و تدخل شارع الاستقلال في اسطنبول ..فتشعر على الفور .. انك وسط تظاهرة سياحيةً مليونية متواصلة ، وأنك في عالم اخر .. انه معرض كبير لأنواع البشر .. يتسكع العالم فيه على رجليه ، سائحا وزائرا ، ومندهشا .. امام هذا التنوع الثر الذي تميزت به المدينة .
من ساحة تقسيم .. وحتى برج گلاطة …
وعلى مسافة كيلو متر ونصفه .. لاترى سوى رؤوسا يانعة .. تتقاطفها المقاهي والمطاعم والمحال التجارية .. وتدهشها المعارض والمسارح والمكتبات ، والمتاحف ، ودور السينما ، ودور الأزياء ، وايضا وجود الكثير من القنصليات الاجنبية ، والكنائس المسيحية .. والاحلى عروض الموهوبين في العزف ، والغناء .. من الذين قدموا من بقاع الكون ، و افترشوا رصيف الشارع ، يرقصون ، ويغنون للحب والحياة .. من الاغاني الآذرية والعربية ، الى موسيقى الهنود الحمر ، وتراث امريكا اللاتينية .. وسط عروض مجانية ، او مقابل ليرة واكثر .. ويكفيهم فرحا انهم حولوا الشارع الى مسرح كبير للفنون الشعبية . . ويشترك معهم بمتعة التواصل ، بائعو الدوندرمة ، من الذين يتفننون بتقديم المرطب ، بعروض شيقة ومسلية ، تفرح الزبائن .. وكانها ألعابا بهلوانية .
اكثر من ثلاثة مليون سائح .. يدخلون شارع الاستقلال في كل يوم .. ويشكلون كرنفالا عالميا بامتياز ، الفضول والتسوق يجمعهم ، ورخص الاسعار يغريهم .
خدمات النظافة .. تعمل على مدار الساعة ، تلتقط الاوراق وأعقاب السجائر .. وأقداح المشروبات الغازية التي تسقط من أيادي الأطفال .. وبقايا لحى الكستناء التي تشتهر بها اسطنبول .
فرعان فقط .. يقطعان شارع الاستقلال .. الشارع الفرنسي الذي رصفت أحجاره على شاكلة شوارع باريس .. وشارع الزهور الذي كان مكانا لبيع الزهور من قبل النساء الروسيات الهاربات من جحيم الثورة البلشفية في روسيا التي اندلعت سنة ١٩١٧.
ميدان تقسيم الذي يعد المدخل الرئيس لشارع الاستقلال .. هو الأخر مثار إعجاب السياح ، فبعد ان كان ساحة لشبكة نقل قديمة تعتمد على جر الخيول .. تحول الى شبكة نقل متنوعة .. بين المترو ، والحافلات الحكومية ، والأهلية ، وسيارات الأجرة .. وايضا امسى مكانا لمواعيد العشاق ، يخرجون من انفاق المترو صعودا الى الساحة . يتسلقون سلالم ميكانيكية ، ثم ينتظرون .. ويتقابلون .. و بعد اكمال طقوس العناق والقبل الحميمة .. يتوزعون على فروع شارع الاستقلال القريبة . . ومن وسط ميدان تقسيم .. تتحرك قاطرة الترام الاحمر .. لنقل عشاق الشارع مجانا ، ذهابا ، وإيابا .
و ساحة ميدان تقسيم .. تعد مكانا للتجمعات ، والمظاهرات .. واحتجاجات أنصار العلمانية .. لكنها لم تمنع باني تركيا الحديثة ، الرئيس التركي اردوغان من تشييد أحدث جوامع الدولة التركية وبمعمارية هندسية رائعة ، غير مبال لاعتراضات العلمانيين ، من الذين يستنكرون تغيير تصميم الساحة التاريخية .
اسطنبول مشهورة بكثرة مآذنها ، وقبابها ، وكل سلطان عظيم له جامع يحفظ قبره وذكراه.. اكبرها جامع السليمانية الكبير المطل على مضيق البسفور والذي أشرف على بنائه مهندس تركيا المشهور المعماري سنان .. وأجملها جامع سلطان احمد ، وهو الجامع الازرق الذي خطف الأنظار من كنيسة ايا صوفيا التي تقابله تماما .
هذه الجوامع التاريخية اختزلت تاريخ الدولة العثمانية .. حروبها ، وقوتها ، وسطوتها على القارة الأوربية بفضل شجاعة وبسالة سلاطينها .. وعن هذه الجوامع قال اردوغان وفي خطبة حماسية بعد فوزه برئاسة الوزراء ( ان ( مآذنها سيوفنا .. وقبابها خوذنا ) وبسبب هذا الخطاب ، تم اعتقاله على الفور ولمدة ثلاثة اشهر .. بعد ان اعتبر خطابا محرضا ، ضد مباديء و تعاليم الدولة العلمانية التي اسسها كمال اتاتورك سنة ١٩٢٣ ، بعد اعلان الجمهورية .
لا حظت .. ان ساحة تقسيم قد تغيرت معالمها .. في شكلها وتصميمها الأساس ، مما اثر على النسق الحضري فيها .. الجامع الجديد ( قيد الانجاز ) أربك فضاءات نصب الجمهورية القديم الذي شُيد سنة ١٩٢٨ من قبل النحات الايطالي بيترو .. لقد ظهر النصب ( ١١ ) مترا ) صغيرا تحت رحمة الارتفاع الشاهق للجامع الجديد .. وفي الجهة المقابلة ، العمل جار ، لبناء اكبر مركز ثقافي سياحي ، على أنقاض مركز اتاتورك الثقافي القديم الذي أغلق من سنة ٢٠٠٨ .
لاشيء .. ولاسلطان يمنع اردوغان الذي سطع نجمه يوم كان رئيسا لبلدية اسطنبول سنة١٩٩٤ .. من تحويل المدينة البيزنطية القديمة ، لتكون من اجمل المدن الاوربية .
لكن .. لا اردوغان ، ولا حزب العدالة والتنمية .. باستطاعتهم منع الآلاف من الاتراك والسياح الذي يحتسون الخمرة في البارات والملاهي الليلية ، في الشوارع الفرعية لشارع الاستقلال .. وتعد من الحريات الشخصية .و صدق من قال/ ان اردوغان اطلق سراح الاسلام .. لكنه لم يجرؤ على اعتقال العلمانية . .& يتبع