معادلات لم تحسن أميركا فك رموزها في العراق (2) … بقلم د.عمران الكبيسي

معادلات لم تحسن أميركا فك رموزها في العراق (2) … بقلم د.عمران الكبيسي
آخر تحديث:

كأني بالأميركان حين غزوا العراق لم يكن لهم همّ إلا إسقاط حكومته كرها وانتقاما، وطمعا بالاستيلاء على ثرواته، وتدمير مقومات دولته، ولم يخططوا لأي شيء آخر يحسن صورتهم محليا وعالميا، أو يشعر الآخرين أن لهم غاية واحدة سامية، تجعلهم مقبولين شيئا ما للناس، ولم يمتلكوا قراءة للواقع ليحسنوا التصرف ويتحسبوا لردود الفعل، وبدت قراراتهم ارتجالية آنية، من اعتبار العراق بلدا محتلا، إلى حل الجيش، وكتابة الدستور، وإقحام الطائفية والعرقية بالمحاصصة السياسية، ففعالهم لا تنم عن حكمة ولا دراسة ولا تخطيط مسبق، وظهروا على حقيقتهم محتلين غزاة، تغطرسوا واستعلوا بفجاجة ووحشية، فباءوا بالفشل لسوء سلوكهم الفظ، ولم يفلحوا في قراءة أية معادلة تخفف من وطأة إخفاقهم بإدارة العراق، فتعمقت بسذاجتهم وتراكم أخطائهم الفجوة.
لم يكن دخول الأميركان إلى بغداد مفاجئا للعراقيين العارفين بخبايا الأمور، فهم يعلمون أن جيشهم منهك وأسلحته قديمة بفعل حظر بيع الأسلحة لهم، ولن يجاري جيوش أميركا وأوروبا بتقنياتهم الحديثة، وأن حرب الاستنزاف الأميركية لم تتوقف منذ حرب الخليج الثانية، فالطائرات الأميركية تقصف المواقع العسكرية باستمرار، وخنجر الحصار المفروض على العراقيين ونفذه العرب كان مسموما وقاتلا أطبق على الصدور والبطون، ناهيك عن سوء علاقتهم بدول المحيط التي أعملت سكاكينها في الخواصر، وأسهموا بكارثة حبكوا حبالها فالتفت على أعناقهم فيما بعد.
المعادلة الرابعة: كان دخول الأميركان بغداد بلا مقاومة شرسة مفاجئا لهم حتى لم يصدقوا أنفسهم أنهم أنجزوا مهمتهم بسرعة، مهما تحدثنا عن معارك البصرة وأم قصر والمطار، فحسبوا الأمر استتب لهم فأعلنوا انتهاء الحرب، ووضعوا العراق تحت بند الاحتلال بلا حياء، وكانوا يزعمون أنهم قدموا محررين، يسعون لنشر الديمقراطية وبناء شرق أوسط جديد مستقر، فإذا بهم يكشفون عن دواخلهم ونواياهم الخبيثة المبيتة. بإعلانه بلدا محتلا رسميا في الأمم المتحدة، فكانت صدمة للعراقيين وضعتهم أمام مسؤولياتهم وجها لوجه، ولم يعد لمخلص منهم عذرا إن تخلى عن المقاومة، ولم يُترك مجال لتفسير قدوم أميركا إليهم سوى إذلالهم واستعبادهم وسقطت كل الذرائع. إعلان العراق بلدا محتلا فاق بصدمته مرارة صورهم وهم يدخلون بغداد، فهم الأميركان أن العراقيين استسلموا لهم، فتمادوا بسلوكياتهم المشينة ظنا أنهم لن يحكموا العراق إلا بالعنف والقسوة، وكانت قراءتهم بانتهاء الحرب وإعلان الاحتلال واستخدام القوة قراءة خاطئة أضيفت إلى سجل إخفاقاتهم. وجلبت لهم الويل والثبور وسرعت بتشكيل فرق المقاومة العراقية التي أذاقتهم رعب الموت.
المعادلة الخامسة: من المعادلات التي لم يحسن الأميركان حل رموزها ومعرفة أبعادها، خديعتهم بحل الجيش وقوى الأمن، والأميركان لديهم رهبة من الجيش العراقي المعروف بقوة اندفاعه وقدراته الهجومية العنيفة وشجاعته، ويعرفون أنه كان يعد القوة السادسة عالميا، وأن له خبرة قتالية عالية اكتسبها من حربي الخليج، فهو اشد الجيوش العربية خطرا على إسرائيل، وحين اقترح القادة الكرد على الأميركان حل الجيش، كانت دوافعهم معروفة، فهم لا يريدون للعراق قوة ضاربة، لتبقى لهم صولة الفرسان والكلمة العليا يهددون البلد بالانقسام والاستقلال متى شاءوا.
ولإيران ثار مع الجيش العراقي الذي كسر هيبتهم وأذاقهم طعم الهزيمة وجرع إمامهم الخميني السم، ولذلك انبرى عملاء الفرس وأحفادهم يحسنون للمحتلين حل الجيش وقوى الأمن إرضاء لربيبتهم إيران، ولأن مأربهم في السرقة والنهب والسلب والاستيلاء على القصور والأموال وإثارة الفوضى والفتن غير ممكنة في ظل قوى أمنية مدربة ذات خبرة، ووجد الأميركان في حل الجيش خطوة تخدم مصالحهم ومصالح إسرائيل، فأقدم الحاكم بريمر على حله واصدر فرمانه المشئوم بذلك، فحث الأميركان التراب على رؤوسهم، ولم يعد بإمكانهم إحكام السيطرة على الفوضى وحفظ الأمن لأنفسهم قبل أن يحموا العراقيين.
مهد حل الجيش لمقاتليه الانخراط في صفوف التنظيم السري للمقاومة، والتصدي للمحتلين والاشتباك معهم عن قرب وبمهنية عالية، فأذاقوا العلوج الموت الزؤام، وتجلى ذلك في حصار الأميركان للفلوجة التي استعصت عليهم في حملتهم الأولى، فاعدوا لها في حملتهم الثانية عدتهم ومع ذلك تكبدوا على أسوارها مئات القتلى وآلاف الجرحى، واتضح للعالم تهورهم وعنجهيتهم، وانهم اضعف من هزيمة المقاومة، فارتبكت أمورهم وأيقنوا بعد فوات الأوان أنهم توحلوا في مستنقع الموت. وإلى حلقة قادمة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *