فاضل عباس
لم تتوضح شخصية النبي محمد بالنسبة للأمة التي شكّلها، فهل هو رئيسها ؟ أم ملكها ؟ أم قائدها العسكري الميداني ؟
هذه الأسئلة نريد منها تعريف ما أسّسه النبي محمد وقتها، بعد استتباب الأمر إليه وسقوط أعداءه الواحد تلو الآخر، فهل كانت دولة بمعالم ؟ أم مملكة بتاج ؟ أم مجرد إلتفاف شعبي حول رجل متصل بالسماء، يتصف بالكمال في كل سلوكه ومنطقه ؟
إن دراسة المنطقة الجغرافية التي شملتها الديانة الإسلامية لحين وفاة النبي ( نجد والحجاز وبلاد اليمن ) تبين افتقارها إلى منظومة واضحة لأدارة حُكم التجمعات البشرية المنتشرة فيها، فلم يحاول النبي تأسيس دولة ذات معالم خارج سياق ماهو موجود، لم يؤسس دولة من وزارات أو دواوين، أو شَرطة، وقادة جيش، في عمق الصحراء المنسية من الحضارة، فآخر الملوك مرّ من سنوات في الصحراء، والحياة القاسية كانت تفرض نفسها بقوة، لا تسمح ببناء ولو معالم دولة وحاكم
كان الأمر أقرب إلى التلقائية العاطفية لتماسك المجتمع الذي أُسس، فالنبي قائد الجيش، والمفتي، وجابي الأموال، وموزّع الغنائم، وحلّال المشاكل والمفاوض مع الخصوم
مساحة الأراضي التي كانت تحت قيادة النبي في حياته، لم تتجاوز 500 ألف كيلو متر مربع، والمسلمون لم يتجاوزوا نصف مليون شخص، وكلهم تحت إدارته المباشرة، ولا توجد إلّا مؤشرات بسيطة في الرغبة لازدياد هذه الرقعة وهذا العدد، فرسائله إلى الحواضر المجاورة كانت تبشيرية أكثر من كونها إنذار ( بالغزو )
وبالعودة إلى البنية الداخلية لمجتمع النبي وتسلسل تكوينه، نلحظ وبصراحة واضحة تأثير المزاج الصحراوي على أدق التفاصيل وأوسع المفاهيم في الدين
1- النبي، كان هو الزعيم الأوحد الذي يتصدى لمستجدات الأحداث، وهذه صفة تخالف رأي المشورة أو توكيل مهام لآخرين باختصاصات يبرعون بها، وفي الصحراء، كانت سيرورة المدن والقبائل والقرى تسير هكذا، فالزعيم هو الشخص الأوحد الذي يبتّ بالأمور، وكانت ميزة النبي على من سبقه، هو اطفاء صفة لاهوتية على قراراته وزعامته
2- أدبيات الدين الإسلامي تناغي رجل الصحراء أكثر من غيره، فالصور التي اعطاها القرآن كانت تجذب الإنسان البدوي الذي يعيش في ظروف استثنائية كما مبين في أدناه
..
أولاً / وصف الجنة، يلائم رجل الصحراء، ففيها ( خِيم ) و ( نساء ) و ( أنهار ) و ( خمر ) و ( لباس من حرير ) وأشياء أخرى تدغدغ أحاسيسه، فهو يحلم دوماً بخيمة فيها نساء تجري أمامها الأنهار، يمارس الجنس فيها مع احتساءه الخمر
..
ثانياً / التركيز على مصطلح ( الظلّ ) وتكراره في القرآن في مواقع كثيرة، كان بمثابة حلم جميل لرجل الصحراء بالتخلص من حرارة الشمس التي تطارده أنّى ذهب، بينما، لم يتطرق القرآن إلى لذة الشمس التي يحلم بها أغلب سكان الجزء الشمالي من المعمورة، والذين يتمنون أن تزورهم الشمس وتبقى في سماءهم أطول مدّة
..
ثالثاً / الجنس ..( تقول شركتا باير الألمانية وجلاكسو سميث كلاين ان استفتاء بين عدد كبير من الرجال بين 55 و 70 سنة يكشف بأن الكثير من الرجال يشعرون بأنفسهم أكثر فحولة في فصل الصيف، بل ان بعضهم يقول ان فصل الصيف يزيد “حماوتهم” الجنسية بشكل يجعلهم يتفوقون على الشباب من ناحية القدرات الجنسية، واشاروا ان الصيف يعد محفزاً للقدراة الجنسية مؤكدين ان التعرض للشمس قد يكون السبيل لزيادة الرغبة الجنسية عند الرجل، لأن هرمون التستوستيرون، يرتفع بفعل الفيتامين د ) منقول.
لذلك، نرى تركيز غير طبيعي على مسألة الجنس في القرآن والأحاديث النبوية، حتى يتقبل المسلم ( الحار ) هذا الدين الجديد ويذوب فيه، فشرّع استمرار تعدد الزوجات الموجود أساساً في الجاهلية، وقنّنه بأربع، وما طاب له من الجواري، ووضع للرجل صلاحيات لا حصر لها في مسألة تمتعه بالعلاقة الحميمة مع نساءه، مقابل تشريع قوانين صارمة تحذر المرأة من المساس بهذه العلاقة حال رغبة الرجل فيها.
أما الجزاء الأخروي فلم يك مهملاً في هذه المسألة الحساسة، فرجل الصحراء يرغب بالجنس، وأتت أغلب التفاسير للآية ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ) بأنهم مشغولون بفضّ الأبكار ! كذلك، كان رجل الصحراء يعاني من ترهل ثدي المرأة الصحراوية نتيجة الحر والرضاعة والعمل اليومي، فجاء التعويض لهذه المسألة بوصف ثدي الحوريات بالكواعب
..
رابعاً / اللون الأبيض والأسود كان حاضراً، وذلك لأن أغلب الصحراويين يعانون من السمرة الشديدة بسبب الشمس، فجاءت البشارة لهم بتغيير لون بشرتهم في الآخرة باللون الأبيض، بينما يعتبر اللون الأسود أو السمرة مميزاً في أنحاء واسعة من المعمورة، وبقت هذه الصفة تسري في المجتمعات الإسلامية إلى يومك هكذا، فكل وجه أبيض هو نوراني ومن وبركات النبي عليه
3- الحقوق والحدود والقوانين، أغلبها من وحي الصحراء، فمثلاً، حق المرأة في الميراث كان إنجازاً حينها، لأنها قبل الاسلام كانت لا ترث شيئاً، وكذلك ديّـتها التي ماكانت قبل ذلك. كذلك حدّ الحرابة وقطع الأيدي والأرجل من خلاف، وحكم الجَلد والرجم وغيرها من الأحكام القاسية، وتوزيع المغانم والفيئ كان على أساس يناسب البيئة السائدة، وكانت طفرة نوعية باكتفاء النبي بنسبة 20% فقط منها، وتوزيع الباقي على رؤوس المقاتلين، وأغلب التشريعات الأخرى تراها تلائم حركة وحرمة الرجل الصحراوي القاسي. كذلك أغلب أحكام الطهارة وأداء الطقوس
4- الشواهد والأمثلة، أغلبها في الدين الإسلامي تناغي العقل الصحراوي، فسرّ الإبل والخيل والبغال والحمير، والبعوضة وكلب الصيد والخنزير، والسراب واللهث والعطش، والجبال والنجوم والشمس والقمر، والكثير غيرها، هي من مفردات الصحراوي، والتي بعيدة عن غيره ولا تعني شيئاً حال الاستشهاد بها
5- عدم وجود مدونات، أو تصاريح خطّية، أو وثائق تؤرخ حركة الحياة، بل ظلت حبيسة الذاكرة التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء أو الأصحاب، ولم تكن ( وثيقة المدينة ) ذات قوة اعتبارية لأنها عالجت حالة محدودة من الخلافات بين القبائل من ( المسلمين واليهود والكفار )، أضف إلى ذلك أن أول توثيق لها كان بعد قرن ونصف من الزمان على إصدارها ! وهذا مايطعن في صحتها
6- تغيير القِبلة، حرص الإسلام على تحييد اليهود ابتداءاً بالصلاة إلى قبلتهم في المسجد الأقصى، حتى أتى الأمر بتغيير هذه القبلة إلى الكعبة الموجودة في حدود المكان الذي يعيشه المسلمون، ولعمري، هذا مؤشر على إكمال بعض تفاصيل المكان المطلوب من النبي أن يحدده، فأمر مهم كالقبلة التي يتوجهون إليها يومياً أن تكون في متناول اليد، ولو بقت على ذي الحال، فقد تضطر الأجيال القادمة إلى الاستفسار وطلب الحاقها بحدود ( الدولة )
..
أتصور، أنه لم تك عند النبي محمد، أيّ أطماع في غزو المجتمعات المدنية المجاورة له، فلم تكن هناك أيّ أسباب مقنعة لدخولهم إلى الدين الجديد بالحوار أو المناظرة، فعلى أقلّ التقادير تفاؤلاً، حرص النبي على توحيد ساكني الصحراء حوله تحت راية الإسلام، وبما يناغمهم تفاصيل الدين الجديد
ما حصل بعدها من انفجار لحدود الدولة الاسلامية، يتحمله من جاء بعد وفاة النبي، إذ لم تك لدى المسلمين في حركتهم غير فرض السيف أو النطق بالشهادة، ودون ذلك أو فوقه، لم يزد على تفاصيل الطقوس اليومية أو الموسمية والحدود، أو دفع الجزية حال رفض الدخول في الإسلام، حتى وصل الحال مع الزمن بأن بعض ( الفاتحين ) كانوا يرفضون دخول المدن الساقطة تحت أيديهم، يرفضون دخولهم للإسلام، لاستيفاء الجزية منهم ! واستمرت ( الفتوحات ) صوب الشمال من الصحراء، حيث بلاد الشام والعراق وأرض الكنانة وبلاد الفرس والروم، وقلّت تلك الفتوحات نحو أفريقيا والشعوب السمراء !
..
الدين المتداول الحالي، هو صناعة متأخرة، شُكّل بعدما وضحت حدود الدولة الاسلامية الأولى ( 100 – 150 هـ )، وقد فُصّل على غرار الدين المحمدي الأول، يشبهه بأمور ويختلف في أخرى، بعد بدأت أولى محاولات التدوين للأحاديث النبوية ( بعد رفع الحظر عن كتابتها خوفاً من تداخلها مع النصوص القرآنية طيلة 100 عام ) تم جمعها بطريقة عشوائية وغير منظمة، اعتمدت على الحفاظ ونقلة السير والباقين من التابعين، والخليفة كان من يقرر هذا الحديث ورفض ذاك !
تشكّل الدين ( الجديد )، ظاهرهُ وشعاراته، مَدنية وشمولية، لكن حقيقته وتفاصيله الداخلية، بقت صحراوية بدوية، وكلّ من اشتغل بمادة الدين وقع بالمحظور، فأمّا أن يحوّر النصوص، أو يتلاعب بها، أو يمرره بالقوّة والقتال، وفي كلتا الحالتين الدين يسمح له ذلك، ففيه مساحة كافية للتأويل والاجتهاد، وهذا ليس نقص أو خلل، بل هو واقعٌ حال، لكنه لا يفيد في تأسيس دولة مدنية بشكل حضاري