مقارنة تغيظ ساستنا..!

مقارنة تغيظ ساستنا..!
آخر تحديث:

 

علي علي 

في مقارنة بين ما يدور على أرض العراق وسمائه منذ اثنتي عشرة سنة، وبين ما كان يحدث خلال العقود الأربعة الأخيرة من القرن المنصرم، يتبين جليا أن الشبه بين أحداث الزمنين ليس متباعدا، بل هو قريب وقريب جدا، إذ تعود بنا الاحداث التي تدور على الساحة العراقية اليوم الى سنين الحرب بل الحروب التي دخلها العراق، بقيادة فرد لم يكن سويا في طموحاته ولاوطنيا في نواياه ولامسالما في طبيعته، ولم يكن يعرف غير طريق الغزوات والـ (كونات)، وقد لازم منظر العنف والدموية والسادية سياسته ونهجه في التعامل مع شرائح المجتمع كلها، فقد كان عادلا ومنصفا في توزيع القتل والنفي والتعذيب والاضطهاد على العراقيين جميعهم، بعد أن فتح أبواب تسلطه وعنجهيته وبطشه على مصاريعها أمامهم، وبات ولوجهم فيها قسريا وقمعيا، وقطعا لم يفته الإبقاء على أبواب قليلة تنفس من خلالها خاصته وذووه الصعداء. ومع هذه الفئة وتلك الفئات كانت الوحشية في التعامل، والنار والحديد والقيود والكبول وإثارة القلق والرعب، هي السمة البارزة في صورة الساحة العراقية إبان حكمه. ولا يغيب عنا كيف ألزم إدارات المدارس الإبتدائية والثانوبة بإطلاق العيارات النارية من سلاح الـ (كلاشنكوف) في ساحاتها صبيحة كل يوم خميس أثناء تأدية مراسيم رفع العلم، وقالها بالحرف الواحد: (كي يتعلم الطفل العراقي على صوت الـ (طگ)). ولاأظن أن الشعور بالغصة قد اختفى منا عندما نمر على مرآبي (النهضة) و (العلاوي) هذين المرآبين اللذين مازالا يحملان على أرصفتهما ومواقف الحافلات فيهما، ذكرى توديع أهلنا وأحبتنا قسرا عند التحاقنا الى جبهات قتال فُرض علينا، لالشيء إلا لنزوة أحمق مسيس او سياسي أحمق. وكم من أخ او زوج او ابن أو أب حمل حقيبته واستقل سيارة هناك ولم يعد الى اليوم. كانت جراحنا عميقة تئن بخفية تحت سوط الجلاد، بفعل الجور والظلم والكبت وتكميم الأفواه.

اليوم وبعد ان انزاحت تلك الحقبة بشخوصها وأشباحها وشياطينها، لاأظن أحدا من العراقيين يريد الرجوع اليها بعد ما باتت الحكومة منتخبة، ومجالسها من صنع المواطن واختياره، وبعد ان اندلقت عليه الحريات بأصنافها وألوانها، أولها حرية التعبير عن الرأي، فبات صوته يعلو مادام الحق مطلبه، ودخل معترك الحياة العلمية والتكنولوجية مع أقرانه من بلدان العالم. فمن غير المعقول حتما أن يتشوق سوي لبيب واعٍ الى تلك الحقبة، بعد أن انطوت وولى قائدها الأوحد الى حيث مكانه الصحيح. إلا أن الأجواء لم تصحُ كما كان يتمناها العراقيون، وكما قال المتنبي:

ماكل مايتمنى المرء يدركه

تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن

إذ هب من كل حدب وصوب، وأتى من كل فج عميق متحينو الفرص، وصائدو الغفلة، وممتهنو السحت، وآكلو لحم أخيهم ميتا، فكانت بهم تشكيلات كتل وأحزاب، ضمت من ضمت من اللاهثين وراء الدولار، او المنفذين لأجندات كانوا قد كلفوا بإتمامها، او آخرين ركبوا موجة هذا الحزب أو تلك الكتلة، لظنهم بها خيرا وإيمانهم بأنها المنفذ الذي يعينهم على العيش المرفه والمنعم، فصارت بمرور السنين وبفضل التحاصص وبزيادة النيات السيئة وبتحصيل حاصل؛ حكومات ومؤسسات، وصارت مصالح العراقيين تعوم في لج بحر متلاطم الأمواج، يتسيدها حيتان لهم الأمر والنهي، بالقوة والغلبة التي تحققت لهم بفعل الذين تعاونوا على الإثم والعدوان، بعد أن تركوا التعاون على البر والتقوى. وبهؤلاء وبغيرهم من محترفي اللصوصية والقرصنة، ساد البحر استتبابا واستقرارا ولكن..! هو استقرار في حضيض الفساد، فبات المشهد كما قال شاعر:

ليل وزوبعة وبحر هائج

لا أرى إلا السفينة تغرق

وعلى هذا المنوال يسير البلد الى حيث هوة سحيقة القرار، لاأظنها أقل انحدارا وخطورة مما كان عليه العراق أيام النظام المقبور. فإذا كان الخلاص من السابق على يد أمريكا والغرب عام 2003، فعلى أي يد ياترى! سيكون الخلاص من اللاحق والنجاة من البحر الهائج اليوم؟! هو تساؤل ياساستنا لا أكثر.

[email protected]

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *