الأغلبية العراقية بعيون غير عراقية

الأغلبية العراقية بعيون غير عراقية
آخر تحديث:

بقلم:ابراهيم الزبيدي

لم تُستخدم صيغة (الأغلبية) المغشوشة لقهر الأغلبية غير المغشوشة أكثر مما استخدمت في العراق، منذ عام الغزو الأمريكي، حتى بعد أن أثبت شباب الأغلبية الوطنية المنتفضيون بدمائهم الزكية أنهم متطفلون عليها وينبغي تحريرها من الاستغلال والاحتلال، والتسخيف والتحريف.

ففرسانُ البيت الإيراني المسمى بـ (الإطار التنسيقي)، والصدريون الخارجون من رحِمهِ المتمردون عليه، منذ انتهاء الانتخابات الأخيرة وحتى اليوم، لم يجدوا أفضل من سلاح الأغلبية لتثبيت ملكهم، وخدمة أحزابهم وأسَرهم، وترضية المخابرات التي تديرهم من الخارج، دون أن يعوا أنه سلاحٌ بحدين وقد ارتدَّ عليهم وهم غافلون.

شيء آخر، إنهم، بهذا الاستغلال الانتهازي المفضوح لذريعة المكون الأكبر، قد مزقوا شمل الطائفة، وأساؤوا لسمعتها إلى أبعد الحدود.    

أما المغالطة التي لا يملّون من الترويج لها، منذ أوائل أيام الغزو الأمريكي الذي أسقط لهم النظام السابق وجَعل السلطة والمال والسلاح في إيديهم، فتتمثل في تشبثهم بشرعية الأغلبية، ودعواتهم إلى احترامها والالتزام بحقوقها المقدسة.

نعم. وبدون جدال، إن الطائفة الشيعية العراقية تشكل أغلبية سكانية، ولكنْ عددياً فقط. فهي ليست جسدا واحدا متماسكا متجانسا يمكن لحزب أو حاكم أو ائتلاف أن يكون وكيلا عنه ويتحدث بلسانه.

ففيها، كما في كل واحدة أخرى من الطوائف والقوميات العراقية، تنوعٌ وتعددٌ وتَفاوت وتباعد وتنافر فكري وعقائدي وسياسي واجتماعي لا يتجاهله إلا ذو عقل غير سليم، أو غير عليم.

وكما يحاول الإطاريون والصدريون احتكار مقود زعامة الأغلبية الشيعية، فمن جانبه يحاول مسعود البرزاني أن يُنصِّب نفسه شيخا وقائدا وحيدا للأغلبية الكردية، رغم أنه المسؤول الأول عن انقسامها، وعن فقر جماهيرها، ومصادرة حرياتها، وبرغم التظاهرات والاحتجاجات والإدانات التي لا يتوقف الشعب الكردي عن اللجوء إليها، من حين لآخر، لرفض هيمنته فيقمعها حزبُه وأبناؤه وأولاد أخيه، بعنف.

والشيء نفسه يحدث على الساحة السنية التي يعرف الكبير والصغير في المحافظات السنية، وفي الأنبار تحديدا، أن السياسيين المُعيَّرين بأنهم سنة نوري المالكي لا يمثلون سوى أنفسهم، مع شلة المُصفقين المستفيدين من أموالهم الحلال أو الحرام.

ولو أجرينا، اليوم، تعدادا سكانيا حديثا صادقا ونزيها وغير مغشوش داخل كل طائفة أو قومية، وطلبنا من كل مواطن أن يُبيَّن فصيلةَ فكره السياسي، ودرجة علاقته بالمذهب، أو القبيلة، ودرجة سماحه لشخصٍ أو حزب أو رئيس عشيرة من طائفته أو قوميته بأن يكون الوصيَّ الحصريَّ عليه الذي يستأثر بحصصه من المال العام والسلطة والسلاح، حتى لو حرمه من رزق عياله، ومن كرامته وحريته وأمنه، لصُعق السياسيون، شيعةً وسنة، عربا وكردا وتركمانا، مسلمين ومسيحيين، حين يكتشفون أن الأغلبية الساحقة من أبناء الطتائفة أو القومية ترفض وصايتهم وتبغض وجودهم، وتَبرأ من أكاذيبهم وتلفيقاتهم، إلى يوم الدين.

ومن الموثق الثابت في تاريخ العراق الجديد أن قادة المعارضة العراقية السابقة الستة الكبار، عبد العزيز الحكيم وأحمد الجلبي وأياد علاوي وابراهيم الجعفري ومسعود البرزاني وجلال الطالباني، هم أصحابُ الاختراع المسمى بـ (المكونات)، وهم الذين قدَّروا عدد أفراد كل مكون، ثم نصَّبوا أنفسهم أولياءه الأوحدين، في غياب الملايين التي لم يستشرها قريب أو بعيد. ثم سارعت الإدارات الأمريكية، جمهوريةً وديمقراطية، ومعها إيران الخميني وسوريا الأسد، إلى اقتناص هذه الخديعة، وتبنَّيها، وجعلها أساساً مقدسا ثابتا يقوم عليه الحكم الجديد في العراق.

والأكثر إيلاما أن وكلاء النظام الإيراني، بعد ما يقرب من عشرين عاما من الانتفاضات والاحتجاجات الدامية، ومن التحولات والتقلبات المحلية والإقليمية والدولية، ما زالوا يعتقدون بأن من حقهم، وحدَهم، أن يمتلكوا الطائفة الشيعية، ويحتكروا منصب رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة، وينفردوا بحقوق التصرف بشؤونها، وبصياغة مستقبلها، واعتبار كل من يعترض على ذلك خارجا على الشرعية، وخائنا للطائفة، حلالٌ قتلُه عمدا وعلنا، أو اغتياله بكاتم صوت، أو اختطافه وتغييبه، حتى لو كان سيّداً وجدُّه رسول الله.

آخرهم عمار الحكيم، مثلا. فقد خرج علينا مؤخرا ليحذرنا من تمرير تحالفات سياسية تتخطى حق (المكون الاجتماعي الأكبر) في ترشيح رئيس مجلس الوزراء.

ففي خطبة صلاة العيد التي أقامها في مكتبه قال، “نُجدد دعوتنا بضرورة تشكيل حكومة منبثقة من الكتلة الأكبر، والتي يشكلها المكون الاجتماعي الأكبر في البلاد، لكي نُنتجَ معادلة سياسية مستقرة توفر بيئة متوازنة ومطمئنة لحكومة قوية تستطيع تحقيق رغبات شعبنا في حياة حرة كريمة”.

فقد أكد، من جديد، أن الحالة العراقية المعقدة المتشابكة الممتدة على مدى ما يقرب من عشرين سنة دليلٌ فاقع على أن قادة النظام الإيراني أغبياء، بل أغبى محتلّين شهدهم تاريخ العراق الطويل، وذلك بدلالتيْن، الأولى بكونهم ما زالوا يوكلون عنهم أسوأ أنواع العراقيين وأكثرَهم جهالة ونذالةً في حكم الطائفة، والثانية بكونهم ما زالوا مصرين على اعتبار الطائفة الشيعية ما زالت ساذجة يمكن خداعُها واستعمالها لحلب الوطن العراقي وأهله، حتى لو اقتتل أبناء الطائفة الواحدة، وامتلأت جدران منازلهم بالنعوات، وغرقت شوارعهم بالدماء.

وقد بيَّن استطلاعٌ للرأي أجراه معهد (غالوب انترناشيونال) ونشره معهد واشنطن في العام الماضي أن 80% من العراقيين الشيعة غير راضين عن أداء الحكومة التي هي، في زعم الإطاريين والصدريين، حكومة الطائفة التي تحققت أخيرا، وبعد قرون، وحرامٌ وخيانةٌ عظمى أن يعارضها شيعي، حتى لو كانت قد خرَبت بيتَه، وقتلت أبناءه وبناته، وسرقت رزقه وحولت وطنه إلى خرابة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *