الترجمة وأثرها في النص

الترجمة وأثرها في النص
آخر تحديث:

حسن فالح
قد يتحول مصطلح هوس الترجمة من مصطلح الى مرض لدى بعض المترجمين، وهذا واضح حتى عند جهابذة المترجمين الذين افرطوا في شغفهم بالترجمة، وولعهم المفرط بها، وهو داء عضال. وتناول الدكتور عبدالله ابراهيم استاذ النقد وصاحب موسوعة السرد العربي هذا في مؤتمر اشكاليات الترجمة في فينيسيا لهذا العام، وتحدث عن ذلك في رواية (المترجمة)، للارجنتيني بابلو ديسانتس. ففي مؤتمر كبير للترجمة عقده المترجمون لتبادل خبراتهم بين سائر اللغات، رغب بطل الرواية ميغيل ديبلاست في الحديث امام المؤتمرين عما يفضي اليه هوس الترجمة من أخطار، اذا ما افرط المترجم في التطابق مع نفسه، ولم يكن ميغيل بطلا الرواية مترجما ادبيا، بل اختص في الترجمة العلمية، فاختار أن يعرض مترجمة مصابة بهذا الهوس من وجهة نظر العلم، وكان مثاله طبيبا تبحر في طب الجملة العصبية، وقد تولى هذا الطبيب علاج مترجمة متبحرة في ترجمة كل ما تراه او تسمعه او تقرأه، فما ان تعرض عليها عبارة او جملة الا وتساءل البحث عما يقابلها، وما برحت هذه المترجمة تتقدم في هذه المتاهة العويصة، فتورطت بممارسة الترجمة دونما توقف حتى في احلامها، اذ لم يكفها العيش بنظام لغوي واحد، انما امست ضحية ارتحال دائم بين الأنظمة اللغوية. استعمل الطبيب المعالج العقاقير بأنواعها، ولم تتحسن حالة المريضة، ثم لجأ الى تنويمها مغناطيسيا ليخرجها من حالة الهوس التي تمكنت منها، وخلال جلسات التنويم المغناطيسي وجدها تشفى بطريقة مثيرة للعجب، فقد اعادها التنويم الى مرحلة الطفولة والى لغة البشرية الواحدة. ويمكن الاشارة ايضا الى الروائي (امين معلوف) الذي اصابه شيء من ذلك الهوس، ففي ثلاث من روايته، ليون الافريقي ورحلة بالدزار وحدائق النور، ظهر المترجم حاملا عبئا عظيما في عوالم افتقرت الى التواصل والتفاهم. فردم المترجم هوة الجهل بين الشعوب والشخصيات وتراوح دوره في القيام بذلك على خير وجه. بينما سقط في هوة التعارض الديني، وواجه المترجم ما يختلف معه في تكوينه الانتمائي الديني. وهناك الكثير من المترجمين الذين حاولوا في ترجماتهم اضفاء صبغة اخرى على النصوص المترجمة، لأنها تختلف مع انتماءاتهم الدينية، ويكون المترجم بهذا السلوك غير دقيق في نقل الترجمة كما هي ويعطي انطباعه بدل ان ينقل النص كما هو موجود. فهنا يصبح المترجم تابعا. وعلى المترجم ان يعمل في الظل ويقدم شخصا اخر ولا يقدم نفسه وان يتنحى جانبا عن هذه الامور، فأفضل مكان للمترجم هو ان ينساه القارئ، ولا يكون تابعا او متبوعا.
وبالتعريج على شخصية المترجم وهوسه والأخطاء التي يقع فيها تقول الباحثة اللسانية الفرنسية (دومنيك اوري) ان الحاشية عار المترجم، هذا ما تراه هي في المترجم الذي يضيف حواشيه على النص. لان النص موجه من مؤلف الى قارئ يشاركه اللغة الأم نفسها والثقافة نفسها، بينما يتوجه نص المترجم الى متلق ينتمي الى ثقافة ولغة اخرى. وبالتالي يكون المترجم بمثابة الناقل والحامل الذي يعبر بالنص الاصلي من لغته وثقافته الاصليتين الى لغة وثقافة اخرى مغايرة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *