رأيت أن أدمج موضوعين في حلقة واحدة، ألا هما موضوع «الانتخابات ولوبي ولاية الفقيه» وموضوع «الانتخابات والعبادي».
الانتخابات ولوبي ولاية الفقيه:
اللوبي الإيراني، أو لوبي ولاية الفقيه، كان دائما له حضور في الشأن العراقي، فإيران تتطلع منذ 1979 إلى جعل العراق تحت نفوذها، حيث كانت تحلم، ومعها الإسلاميون الشيعة العراقيون في مهجرهم الإيراني، أن يكون العراق البلد الثاني الذي تؤسس فيه جمهورية إسلامية، ولكن ليس ذات سيادة وطنية، كما هو الحال مع إيران، بل تحت الخيمة الشرعية الموسومة بـ(ولاية الفقيه)، أي تحت قيادة الخميني آنذاك، خاصة بالنسبة للذين يعتمدون وحدة ولاية الفقيه، بعكس الذين اعتمدوا التعدد، كمحمد حسن فضل الله ومحمد الصدر. ولكنهم بعدما يئسوا من تحقيق هذا الحلم، جعلوا الإسلاميين الشيعية العراقيين الموالين للجمهورية الإسلامية ولمبدأ ولاية الفقيه مفهوما، ولعلي خامنئي مصداقا لهذا المفهوم عندهم، يحققون أقصى الممكن من تحقيق نفوذ إيراني في العراق.
وعندما لا تستطيع إيران ولاية الفقيه أن تجعل العراق تحت قيادة رئيس للسلطة التنفيذية من الخط الموالي لها، يبقى بالنسبة لها الخط الأحمر غير المسموح بتجاوزه، ذلك أن يتمتع رئيس الوزراء العراقي بشرطين، ألا هما أن يكون إسلاميا، وأن يكون شيعيا، فتبوؤ شيعي علماني لرئاسة الوزراء خط أحمر، وكذلك تبوؤ إسلامي سني، ناهيك عن أن يكون متصفا بالسوأتين، أي أن يكون سنيا وعلمانيا، أما تبوؤ غير المسلم لمنصب سيادي في العراق فهو من أشد المحرمات، ولذا صرح علي أكبر ولايتي برفض إيران أن يكون للعلمانيين والليبراليين دور في العملية السياسية في العراق.
ومنذ اليوم الأول بعد إعلان النتائج تحركت إيران بشخص قاسم سليماني للعمل الحثيث لتكوين الكتلة البرلمانية الأكبر عددا بمقاعدها، من الموالين لها، وبحث قادة لوبي ولاية الفقيه، لاسيما الرباعي (نوري المالكي، هادي العامري، قيس الخزعلي، أبو مهدي المهندس)، مع الفارق إن الثلاثة الأخيرين يؤمنون إيمانا عميقا بولاية الفقيه، بينما المالكي يريدها لتحقيق مجده الشخصي ولمواجهة خصومه الفكريين الذين كفّرهم كما كفّرهم خطيب قناته (آفاق) عامر الكفيشي، وهم (الماركسيون، والشيوعيون، والعلمانيون، والليبراليون، والحداثويون، والمدنيون).
لكننا نأمل أن ينجح تحالف (سائرون) و(النصر) بالرغم من أن أيا منهما لا يمثل خيارنا كعلمانيين ديمقراطيين، على الأقل حسب تقديري، ولكن علينا القبول بالممكن لدرء ما هو سيئ وخطير.
الانتخابات والعبادي:
ما زال حيدر العبادي عضوا، وعضوا قياديا في حزب الدعوة، مما يجعل من غير الممكن بالنسبة لي أن أعلن دعمي وتأييدي له، ثم إننا في الوقت الذي وجدنا فيه أملا لتحقيق بعض الإصلاحات، وأملا في درء خطر المالكي بنهجه الإسلامي المتشدد ونزعته الاستبدادية، وأملا في المباشرة بإعلان الحرب الحقيقية على الفساد والفاسدين، وعدم الاكتفاء بحرب التصريحات، نسجل عليه بعض الملاحظات المهمة. أولها ما مر ذكره وهو إنه ما زال عضوا في حزب الدعوة الإسلامية. والثاني إنه اعتمد موقفا متشددا جدا تجاه الكرد بعد عملية الاستفتاء، ابتداءً من تسميته لكردستان بشمال العراق، ولو إنه تدارك ذلك بعد حين، ومرورا بالإصرار على إعلان إلغاء الاستفتاء، بالرغم من تصريح القادة الكرد بقبولهم بقرار المحكمة الاتحادية، إضافة إلى الإجرءات الاقتصادية التي كما يبدو قد تضرر منها مواطنونا الكرد، أكثر مما هي إجراءات ضد تجاوز الحزبين الكرديين الحاكمين، وهما بلا شك قد تجاوزا في الكثير من القضايا المتعلقة بالنفط والجمارك وغيرها، ولا أقول في قضية الاستفتاء، علاوة على تصرفهم كدولة مستقلة؛ وأقول هذا رغم إيماني المطلق بحقهم في تقرير المصير، لكني أرى وجوب التمييز بين حقوق الشعب الكردي المشروعة، وبين الأداء السياسي للحزبين المتنفذين في كردستان. وكذلك مما يؤخذ على العبادي لبسه الملابس العسكرية أثناء فترة الحرب ضد الإرهاب الداعشي، وأيضا تسميته لائتلافه بـ(النصر)، لأنه لا ينبغي استخدام الانتصار على الإرهاب للدعاية الانتخابية. مع هذا يحسب له عدم طائفيته، وتقاطعه مع النهج السيئ للأمين العام لحزبه، وعدم خضوعه للإرادات الإيرانية، رغم احتفاظه بديبلوماسية ناجحة بعلاقات متوازنة مع كل من إيران وأمريكا، وتطبيع العلاقات مع الدول العربية، لاسيما السعودية، ونقول هذا رغم اختلافنا مع النظام السعودي، ولكننا نتكلم هنا عن الضرورات الديلبلومسية وضرورات التوازن في العلاقات الخارجية ومصلحة العراق في إعطاء رسالة بأنه غير منحاز إلى إيران الشيعية ضد الدول العربية السنية. وأما ما جعله لا يتصدر الفائزين في الانتخابات، كما كان يتوقع له الكثيرون، هو عدم اتخاذه خلال السنوات الأربع لولايته أي إجراء فعلي في محاربة الفساد والفاسدين، بل اكتفى بالوعود. ولكننا ما زلنا نأمل أن يعوض في ولايته الثانية – إذا تحققت – عما فاته في ولايته الأولى، وعلى رأسها تشكيل حكومة كفاءات، ومحاربة الفساد، والانفكاك عن حزب الدعوة. كما نأمل أن يشدد الصدر عليه الشروط لتحقيق ذلك، لأن تشديد الشروط عليه، سيكون عامل تعضيد لتوجهاته فيما مر ذكره، إن كان جادا في ذلك، كما نتأمل فيه، وكما يحسن الظن به بعضنا، أو يحاول أن يحسن الظن به بعض آخر منا.