يشير الناقد د. جبار حسن صبري في نظريته عن المسرح من خلال كتابه “ستراتيجية التفكيك في العرض المسرحي” الى قضية انقلاب واضح جرى على مستوى الخطاب الفكري، فعملية الانتقال من مرحلة الميتافيزيقا الى الحداثة والى مابعد الحداثة، تبدو عملية لها من الترسبات التي تؤطر كل مشهد ادبي – فني – اقتصادي – علمي بالكثير من التبعات، التي تلتزم ذلك المشهد وتستدرجه تبعا لمتعاليات ذلك الخطاب، وبالكيفية التي يتماشى معه بكل وسيلة. ولما كان العرض المسرحي قد استدل في كشف خطواته من حيث ثيماته وتصوراته الفكرية عن طريق معادلة الميتافيزيقيا وما يترتب عليها الفهم، وكذلك معادلة الحداثة وصولا الى معادلة مابعد الحداثة، وعلى نحوالخصوص الستراتيجية التفكيكية التي حظيت ببالغ الاهتمام بمشروع المناقلة والترسيمة الجديدة.
وهنا نجد على ان العرض المسرحي بدلا من ان يقرأ بناتج الميتافيزيقيا والحداثة التي تبلورت بالمعادلة (الصوت – العلامة – الكتابة) في جميع مستلزمات القراءة للعرض المسرحي، فكرا وآلية، بات العرض المسرحي يقرأ بمعادلة جديدة مغايرة يمكن الاستدال عليها (الكتابة – الاثر – الاختلاف) ، وهذا الناتج يمكن ان يؤثر في القراءة بالنسبة للعرض المسرحي تاثيرا كبيرا ومهما في فهم المشهد المسرحي من خلال تفكيك اجزائه وقلب ظاهره وباطنه في القراءة ، وصولا الى التوترات او التعارضات الموجودة داخل العرض المسرحي لكي يتم تعويضه، وبما يتناسب مع انفتاح وتعدد قراءة العرض عبر التلقي والتأويل قراءة غير متناهية. كما يتناول المؤلف في كتابه عبر الفصول والمباحث العديد من التفاصيل حول هذه الستراتيجية التفكيكية للعرض المسرحي. منها تاكيده على ان القرن العشرين هو قرن التحليل في حقول الفكر والفلسفة، وبذلك اتجه الوعي الاوربي من عملية التركيب والبناء، التي عرفها مع انطلاق مشروعه الحداثي، نحو التحليل والتفكيك. لتدخل في ذلك الى مرحلة فلسلفة التحليل. ويناقش المؤلف ذلك من خلال(اسبقية الصوت على الكتابة، واسبقية المدلول على الدال،والتقابلات الضدية، والقراءة). ويقسم المؤلف الحقب التي مرت بها بحوثه بالحقبة الاولى – الميتافيزيقيا من افلاطون وحتى منتصف القرن الثامن عشر. والحقبة الثانية – الحداثة من منتصف القرن الثامن عشر، مرحلة التنوير الفكري وحتى اسهامات البنيوية، وصولا الى منتصف القرن العشرين. والحقبة الثالثة مابعد الحداثة وهي مرحلة جديدة تشكل منها الخطاب بشكل مغاير ولمزيد من التفصيل يتناول المؤلف كنماذج في تناول الخطاب بكل متعالياته مباشرة بهدف تعويضه وتفعيل مغايرته. فيتخذ كل من نيتشه وهيدجر وفوكو كأمثلة في هذا المجال. وقد اخذ المؤلف مجموعة من الاعمال المسرحية لتطبيق بحوثه عليها منها مسرحية (الوردي وغريمه) تاليف واخراج د. عقيل مهدي وبطولة د. حسين علي هارف وخالد احمد مصطفى. ويقول عنه د. صبري ان مشكل ثنائية العنوان ان قطع العنوان الى نصفين لا يعني بالضرورة الى فرض لعبة المتضادات، على الرغم من حالة التناقض الحاصلة بين النصف الاول(الوردي) والنصف الثاني (غريمه) انما مبعث ذلك يتجلى في حال اخذنا ان الثاني هو تأكيد للاول من حيث الحضور والفاعلية اي ان قيمة ووجود الاول لايمكن ان يتحققا الا من خلال قيمة ووجود الثاني، لذلك يكون الاول هو ثان في عمليات الحضور، وان اثر الثاني هو توكيد قيمي وحضوري للاول. عليه يكون الاخر(الغريم)هو وجود الاول(الوردي). وهذا ما يدعو الى الغاء او رفع الثنائية عن العنوان حسبما تقتضيه حركة الاثر في منظومة ستراتيجية التفكيك.وبذلك لن يكون ثمة اصل بينهما بل يكون الاختلاف قد ترك اثره بهدف استنطاق المعنى وتوليد انزياحات دافقة. كما يناقش مسرحية نساء لوركا للمخرجة د. عواطف نعيم ومثلته الفنانات فاطمة الربيعي وسمر محمد وعواطف نعيم واقبال نعيم وشعاع ضياء. وفيه جمعت المخرجة والمؤلفة النص في ثنائية غير متوازنة توالدت عبر لعبة الانزياح لكن اشتراطات القيم الدرامية فعلت مبدأ الموازنة لتعطي الى الصراعات دفقا حيويا باتجاه العنف او الفعل المسرحي نفسه. النص وزع نساءه بين جهات متعددة حشرت اربعا منها في قالب وحشرت الخامسة في قالب مغاير.