لو دامت لغيرك بقلم /رباح آل جعفر

لو دامت لغيرك       بقلم /رباح آل جعفر
آخر تحديث:

شبكة اخبار العراق :

الدنيا مثل دواليب الهواء .. صعود وهبوط ، لف ودوران . ولكل شمس غروب ، ولكل ولاية نهاية ، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك ، وهناك مثل يقول : البعيد عن السلطان .. سلطان .
لكن العيب في كرسيّ الحكم في بلادنا أنه ساحر ومسحور . ينبعث منه شعاع من السحر غريب . لا تكاد تحملك قوائمه حتى تتضخم وتتورم ، وتضع الدولة في جيبك على طريقة لويس الرابع عشر ، وتتخيّل نفسك تملك أرواح الناس ، وتتحكم في أرزاقهم ، وتملك أن تحكم عليهم جميعاً بالإعدام ، وانك الحاكم الخالد الباقي إلى الأبد . لا تخرج من القصر إلا إلى القبر .
ويكره أصحاب السلطة أن تخاطبهم بالرئيس السابق . هذا اللقب يستفزهم وينتقص من كرامتهم ، ويعتقدون أن عمرهم في الحكم أطول من عمرهم في الحياة .
كاذب من يقول لك من حكام العرب : إنه زاهد في الحكم ، وانه سيقدم استقالته ويتقاعد ، وينصرف إلى كتابة مذكراته الشخصية ، ليقضي ما تبقى من العمر في مداعبة الأحفاد .
كل نهايات الطغاة تكون مأساة حزينة دامية . ليس هناك طاغية واحد في التاريخ كانت نهايته سعيدة باسمة .
انتحر هتلر في ألمانيا . هرب موسوليني في ايطاليا . اندحر توجو في اليابان . استسلم شاوشيسكو في رومانيا . ستالين قتلوه بكأس مسمومة . خروشوف عثروا على جثته في إحدى حدائق موسكو . بوكاسا الإفريقي انقلب عليه أصدقاؤه الفرنسيون ووضعوه تحت الإقامة الجبرية ، ثم في السجن .
ومثلما تصنع الشعوب الأبطال ، فإنها تصنع الطغاة أيضاً .. المثل المصري يختصر لنا القصة .. قيل لفرعون من فرعنك ؟ قال : لم أجد أحداً يصدّني !.
أذكر أنني عندما سافرت إلى مصر ، حرصتُ أن أزور المتحف الوطني في قلب القاهرة ، وكان حرصي شديداً أن أرى شكل فرعون ، الذي أنجى الله بدنه ليكون آية وعظة وعبرة لمن بعده من الطواغيت .
يحكي لنا رواة الآثار والأخبار : أن فرعون كان يحبّ الماء ، وكان من طبعه ألا يرفع يده من الماء ، وكان إذا جلس على العرش وضع يده في الماء ، ثمّ أهلكه الله وجنوده بالماء !.
الفرق بين القائد والطاغية . أن القائد يسأل نفسه دائماً : ماذا بعدي ؟ أمّا الطاغية فلا يخطر في باله هذا السؤال ، وإذا خطر صرف خاطره قائلاً : بعدي الطوفان .
ولكن كيف يمكن أن يفسّر الناس هذا التاريخ الدموي للحكم في العراق ، وكيف يمكن أن يكون ما جرى متصوراً ، أو معقولاً ؟.
عبد الإله الوصي يربط الحبال ويشدّ السلاسل ، ويعلّق جثة العقيد صلاح الدين الصباغ القائد العسكري لثورة رشيد عالي الكيلاني على مبنى وزارة الدفاع . وعلى مبنى وزارة الدفاع نفسه يعلّق عبد الكريم قاسم جثة عبد الإله بعد قتله ، ثم يُلقى القبض على قاسم في المكان نفسه ، وزارة الدفاع ، ويُساق إلى المقصلة .. سلسلة طويلة من المظالم ، والمذابح ، والأشلاء ، والأقبية ، والقبور .
الدروس في كل مرة تضيع ، والطغاة لا يتعلمون . ليس هناك من حاكم يتعظ .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *