البارزاني.. نهاية أوهام الانفصال

البارزاني.. نهاية أوهام الانفصال
آخر تحديث:

بقلم: أمين بن مسعود

هو الفرق بين النجاح في إجراء استفتاء تقرير المصير وفي إنجاز “الاستقلال” عن الدولة المركزية، الذي يلخص بشكل من الأشكال المشهدية في منطقة كركوك بشكل خاص وفي إقليم كردستان بشكل أعم.

أن يفرض مسعود البارزاني الأمر الواقع من حيث إجراء استفتاء تقرير المصير فهذه مسألة إجرائية ولوجستية تعود إلى مقدمات ومقومات اللحظة، ولكن أن يحول الاستفتاء إلى استقلال حقيقي وواقعي فهنا بالضبط تكمن القدرة على قراءة التوازنات في الإقليم أولا، وميزان القوى مع بغداد ثانيا، وكافة العواصم الإقليمية التي تمثل جغرافيات الطوق على كردستان ثالثا.

ما لم يفهمه البارزاني من الدرس الكاتالوني ومن خطاب رئيسه كارليس بوتشيمون أمام البرلمان الأسبوع الفارط أن الاستفتاء استحقاق محلي وتعبير عن رغبة غالبية الأصوات في البقاء أو الانفصال، في حين أن الاستقلال بمعناه الدستوري والقانوني والاقتصادي مسألة تشارك محلي وتفاهم إقليمي واستشارة مع القوى الدولية.

كان بإمكان الاستفتاء أن يكون ورقة ضغط قوية من أربيل ضد بغداد لتحصيل صلاحيات دستورية وتشريعية جديدة يحتاجها الإقليم، كتلك المرتبطة بتصدير النفط إلى دول الجوار دون عودة إلى بغداد، وكان بالإمكان أن يكون الاستفتاء أو مجرد التلويح بإجرائه “غنيمة حرب” استراتيجية وسياسية لكافة أكراد الشرق الأوسط، حيث تفرض على الدول المركزية في إيران وسوريا وتركيا استجابة أوسع وأفضل للمطالب الثقافية واللغوية والإدارية للأكراد في تلك الأماكن.

ولكن مسعود البارزاني أراد أن يدخل التاريخ من بوابة صانع الدولة الكردية ومفجر الانفصال، غير أن كافة حساباته كافة رهاناته كانت مجانبة للحقيقة ولواقع الحلفاء الذين اختفوا وراء غبار المعركة في كركوك تاركين البارزاني والبيشمركة يواجهان مصائر المهزومين والمخذولين.

كشفت معركة كركوك، والتي سيطر خلالها الجيش العراقي ومجموعة من ميليشيات الحشد الشعبي في أقل من 24 ساعة على المطار وأبرز حقول النفط، ما حجبته احتفالات الاستفتاء ومهرجانات التصويت.

عرّت معركة كركوك درجة التباين السياسي صلب الإقليم، حيث لا تزال الصراعات على أشدها بين الجناح السياسي والعسكري لآل البارزاني من جهة، والذراع العسكرية والسياسية لعائلة الطالباني من جهة ثانية، وعلى امتداد التباينات والاختلافات تقف مدينة السليمانية معقل جلال الطالباني والخزان الانتخابي للاتحاد الوطني الكردستاني موقف من “قلبه مع الاستفتاء وسيفه ضد الانفصال”.

حجم الاختلاف بين أربيل والسليمانية أكبر من مجرّد تباين سياسي في الرؤى والأطروحات، التباين بين أربيل والسليمانية لا بد من وضعه على مشرحة الخيارات الاستراتيجية والاصطفافات الإقليمية مع تركيا وإيران، والكاريزما السياسية وسطوة العائلة على الأحزاب السياسية، وتحويل ريع الإقليم من النفط إلى خزان انتخابي للعائلات الحاكمة في كردستان فارضة بذلك ثنائية التمديد والتوريث لذات الوجوه والألقاب.

لم يكن أكراد العراق على قلب واحد في الاستفتاء، سعت الماكينة الدعائية إلى تصوير هذا الاستحقاق على أنه أمل “الشعب الكردي” في الانعتاق ونيل حقه في تقرير المصير، ولكن الزمن الاستراتيجي والتكتيك السياسي أسقطا قناع الإجماع، واتضح أن دعوات التأجيل والتحاور اللامشروط مع بغداد على مستقبل الإقليم كانت أكثر نضجا وعمقا.

أخطأ البارزاني في قراءة تداعيات الاستفتاء وإعلان الانفصال والشروع في التحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الإقليم، ولم يحسن استقراء الموقف التركي.

فلم تشفع المئتا شركة مالية تركية المستوطنة للإقليم ولا الـ1300 مؤسسة كردية تركية ولا الاستثمارات التركية البالغة 40 مليار دولار ولا القاعدة العسكرية التركية في بعشيقة لاسترضاء رجب طيب أردوغان، لتعلن أنقرة رفض الاستفتاء جملة وتفصيلا وتلوح بإغلاق الحدود مع الإقليم.

صحيح أن أردوغان لم يفعلها بعد، ولكنّه أبرق للبارزاني برسالة واضحة مفادها أنه سيضاف إلى قائمة الأصدقاء المغدورين من السلطان العثماني، وأن على البارزاني أن يقرأ استتباعات سياساته قبل أن يضع حلفاءه بين فرضية الانكشاف الاستراتيجي وخيار التضحية بحليف غير مضمون.

تدريجيا يتحوّل الإقليم إلى نموذج “الكيان المغلق” حيث تطوّقه الدول الأربع من كافة المنافذ البرية وتفرض عليه حظرا جويا كاملا وتقطع منه وإليه خط أنابيب النفط شريان الحياة الرئيسي في كردستان.

وفي سياق مثيل، تصبح التضحية بالملكة للحفاظ على الملك في رقعة الشطرنج واحدة من أهم الخيارات الموجودة، ولئن سلمنا بأن درة التاج في كردستان كامنة في الوضعية الخاصة للإقليم ضمن الفضاء العراقي، فلن نجانب الصواب إن اعتبرنا أن التضحية ستكون بمسعود البارزاني الذي وضع الإقليم والأكراد في وضعية المهزوم عسكريا والمخذول سياسيا.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *