الإعدام السياسي لمقتدى الصدر

الإعدام السياسي لمقتدى الصدر
آخر تحديث:

بقلم: علي الصراف

سواء تعرض مقتدى الصدر إلى تهديدات أم لا، نفاها أم لم ينف، صدّق الناسُ نفيه، أم لم يصدقه أحد، فالنتيجة واحدة، هي أنه سلّم العراق إلى إيران. وفعل عكس كل ما كان يزعم.هذه النتيجة تكفي لكي تحكم عليه إلى الأبد. إنها القول الأخير في “مسيرته السياسة”. ولقد أصدر بموجبها حكما بالإعدام على نفسه.أولا، لم يعد هناك ما يبرر أن يتبعه أحد. لأنه مثلما خذل تابعيه ومؤيديه والذين تعشموا منه خيرا، فإنه سيخذل كل مَنْ يقوده حظه العاثر إلى حمله على محمل الجد من جديد.ثانيا، لا يوجد، ولا يجب أن يوجد “تيار صدري” بعد الآن. هذه الأكذوبة انطوت الآن. أدّت دورها وانتهت إلى فضيحة من ناحية النتائج العملية لوجود هذا “التيار”.

ثالثا، الذين انتخبوا “التيار الصدري” اكتشفوا الآن أنهم آمنوا بوهم. ولم يعد من المنطقي أن يصوّت له أيّ أحد في المستقبل. لقد اختار الصدر بنفسه ليس أن يخذل ناخبيه فحسب، ولكنه جعلهم ضحية لخصومهم. باعهم شرّ بيعة. وتخلّى عنهم شر تخلٍ. سواء تمت العودة إلى الاتفاق النووي أم لا، فإن العراق سيظل حصة لإيران، في مواجهة أيّ ضغوط قد تتعرض لها رابعا، لقد تمت تصفيته سياسيا، حتى تحوّل إلى جثة. ولو أنه ضرب رأسه بالحذاء سبعين مرة، ندما على ما فعل، فذلك لن يعيد الحياة إلى هذه الجثة. ومن الخير للذين يعتقدون أنه ما يزال يستطيع أن يلعب دورا، أن يتخلوا عن هذا الاعتقاد، لأنه فارغ. وصار أمرا ثابتا الآن. ولو أن انتخابات جديدة جرت، فإنه لن يحظى بما حظي به من فرص، شارك أم لم يشارك.

خامسا، لقد برز التيار الصدري في لحظة كانت تدفع إلى التغيير، في ظرف يستوجبه، إلا أن هذا التيار تحوّل إلى عامل تدمير، حتى ولو ظل يردد المزاعم نفسها. فالدعوة إلى مكافحة الفساد، حتى ولو كانت دعوة فاسدة ومنخورة بالأكاذيب، فإنها لا تنتهي إلى تسليم البلاد إلى الفساد، تسليم يدٍ بيد. التصفيات السياسية أشكال. والطريقة التي تمت بها تصفية الصدر هي أبشعها على الإطلاق. فبعد أن تقدم الصدر بأن أصبح لاعبا مهما وقادرا على التحدي، فلمّا وُوجه بما لم يقدر على أن يتحداه، فقد لملم أغراضه ورحل، طالبا الستر.

هذا الرجل لن يفتأ يحاول العودة. وإذا عاد، فاتقوا شره، لأن الذين جعلوه ينقلب كل هذا الانقلاب على نفسه، سوف يتكفلون بتحويله إلى تابع هزيل. وسوف يحاول أن يخدمهم أكثر مما يخدمهم الآخرون، فقط من أجل الستر. ولو أنه أطلق النار على نفسه، لكان ذلك خيرا له. الذين خنقوه، شوّهوا صورته وألقموه حجرا ليسكت. ولكنهم أُعدموه، بأبشع مما يمكن لأيّ إعدام أن يفعل. أعدموه، من دون أن تتاح له الفرصة للدفاع عن نفسه. ولقد أُعدم خنقا لا شنقا، والكلمة الوحيدة التي أتيح له قولها هي تبرئة ساحة الطرف الذي تولّى خنقه.سوف يُشار إلى جهله، وانحطاط ثقافته، وقلة خبرته، ولكن كل هذا لن يكفي لتفسير كيف أن مناهضا للفساد ينتهي إلى رفع الراية البيضاء للفساد.

بعض الألاعيب التّقوية الإيرانية سوف تحاول أن تغطي على عملية التهديد أو الابتزاز التي تعرضَ لها الصدر، بأن تدفع بعض عناصرها إلى الظهور بمظهر الدفاع عنه. إلا أن هذه الألاعيب لن تغير شيئا في واقع النهاية التي أرادت منها طهران أن تستأنف احتلال العراق عن طريق جماعاتها، لتحكم من دون منافس ولا رقيب. بل حتى من دون أيّ أحد صار مكبلا بما أطلق من شعارات.

بعض هذه الألاعيب التّقوية، سوف تسمح لهذه الجماعات بالظهور بمظهر الحريص على تقديم الخدمات للعراقيين، وإنفاق بعض الأموال على مشاريع، غير وهمية هذه المرة، لعلها تنجح في تغيير صورتها المألوفة، كجماعات فساد وأعمال نهب وتسريب أموال لخدمة وليّ أمرها. إلا أن النتيجة ستظل هي نفسها بميزان تجاري من كفة واحدة، كيفما مالت تميل لإيران، وبمشاريع تنفذها شركات الحرس الثوري، وأعمال بناء لا تؤدي إلى إلحاق الضرر بمصالح إيران. أي من دون أن تكون هناك مشاريع ذات طبيعة استراتيجية يمكن أن تساعد العراق على أن يتحرر من ربقة عبوديته وتبعيته لإيران أو أن يؤسس لنفسه شيئا يستطيع أن يتكئ عليه.

الذين انتخبوا “التيار الصدري” اكتشفوا أنهم آمنوا بوهم ولم يعد من المنطقي أن يصوت له أي أحد في المستقبل بعد أن اختار أن يخذل ناخبيه ويجعلهم ضحية لخصومهم وباعهم شرّ بيع  العلاقات مع دول الجوار العربي سوف تتحطم، أو أن يُفرض عليها واقع أن اليد العليا هي لإيران في كل ما قد تزمع هذه الدول أن تقوم به.

وسواء تمت العودة إلى الاتفاق النووي أم لا، فإن العراق سيظل حصة لإيران، في مواجهة أيّ ضغوط قد تتعرض لها. والحرس الثوري، بما لديه من إمكانيات على النهب في العراق لن يكون في حاجة إلى دعم حكومي مباشر، لكي لا تخضع تعاملات طهران المالية لمراقبة المؤسسات الدولية التي تراقب تمويلات الإرهاب وعمليات تبييض الأموال. كل هذه العمليات سوف تُنفّذ في العراق. بالضبط، كما ظلت تنفّذ طوال الوقت منذ العام 2006 حتى سقوط حكومة عادل عبدالمهدي.

النتيجة هي أن ما كان شعارا يقول “لا شرقية ولا غربية” سوف ينقلب في الواقع الحال إلى القول “العراق ضيعة إيرانية”.بمزاجية أم من دونها؛ بوعي أم بلا وعي، فقد خان الصدر الثقة. وخان الأمانة التي وضعها عليه الواهمون بأنه يمكن أن يكون رجل تغيير. لقد نفى الصدر أنه تعرض للتهديد من جانب إيران. وقد تكون مصيبة فعلا لو أنه تعرض للتهديد، ربما بشيء مخجل أو مخيف. ولكن المصيبة أعظم لو أنه فعل كل ذلك من دون تهديد. على الأقل، التهديد سوف يوفر سببا للخذلان الذي تعرض له الذين ظنوا به خيرا. ولكنهم من دون تهديد، فإنهم لن يعثروا حتى على سبب منطقي لقبول كل ما سيلحق بالعراق من ضرر ومخاطر.

لم يعرف تاريخ السياسة، حتى الوضيع منها، إعداما أبشع مما اختاره الصدر لنفسه.ولكنها نهاية لا يستحق الصدر أفضل منها. ولو أنه جلس ليلطم ويضرب رأسه بالحذاء ندما على ما فعل، فإنها هي النهاية التي يستحق. ليس لأنه اختارها بنفسه، ولكن لأنه لم يكن يملك سواها من الأساس. تلك هي طبيعته. وهل يُلام المرء على شيء من طبعه؟

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *