بغداد/شبكة اخبار العراق – في نهاية خمسينات القرن العشرين، وفي مدينة العمارة التي تختصر أوجاع الجنوب العراقي وآماله أيضاً، كان هناك أستاذ ينتزع إعجاب طلاب «دار المعلمين الابتدائية»، هو عبدالواحد محمد، بدروسه في طرائق تدريس اللغة الإنكليزية، التي يصفها أكثر من «معلّم» تتلمذ عليه، بأنها «تستند إلى ثبات معرفي وقدرة كافية وشخصية متوازنة ومرموقة».
ومنذ نحو نصف قرن، كان الجهد المعرفي لعبدالواحد، شهد انتقالات عدة لكن ضمن مسار مخلص للمعرفة، بضفتيها العربية والأجنبية، ومن هنا قوبل أستاذ علم اللغة العام والمترجم البارع، بتحية خاصة قبل أيام، من اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين، للحديث عن تجربته في علم اللغة والترجمة.
والمترجم والباحث محمد، الذي خص ترجمة الشعر والرواية، بمساحة لافتة في إنجازه، يرى أن «من لم يمارس الفنون الأدبية من شعر وقصة ونقد، لا يمكن له أن يكون مترجماً جيداً»، فهو من «بدأ صبياً مولعاً بالأدب، ولاسيما القصة»، إلى حين انتقاله من «البيئة العراقية إلى البيئة البريطانية»، حين ترجم إلى أهل لغة شكسبير، عدداً من القصص من العربية، منها قصة للراحل جبرا إبراهيم جبرا، ووجدت إعجاباً من القراء الإنكليز، فاق إعجاب قرائها بلغتها الأصلية. كما أنه ترجم مؤخراً للشاعر العراقي عيسى حسن الياسري، مجموعة مختارة من العربية إلى الإنكليزية تولت طبعها «دار المأمون» البغدادية، فضلاً عن أربعة دواوين من الشعر العراقي ينتظر فرصة مناسبة لنشرها.
ولم يقتصر عمله في ترجمة الأدب الإنكليزي، فنقل إلى العربية من الأدب الصيني والياباني وأميركا اللاتينية والأدب الروسي، وظل للشعر في عمله، حصة لافتة، ضمن مسار كان يترك جانباً، جملة من نوع «الترجمة خيانة للنص الأصلي»، فهو «لا يؤمن بهذه المقولة إذ ليست هناك خيانة، بل أخطاء، وهذه خاضعة لقدرات الإنسان، وهي تعني أن المترجمين الذين لم يهيئوا أنفسهم ومعرفتهم باللغتين ونظريات الترجمة».
ويؤمن عبدالواحد محمد، بـ «التخصص» في الترجمة، أي أن يولي المترجم اهتمامه بصنف معين من صنوف المعرفة وأن يركّز عليه وأن يطلع، قدر الإمكان على التفاصيل المعرفية المتعلقة به، وأن يدرس مصطلحاته وتعاريفه ويفهمها وبكلمة واحدة، وأن يلم به إلماماً تاماً. ومن هنا فالرجل اختار الأدب صنفاً معرفياً، وله كتب مترجمة في الشعر، الرواية، القصة والمسرحية، وفي النقد ترجم «الرواية الحديثة: الإنكليزية والفرنسية» للناقد بول وولست، وهو كتاب طبع مرتين في العراق وثالثة في القاهرة، و«تأملات في الأدب الكندي» لمالكوم روس، و«أزمة في الشعر الإنكليزي» لفيفيان دي سولا، فضلاً عن ترجمة دراسات وبحوث نقدية في مجلات مثل «الثقافة الأجنبية»، «الأقلام» و«الطليعة الأدبية» وغيرها.
ويؤكد من نال الماجستير في آداب الإنكليزية من الجامعة الأمريكية ببيروت عام 1968، أن «الترجمة هي شغلي الشاغل، لا سيما أنها تطورت، ولاسيما في مجال اللسانيات (يحمل شهادة الدكتوراه بامتياز في اللسانيات وكانت أطروحته بعنوان: النقد الترجمي الموضوعي) التي تعددت فروعها مثل تحرير الخطاب، الأسلوبية، التداولية وغيرها وقد درّستها وأشرفت على طلاب تناولوها في رسائل الماجستير والدكتوراه».
ولأنها «شغله الشاغل»، فهو لا يكتفي بالحديث عن الترجمة، بل تأسيس بنى على الأرض، مثل تشكيل «المجلس الأعلى للترجمة»، إذ يتطلب الأمر تشريعاً نموذجياً لتنظيم حركة الترجمة والارتقاء بها وحماية حقوق المترجمين وتحديد واجباتهم وأجورهم. وأن يضم «أنقى العناصر المؤهلة لإدارته وإدارة دفة الترجمة في ربوع الوطن. وأن تنطوي تحت إشرافه وتوجيهاته العلمية «خلايا الترجمة»، وصولاً إلى تأسيس مطبعة ودار نشر خاصة لطبع الكتب المترجمة ونشرها» .
والمترجم محمد عبدالواحد، ولد عام 1933 وعمل رئيساً لقسم اللغة الإنكليزية في كلية اللغات منذ عام 2003 ، وله نحو 30 كتاباً توزعت بين التأليف والترجمة، كان آخرها «اتجاهات الترجمة المعاصرة»، فيما تولى تحرير مجلة «اللسانيات والترجمة»، فضلاً عن عمله الأكاديمي الجامعي.
الاتحاد العام للأدباء والكتاب يحتفي بعبد الواحد محمد شيخ المترجمين العراقيين
آخر تحديث: