الاحتلال التركي العسكري والمائي للعراق…وسقوط السيادة

الاحتلال التركي العسكري والمائي للعراق…وسقوط السيادة
آخر تحديث:

في ظل الغياب التام لأي موقف وطني أو قانوني من حكومة السوداني، تحولت تركيا من جارٍ متجاوز إلى قوة محتلة فعلياً في شمال العراق. فالقوات التركية تتوسع يوماً بعد آخر تحت ذريعة ملاحقة حزب العمال الكردستاني الذي وافق على السلام والاستسلام، بينما البرلمان التركي يجدد تفويضه العسكري وكأن شمال العراق جزء من الأمن القومي التركي. الأخطر أن هذا التمدد العسكري ترافق مع حرب مائية تمارسها أنقرة ضد العراق، إذ عمدت إلى خفض الإطلاقات المائية في نهري دجلة والفرات إلى أدنى المستويات خلافا للقوانين الدولية وعلاقات دول الجوار، ما جعل ملايين العراقيين يواجهون أزمة العطش وزراعية خانقة. ورغم هذا العدوان المزدوج ” العسكري والمائي” تلتزم حكومة السوداني الصمت التام، في موقف يُترجم حالة الارتهان الكامل للنظام الإيراني الذي لا يرغب في أي مواجهة حقيقية مع تركيا، حفاظاً على توازنات النفوذ بين القوتين الإقليميتين داخل العراق.

لقد أصبح العراق اليوم ساحة مفتوحة لتقاسم النفوذ بين قوتين إقليميتين؛ إيران تهيمن على القرار السياسي والأمني عبر ميليشياتها وأحزابها، وتركيا تُحكم قبضتها على الشمال عبر قواتها وقواعدها العسكرية ومياهها المحتجزة. وبين الاحتلالين ضاعت هوية الدولة العراقية وسيادتها، وغابت إرادة القرار الوطني المستقل.

إن تصويت البرلمان التركي يوم 21/10/2025 على تمديد بقاء القوات التركية داخل الأراضي العراقية لا يستند إلى أي أساس قانوني، وهو تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للعراق، وخلافا لميثاق الأمم المتحدة (المادة 2/4)، يُحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سيادة ووحدة أراضي أي دولة لها عضوية في الأمم المتحدة.وهو ما يفتح المجال أمام العراق للجوء إلى مجلس الأمن الدولي والمحاكم الدولية لمطالبة تركيا بسحب قواتها بشكل كامل ، وعلى القوى السياسية عليها اتخاذ موقف وطني موحد تجاه هذه الانتهاكات، يتماشى مع ما تطرحه في برامجها الانتخابية بشأن حماية السيادة ومواجهة التدخلات الخارجية.

تصويت البرلمان التركي يعني أن أنقرة تتعامل مع الأراضي العراقية كمنطقة نفوذ أمني دائم، وليس كدولة ذات سيادة.وهو تكرار لنموذج “الاحتلال التدريجي” الذي تستخدمه دول أخرى، عبر تبرير التواجد العسكري لـ “محاربة الإرهاب” ثم تحويله إلى واقع جغرافي وسياسي دائم. الأخطر أن هذا الإجراء قد يشجع دولاً أخرى (خصوصاً إيران) على تقنين وجودها العسكري أو الميليشياوي داخل العراق بذريعة مماثلة.ورغم هذا العدوان المزدوج “العسكري والمائي” تلتزم حكومة السوداني الصمت التام، وكأنها تتعامل مع الملف كقضية ثانوية. إن صمت الحكومة هنا ليس مجرد ضعفٍ سياسي، بل تخلٍّ عن السيادة وموتٌ للإرادة الوطنية.

 إن صمت حكومة السوداني أمام الاحتلال التركي، كما صمتها أمام الهيمنة الإيرانية، يؤكد أن العراق لم يعد يمتلك حكومة، بل إدارة تدير مصالح الخارج. وهكذا تُختزل مأساة العراق اليوم في معادلة مريرة: إيران تتحكم في السياسة، وتركيا تتحكم في الماء والأرض، والشعب يواجه العطش والخراب بصمت إجباري.الاحتلال التركي المائي والعسكري ليس مجرد خرقٍ للسيادة، بل مشروع لتفكيك العراق جغرافياً وإنسانياً، وأن صمت الحكومة جريمة تواطؤ لا عجز، النتيجة: عراق محاصر بالماء والنار من الشرق والشمال.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *