالبهم وحقوقهم بعد ان فقدوا الثقة بأي دور ممكن أن يحققه لهم ساستهم الذين يمثلونهم بالعملية السياسية وهم منقسمون بين من يطعن بهم سياسيا ويطعن انتفاضتهم عسكريا ويقف بجانب المالكي وهولاء يسموهم الثوار( الغادرين ) وبين من يجد في تبني مطالب الثوار في هذه المرحلة امكانية ان يعاد انتخابه او يزج بكتلته وجوه جديدة محسنّة وهؤلاء يسمونهم الثوار (الخادعين) لأنهم حتى لو صدقوا في دعواهم فإن المالكي لن يمكن هؤلاء الساسة السنَّة من تحقيق هذه المطالب ، فحساب المالكي معهم لا يختلف عن حساباته مع الساسة الشيعة من الصدريين والمجلسيين فهو يحسبهم جميعا خصوم سياسيين له ويحول دون ان يكون لهم جميعا اي دور في تطويق مشروعه ويحسب حتى مبادراتهم لتلافي التأزيم وكوارثه هو محاولة لإسقاط حزبه ومشروعه الصفوي .
ولأن قادة الانتفاضة ومجلسها العسكري العام لا يرون في الشركاء السنة في السلطة (الرئاسات والوزراء والنواب والعسكر ) أي أمل في امكانية ان يحققوا للمكون حقوقه من خلال العشر سنوات المنصرمه من خلال طبيعة الانتخابات وما يشوبها من خلال التزوير والاجتثاث وتسييس القضاء والدستور واستغلال السلطة والمال العام ، ولغرض ان يكون لهذه الانتفاضة تمثيل سياسي يهدف لتحقيق الاهداف التي يطمح لتحقيقها المكون السنّي ، قرر أن يتم تشكيل المجلس السياسي الذي سيتحمل هذه المهمة .
هنا يتضح بشكل لا يقبل التأويل والاجتهاد أن الانتفاضة التي تشهدها مناطق ومحافظات المكون السنِّي في وادٍ والمشاركة في العملية السياسية في وادٍ وعلى طرفي نقيض .
وإذا كانت هذه الانتفاضة هي حقيقة انتفاضة السنِّة كمكون يواجه مشروع إبادة في ظل هذه العملية السياسية الخائبة والتي لم تلعب دورا فاعلا في تحقيق مطالبها وحقوقها المشروعة باعتراف معظم اطرافها وكتلها ، لماذا إذاً يشارك السنَّة في الانتخابات القادمة ونزيفهم مستمر وشبابهم يباد ونسائهم تنتهك أعراضهم ويملئون السجون وعوائلهم مشردة 0
السنّة في العراق ليسوا طائفيين ولكنهم يتحملون بسبب انتمائهم المذهبي إبادة طائفية بمشروع طائفي مسيّس ، والتسنّن ليس مذهبا تكفيريا أو إرهابيا في طبيعته والإرهاب لا يربط مصيره بدين او مذهب او طائفة او حزب او سلطة او حدود او جغرافية وهو عابر لكل هذه الاعتبارات . والسنّة في العراق ليسوا تقسيميين او انفصاليين بل هم متمسكون بوحدة العراق وهم ليسوا معنيين بتشكيل دولة او كيان فيه مهما كانت صفته وهويته ولن يناصروا المدعين به .
وسواء كان المالكي يهدف إلى تأجيل الانتخابات بكل أزماته التي يثيرها لصالح بقاءه في السلطة منفردا كما يعتقد الكثير من المراقبين والمحللين او يجد نفسه مضطرا لإجراءها بموعدها المحدد بسبب ضغوط البيت الأبيض وتمسكه بالعملية السياسية التي صممها ، وفي ظل عناد المالكي على الاستمرار بمشروعه الطائفي المقيت دون عوده فإن المحللين المنصفين ومعظم اهل السنّة في العراق ،لا يجدون مبررا واحدا منطقيا في ظل ما يواجهونه مع السلطة وشركائها يدعوهم للمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة او الذهاب الى صندوق الانتخابات الذي لم يعد يعني لهم شيئا .
وفي ظل ضرورة ان يكون السنّة موحدين في العراق في أزمتهم مع السلطة ليكونوا أقوياء ، فإن ساسة السنّة عليهم ان يعيدوا النظر في قضية تهافتهم على المناصب والمقاعد والعناوين إن كانوا حقا يمثلون حاضنتهم ومكوّنهم ، أما أن يكونوا ساسة في السلطة بعيدا عن غالبية إرادة المكون فهذا يعني انهم سيبقوا ضعفاء لا حول لهم ولا قوّة ، رهناء للسلطة والمصالح الشخصي .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *