خالد القره غولي
( الانبار ) تخطف من جديد من قبل … الفاسدين والطامعين الذين يعتقدون أن هذه المدينة خالية مهجورة لا أصحاب لها ولا أهل يحرسونها ويحمونها من قوات الاحتلال الأمريكي والاحتلال والإيراني , والعفاريت الجديدة التي خرجت للتو من قمقم الأرض رافعين شعارا لأبناء هذه المدينة يجب أن تغادروها , ولكنهم نسوا أن في هذه المحافظة الجريحة (عباقرة كثر) و ( شجعان كثر ) و( حكماء كثر ) , لكن الوقت غير متاح للمبارزات بين أولئك العباقرة والشجعان والحكماء بل هو وقت أيجاد المخارج للناس قبل أن تحترق هذه المحافظة العظيمة بكاملها , لكن السؤال هنا يطرح نفسه أمام الأصحاب والأحباب من يمثل حكومة الانبار بعد الاحتلال البغيض وأعضاء مجلس النواب في الدورة الحالية , ماذا فعلتم لهذه المدينة التي ظلت شوارعها مقفرة , أبنية تهاوت وتهدمت أزقة لونتها الشعارات الطائفية , ومآذن وجوامع أتعبها الرصاص , يكاد الداخل إلى ( مدن الانبار ) العروبة والجمال يشعر بالرعب التام ويكون دخوله أشبه بالدخول إلى مدن تحاصرها جيوش الغزاة ومساعديهم من المليشيات الحكومية التابعة للأحزاب الحاكمة كيفما اتفق تقتل كيفما تشاء وفي أي وقت وفي أي زمان وحسب رغبة القيادات من كل الجهات سواء كان سنيا أو شيعيا أو كرديا أو ينتمي إلى الأديان والأقليات الأخرى , حسب الطلب ونوع الهوية المطلوبة والعدد المطلوب والمنطقة التي تحدد من قبل المسؤول , والخروج من المدينة يتطلب سيراً على الإقدام والدخول إليها يدخلك في دوامات التفتيش والأسلحة والاستفزاز قبل أن تتعرض سيارتك الى فحص دقيق وسلب محتويات جيوبك أو اعتقالك , هذا هو حال مدن ( الانبار اليوم ) , عادت أليها الاغتيالات لكن بكواتم الصوت وتفجير السيارات , يا أبناء العالم كافة ، تلك المدن كانت غافية على حلم الفرات لكن حالها تحول إلى كابوس أطبقت من خلاله قوات الاحتلال على جميع مفاصلها الحيوية وشرايينها التي تؤدي الى استمرار الحياة فيها , فهي تعيش في حصار جديد لم تألفه كتب المصطلحات السياسية والعسكرية وهذا حال لسان أبنائها الطيبين , على من تقع مسؤولية هذا التدمير المبرمج وفقدان الحياة المدنية العامة فيها وتهجير أهلها المساكين والتي كانت عقدة المواصلات المهمة في الشرق الأوسط , وكانت تسمى و مازالت ( محافظة العز والكرم ) أهلها يتهمون المليشيات الإيرانية باصطناع هذا الوضع للحيلولة دون استمرار الحياة فيها أو الخروج منها , وأغلقته أبوابها إمام الجميع وتبقى الأسئلة بلا أجوبة واضحة برغم الحملات الأمنية الاستعراضية من قبل قوات الجيش والشرطة فمن المسؤول يا ترى , ولماذا وها هي اليوم رجع فيها الأشرار من يمثلون ( الأحزاب السياسية ) الذين يمثلون عصابات إيران بعثروا كل جهد يؤدي إلى الإصلاح في هذه المحافظة , الانبار محافظة المساجد والجوامع الدينية تحول رخام جوامعها إلى أناشيد حزينة وشوارعها تستصرخ ضميرا وقلوبا توشحت بها أرصفتها المتكسرة , انظر ها هم أهلها تعاد إليهم المعارك من جديد لتنتحر من جديد خوفا من الموت ، بعد أن وضعت الحرب أوزارها في هذه المدينة الباسلة المجاهدة , أعود مرة أخرى إلى مدن الجمال الانبار الحبيبة وأعلن في هذه اللحظات وقريبا من أفق يحمل ألينا فرات العراق وشمس أمنياتنا بعيدا عن حزن مدفون وانين السدود ومنارات الدعاء المخضب بصلواتنا ، دعاء متبسما بعشق العراق وأهل العراق اعذروني فانا مغرم بالذين وهبوا قلوبهم حبا وزرعوا أنفسهم حصادا للطيبين من اجل هذه المحافظة , أيها ( الوطن الكبير) الجميل العزيز اقترب مني فانا محتاج إليك جدا في هذه الأيام , دثرني يا نخيل الانبار احملني إلى ضفاف الفرات الخالد ثم إلى الفلوجة إلى الخالدية والى هيت وعنه وراوه والقائم , أوصلني الى الرطبه والكرمة والبغدادي وحديثة وكبيسة والنخيب والرحالية وبروانه , هل أبدو بعيداً عنها أم قريبا من ساحل فارغ يقع على شاطئ الفرات العجيب أنها ساعات النهار الأخيرة , تودع الشمس أبناء مدن الانبار , ( المحافظة الحبيبة ) يوما آخر اسمه يسبح به الناس لله العلي القدير يبدأ بعبير وتلاوات المسبحين نحو جهة الغروب فإذا بجموع الناس ترفع الأذرع إلى الباري عز وجل وتنقل رائحة ( السلام والأمان ) إلى أبناء هذه المحافظة حيث بدأت مئات المآذن تدعو الناس إلى صلاة المغرب سرت في شارع طويل بعد الصلاة يكاد يفرغ تماماً من الناس بينما كانت الإعداد من السيارات المسرعة تذهب إلى حيث لا ادري خوفا من المجهول بعيدا عن العنف والإرهاب , لا ادري لماذا تذكرت ذلك السؤال لو أحصينا عدد المآذن والمساجد والجوامع في الانبار اليوم لفاتنا الكثير لكنها تبزغ شامخة من بعيد يرفرف الطير فوق أحواض جميع الجوامع والمساجد , وأهل الانبار الطيبون يتمسكون بالتقاليد العربية والإسلامية والديانات الأخرى التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم لكنهم يتآلفون مع الغرباء حتى ينصهر الغرباء بينهم , لكن مع الأسف لا ادري ما حل بهذه المحافظة التي لها حضارة انتشرت شواخصها في كل بقاع العالم تحكي قصة شعب عريق مبدع متسلح بالعلم , كان ولا يزال يثير في النفس اعتزازا ومباهاة واعتلاء لناصية الفخر عبر ما تحقق لها ضمن مسيرتها الطويلة الحافلة بالعطاء حتى وصفها احد المؤرخين بأنها قطعة من التاريخ والحضارة والإنسانية