استسهال الشعر

استسهال الشعر
آخر تحديث:

د. حسين القاصد

الأدب بصورة عامة هو نشاط تخييلي أداته اللغة ، ومثله الرسم فهو نشاط تخييلي أداته الفرشاة ، وكذلك كل الفنون الابداعية تشترط عنصري التخييل والأداة ؛ لكننا صرنا نرى شعراء يفتقرون لأحد هذين العنصرين إن لم يفتقروا لكليهما . لا شعر بلا تخييل ، ولا شعر بلا تصوير ، ومن دون التخييل ستتحول القصيدة إلى الخطابية ، فإن كانت موزونة فهي لا تتعدى كونها كلاما موزونا مقفى مثلها مثل الشعر التعليمي ومنه ألفية ابن مالك ؛ اما اذا كانت من قصيدة النثر فستتحول إلى خطبة او مقال لأن قصيدة النثر تخلت عن كل اشتراطات القصيدة القديمة عدا التخييل ، والا فلن يميزها عن المقال اي شيء . اما اللغة فلقد ظلت تئن تحت سياط ألسن الذين يلوكون بها عوجاً ، فصار المستسهلون للشعر يريقون كرامة المنصة ولا يكترثون بل لا يتقنون أبسط قواعد النحو . لا شعر فصيح بلا لغة فصحى ، وأعني بالفصحى، هنا ، اللغة السليمة ، لأن ما عداها فهي لغة هجينة ؛ لكننا نجد إصرارا غريبا ممن لا يعرفون شيئا عن اللغة ، على أن يكونوا شعراء وان يطبعوا الدواوين ، حتى اني اعرف واحدا ممن لا يستطيعون رفع الفاعل الا بشق الانفس او الاستعانة بصديق !! وقد أصدر هذا ( الواحد ) دواوين عدة ، مستغلا غياب الرقابة الفنية على المطبوعات ، وهنا لا اعني الرقابة الفكرية فتلك مرفوضة وقامعة للحريات ، لكن لا حرية او تساهل في عدم إجادة اللغة ؛ ولقد صار يحضر المهرجانات الكبيرة ويطلب من الجالسين تشكيل حروف قصيدته وضبطها نحويا قبل ارتقاء المنصة ، لكنه يخفق في نطق الحركات الاعرابية حتى بعد كتابتها له . ولهذه الظاهرة من ساندها ودعمها من النقاد الذين على شاكلة هذا الشاعر ، لأن العامل المشترك بينهم هو الفقر اللغوي ؛ ولقد قرأت مؤخرا كتابا نقديا تناول مؤلفه مجموعة من شعراء العراق باسلوب المقالة السريعة ، وقد انتقى من كل جيل شاعرا او اثنين ، لكن ناقدنا النحرير وقع في مطب خطير ليزف لنا واحدا من أخطر الخطائين في اللغة بأنه شاعر حداثة ، ومن حملة راية الحداثة الكبار المميزين ! ، ليغلق ناقدنا الخطير باب الاعتراض على ركاكة لغة هذا الشاعر بل على جهله فيها ؛ ومن سيعترض بعد أن حصل على حرز نقدي يحميه من عيون الراصدين لاخطائه ، ليحرمه بذلك من لذة التعلم ويجعله يغض جميع حواسه عن اي نصيحة ؛ بل صار يصوّب للاصحاء قياسا بما لديه وهو عليه من جهل وأخطاء ولحن. ركنان اساسيان حفظا لغة العرب من اللحن والعجمة ، وهما القرآن الكريم والشعر العربي، فكيف بنا ونحن نرى حارس اللغة الذي قيل انه شاعر جدا وشاعر حداثة وهو بعيد عن اللغة بْعدَ البلدان العربية عن الاستقرار السياسي . فهل ندعو من جديد إلى قانون محو امية الشعراء ، ام يعود مستسهلو الشعر إلى رشدهم ، ليتقنوا لغتهم فاللغة وجه النص الادبي ومن دون إتقان اللغة سيبدو النص مشوها تكرهه العيون قبل أن تغلق الآذان ابوابها بوجهه .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *