الإثنانية والثنائية

الإثنانية والثنائية
آخر تحديث:

ياسين النصير

من اخطاء النقد الشائعة، الخلط بين مفهومين مختلفين هما: الإثنانية والثنائية، حتى ليبدو أن التمييز بينهما ليس صعبًا في اللفظ، لكنهما قاعديًا يختلفان في المعنى.ونستعير ما شرحه لوتمان في الفضاء السيميوطيقي من أن الإثنانية” قاعدة ترتبط بالإتجاه البنيوي عامة والفونولوجيا خاصة، من خلال أعمال رومان جاكوبسن الذي قدم صياغة أثنانية للمقومات الصواتية(تفخيم/ ترقيق…) التي يمكن أن تبرز تمفصلات مستوى العبارة في كل اللغات الطبيعية “ويقترن بالإثنانية اللاتناظر، وهو عكس التناظر “الذي يدل على التناغم في أجزاء موضوع ما “. فالإثنانية لا تقوم على التضاد، لأنها أجزاء الشيء، بينما الثنائية تقوم على التضاد، لأنَّها مؤلفة من شيئين متناقضين. وهو ما ميز جزءً كبيرًا من ثقافة القرن العشرين، تلك الثنائيّة التي اقامتها الفلسفة أولًا، ثم الانثروبولوجيا بين النيئ والمطبوخ. بين الحضور والغياب، بين النور والظلام، بين الأنا والآخر… في حين أن الإثنانية تعني “كل ثقافة حيّة تمتلك آلية مندمجة تسمح لها باختزال اللّغات التي تكوّنها، فالفن مثلا يمتلك عددًا من اللغات الخاصة في فن “فالسينما مثلا” ظهرت وسط موكب من الفنون التقليدية والجديدة على حد سواء” لذلك ليست السينما مفردة في ثنائية الفن اللافن. بل هي فن ضمن فن الصورة والصوت.أما الثنائية فهي شأن آخر، حيث يكون الجدل والتناقض أساسًا في وجودها ، فلايقال  مثلا عن اليد اليمنى وعن اليد اليسرى ثنائية، إذا كانا ضمن الجسد الواحد، وضمن منطق كلية اللغة الجسدية الواحدة، بقال إثنانية، لكن اليمن واليسار إذا تحولا إلى مفاهيم اديولوجية وتصنيفات طبقية أصبحا ثنائية.الخلط بين الإثنانية والثنائية، في النقد خطير، فعين الكاميرا وعين الراوي واحدة، عندما تصفان مشهدًا بحيادية، لذا فهما إثنانية وليستا ثنائية مادامتا لا يتدخلان في صياغة رأي ما حول ما يرصدانه، ولايفرضا رأيا خاصا بهما، ولكن بمجرد أن تصبح عين الكاميرا موقفًا يعبر عن وجهة نظر ما، وتصبح عين الراوي معبرة عن موقف أخر، عندئذ يصبحا ثنائية. كذلك يكون صوت المؤلف وصوت الشخصية، إذا كانت الشخصية هي المؤلف وكان المؤلف هو الشخصية فالصوت إثناني، أما إذا كان صوت المؤلف يعبر عن وجهة نظر طبقة أو فئة ، وكان صوت الشخصية يعبر عن طبقة أو فئة أجتماعية متناقضة في وصف مشهد أو تثبيت رأي، فهما ثنائية.لنبتعد قليلا إلى البنية الإجتماعية للغة، ففي العراق ثمَّة لهجات عديدة  للغة  العربية التي ينطق بها العراقيون من الموصل إلى البصرة، الأساس هي اللغة العربية، ولكنها تنطق بلهجات شعبية مختلفة، مثل هذه اللهجات الشعبية هي إثنانية، وليست ثنائية. هذا في الأساس المعرفي لها، ولن تصبح ثنائية حتى لو تبنت اللهجة  موقفا سياسيا أو تمييزا عنصريا.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *