التعنيف بالميديا

التعنيف بالميديا
آخر تحديث:

أحمد ضياء

ينبني الموقف الإنساني عبر البيئة التي ولد فيها وعاشها الفرد وإلى لحظات الطفولة ذات الآثر الأهم في نشأته غير أن المشاهدات التي تواترت الآن عبر العديد من أجهزة الميديا أخذت تفرض هيمنتها العنفية في الكثير من المواضع، فعلى سبيل المثال يمثل التلفاز العنصر الأهم للأطفال حيث أن مسألة وجود أفلام (كارتون) لشخصيات تثير الرعب أو العنف في نفوس الأطفال باتت الآن أكثر جدية إذ بدأ هؤلاء تمثّل هذه المشاهدات ومحاكاتها ضمن حزمة من الحركات المؤذية حيث أخذت تطفح على الاسطح وتأخذ لها مديات أخرى.تمثل اللغة الصورية عالماً رئيساً في فضاء التباري السلعي وكما يصفها دريدا «إن مجيء اللغة، هو مجيء اللعبة» بمعنى أن اللغة الصورية التي تبث لنا عبر شاشة الميديا يجب أن يتبعها جانب سلعي تطبيقي، بعد أن فضح لنا الفضاء الميديوي هذا الأمر يأتي الدور على المستهلك كي ينصاع لهذه المادة عبر التباري بين الأطفال غير أن هذا الأمر بات رهيناً بكافة المعروضات على الميديا ولا يقتصر هذا الفعل على الجانب الطفولي فقط بل أنه ينعكس أيضاً علينا أيضاً عبر معطيات متغيرة لكنها في المحصلة لها نفس الوظائف التي تحدث للأطفال.
فمشاهد (المسدسات) في الحراك اللعبي تم تدشينها في الواقع المعيش وأخذ كل فرد يتحاشى مسألة شراء هذه الاسلحة لأطفاله من خلال ما جرى للعديد من الأطفال وعبر هذه الايقونات الإشهارية التي يوظفها الخطاب الإشهاري (للكارتون) برزت السلعة متماثل لهذه المديات، ولربما لأن الآخر بدأ التفكير البراغماتي الذي يهدف إلى إنتاج فعل مؤثر قبل بث السلعة وهي لحظة رئيسة في مديات ما بعد الحداثة التي تتخذ من خطاب التلفاز واقعاً مبشراً لظهور الموديل الجديد بالملبس / المأكل / المشرب. وبرز أيضاً عبر هذه اللائحة الإشهارية ظاهرة الاستلاب الفكري أو المفاهيمي وهي أشبه بظاهرة التوحد التي من خلالها ينطوي الطفل على ذاته وحيث تصبح الأشياء مسطحة أو هامشية باستثناء الفعل الآني الذي يقوم به.
يشكل العنف مضماراً مغايراً في الزي أو اللون حيث يشكل له باعاً طويلاً منذ القدم، ففي الأساطير يأخذ اللون الأحمر ذو الدلالة المعرفة للجميع جانباً من جوانب الشر وهو المسؤول عن كافة الطروحات التي تنتج من حكايات واساطير شيطانية كما أنه لدى الإغريق يستخدم لطرد الأرواح الشريرة المهيمنة على الحدث، فالزيّ هو المثار الحقيقي لبيان طابع الشخصية ومكوّناتها ومن خلاله يمكننا الكشف عن بواطن هذا الأداء وما يجول في خاطره من تداعيات مختلفة تسهم في إنتاج خطاب معين، كما أن الماكياج هو المدشّن الحقيقي أو بالأحرى المتمم للزي حيث من خلاله ينمو التعنيف يأخذ طابعاً جدلياً ولكل شخيصة قالبها الانتقائي فشخصية الساحرة في زيها ومكيجتها تكون على الضد أو الخلاف من شخصية الراهب وشخصية الفقير تتمايز عن شخصية الملك، فلكل من هذه الشخصيات ملامح ودلالات تأويله وخاصيات تنفرد عن مجاوراتها وهو الأمر الكفيل بحل الطابع التعيني وانعكاساته على الفضاء الجمعي الذي يكون من باب الميديالوجيا.
العنف الرمزي / الصوري الذي نتلاقه كل يوم عبر الشاشة الزرقاء (فيس بوك) بات قرين روحي لمعاناتنا إذ إننا لم نعد نابه لمسألة الموت لانه بات متلاحماً ذهنياً وبصرياً مع ذاقتنا وعبر هذه الممارسات الأولى كان هذا المكان يتسم بالمعرفة الكبيرة أمّا اليوم نرى التشاحنات الطائفية المأججه للفعل الانتقامي ملاذاً رئيساً في سبك مفهوما التواصلي. فتداولية الفعل الصوري (التشويفي) بينت حالة الرعب والقسوة التي تستخدم ضد الإنسانية، لو أخذنا مسألة الانفجارات وكيفية عرضها على هذه الشاشة لأيقنا أن الخوف لم يعد متولداً فينا لأن هذه المشاهد اعتدناها وعلى مر التحولات البيوغرافية التي طرأت على المنطقة العربية والعراق وسوريا خصيصاً.
ويأتي أيضا العنف البصري المتعلق بالفيديو وهذا الشيء يرسم تباشيره العامة وفق نظام معين يتآتى بين طرفي الصراع ولكي يستخدم في ترهيب الآخر وعرض كافة السلبيات التي يتمتع بها، فما يتم عرضه عبر اللوحة الإشهارية بالفيديو بنت لها مجالاً مكّن الآخر من تذويب الخطاب العنفي وجعله ذو مشاهدات يومية ولم يعد الخوف هو المسيطر على الإنسان لأن مثل هذه المشاهد تكررت مشاهدتها وبات من الطبيعي أن نشاهد هذه الفيديوهات بلا أي مراوغة أو تكتيك مسبق ويثير الطابع الإنصهاري فكراً مبطناً بتعاويذ الموت ومراحله القائمة على تمازوجات أخلاقية.
ما يحصل اليوم في ساحات القتال هو الدليل الناجع على هذا الكلام لأن الآخر القاتل المتمثل بداعش يرغب من خلال بثه مقاطع الفيديو جعل الآخر يخشى الوصول إليه والطرف الآخر يعمل نفس الأمر حتى يقول له أن نهايتك محتمة وفي حقيقية الفعل نوعية الارهاب تمارس على الإنسان الذي لم يدخل الحرب وعلى الأطفال الذين التقطوا هذه المبثوثات العامة كما أن الفعل القائم والمنعكس على شخصيات الأطفال والكبار هو الراشح من هذا التعنيف الميديوي القائم.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *