عبد الزهرة زكي
حين يبدأ المرءُ شاعراً شاباً فإن أكثر الحاجات ضرورةً له هي التوفّر على (أسلوب) يكتسب به خصوصيته، وحين تتقدم التجربة بذلك المرء فإن أشدّ ما يظل يخشاه هي سطوة (الأسلوب)عليه.الخشية من الأسلوب هي خشية من الوقوع في (نمط)، هذا واحد من التعاريف الشائعة: (أسلوب الكتابة هو النمط الذي يختاره الكاتب)، والنمط في حال (التوفر) على أسلوب شخصي وعند هيمنة هذا الأسلوب على الشاعر يعني استسلامه للركود بتقليد الذات والانسحاق تحت وطأة تقاليدها، حينها تقوم الذات بتقليد الذات. هذه واحدة من مشكلات الانسان مع الحرية؛ كيف للإنسان أن يكون حراً حتى مع نفسه ومنها؟لا يكتفي المرء، شاعراً وغيرَ شاعر، من الحرية بمجرد تفاديه لتأثير الآخرين فيه، ومسخ هويته الشخصية بفعل هذا التأثير، الحرية تندفع قُدماً كلما كانت أكثر حيويةً وذلك حينما نكون أحراراً حتى إزاء ما تبديه ذواتنا من ضغوط علينا ومن تقييدات وما تفرضه علينا من تعوّد وخضوع للعادة.واحد من أشهر تعاريف الأسلوب هو تعريف بوفون: (الأسلوب هو الإنسان نفسه)، وحينما يكون الإنسان متغيراً هل ينبغي للأسلوب أن يظلّ ثابتاً؟واقعاً، من اليسير أن يتغير المرء ويتحول، بل أن الطبيعة الإنسانية هي تحوّل وتعديل مستمران، بينما الأسلوب لا تتاح له هذه (السهولة) في التعديل والتغيير.هذه مشكلة غير منظورة في الأدب: كيف يكون الأسلوب متغيراً؟تعريف بول فاليري للأسلوب هو: (عدول بالقياس إلى معيار محدد)، والمعيار المحدد ليس معياراً خارجياً قاراً، ليس معياراً معتمداً من مؤلف مهما كانت قيمته، النصوص هي ما تولد المعايير، وعمل الشاعر والكاتب ينصبّ على مواصلة العدول عن كل معيار يتولد.لا حل بغير أن يكون الأسلوب ضد الأسلوب دائماً.