قبل بضعة أيام عرضت قناة العراقية الرسمية مجموعة من المتّهمين أدلوا باعترافات على أنفسهم تفيد أنّهم هم من قاموا بتنفيذ جريمة تفجير سوق الوحيلات في مدينة الصدر , هذه الجريمة التي راح ضحيتها 35 شهيدا وعشرات الجرحى .. حيث أعلنت الحكومة في بيان إلى الشعب العراقي ومن خلال قناة العراقية الرسمية في يوم السبت المصادف 24 / 7 / 2021 , عن اعتقال مخططي ومنفذي تفجير سوق الوحيلات , حيث صرّح المتحدّث بأسم مجلس الوزراء حسن ناظم في مؤتمر صحفي أنّ ( قواتنا الأمنية اعتقلت جميع منفذي تفجير مدينة الصدر لافتاً إلى أن اعتقال الشبكة الإرهابية تزامن مع لقاء رئيس الوزراء بعوائل ضحايا التفجير الإرهابي ) .. ولا شّك أنّ إلقاء القبض على هذه المجموعة الإرهابية التي أفجعت العراقيين ليلة عيد الأضحى وبهذه السرعة , يعيد بعض من الثقة المفقودة بقدرات أجهزتنا الأمنية التي تراجعت إلى مستويات خطيرة جدا بسبب فساد هذه الأجهزة .. لكنّ الكارثة والمصيبة أنّ هذه المجموعة التي عرضها تلفزيون الدولة الرسمي تبيّن بعد ذلك أنّ لا علاقة لها أبدا من قريب أو بعيد بتفجيرات سوق الوحيلات , وأنّ الاعترافات التي أدلى بها هؤلاء المتّهمين على أنفسهم قد أجبروا عليها تحت التعذيب الوحشي في وكالة استخبارات الداخلية , وتبيّن أيضا أنهم كانوا معتقلين لدى وكالة استخبارات الداخلية بفترة غير قليلة قبل حدوث التفجير الإرهابي .. وتلاحقت الأحداث لتكشف أنّ أحد هؤلاء المتّهمين وهو ( نوري مطر مربط حمد ) قد لقى حتفه تحت التعذيب في وكالة استخبارات الداخلية ..
كاتب هذا المقال كان أول من أعلن عن جريمة قتل المتّهم ( نوري مطر مربط حمد ) في لقاء تلفزيوني على قناة آي نيوز الفضائية بعد أن وصلت له هذه المعلومة من مصادر رصينة في الدولة , حيث طالبت الحكومة ووزارة الداخلية العراقية بالكشف عن مصير هذا المواطن الذي لقى حتفه تحت التعذيب , كما وناشدت رئيس الجمهورية باعتباره رئيس الدولة وحامي الدستور بمطالبة القضاء العراقي بالكشف عن مصير هذا المواطن الذي قتل تحت التعذيب في وكالة استخبارات الداخلية , ولم أكتف بهذا القدر من المناشدات بل توّجهت إلى مجلس القضاء الأعلى , ومجلس النواب العراقي , ورئيس الادعاء العام العراقي , ولجان وهيئات حقوق الإنسان في العراق , وكافة الأحزاب السياسية بمطالبة الحكومة العراقية بالكشف عن مصير هذا المواطن الذي قتل تحت التعذيب .. لكنّ جميع هذه المناشدات قد انتهت بالصمت , ولم يجرؤ أحدا من فتح فمه ويطالب بمعرفة مصير هذا المواطن الذي قتل تحت التعذيب غير كاتب هذا المقال ..
خطورة هذه الجريمة لا تتعلّق بمواطن يقتل , فعشرات العراقيين يموتون يوميا في ظل هذه الحكومة البائسة والفاسدة مرّة حرقا ومرّة بالتفجيرات الإرهابية , لكنّ خطورة هذه الجريمة أكبر وأخطر مئات المرات من كلّ الضحايا الذين يسقطون بسبب فساد الحكومة وأجهزتها الأمنية .. فعندما يقتل مواطنين تحت التعذيب , وتنتزع اعترافات كاذبة من متهّمين ويساقون إلى المحاكم بسبب هذه الاعترافات الكاذبة والمنتزعة تحت التعذيب وتصدر أحكاما ضدّهم من المحاكم بناء على هذه الاعترافات الكاذبة , كما حصل في قضية أحمد الساعدي الذي حكم عليه بستة سنوات بتهمة استلامه رشوة عشرون ألف دولار من السيد محمد توفيق علاوي , فإننا أمام خطر عودة دولة المنظّمة السرّية التي روّعت العراقيين لخمس وثلاثون عاما .. إنّ صمت مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية عن هذه الجريمة التي هزّت أركان النظام السياسي القائم , وخصوصا صمت الرئاسات الأربعة والنظام القضائي في العراق , قد وضعت النظام السياسي القائم على حافة الخطر والانهيار .. إنّ صمت الحكومة ووزارة الداخلية وعجزهم عن الرّد على هذه الجريمة , يؤكدّ تماما صحّة ما أعلنا عنه .. كما أنّ صمت القضاء العراقي عن إجراء تحقيق في ملابسات هذه الجريمة وإعلان تفاصيلها للشعب والرأي العام العراقي وإصدار أوامر القبض بحق مرتكبي هذه الجريمة , هو الآخر يضع القضاء العراقي موضع الشّك والتواطؤ مع الحكومة في طمطمة هذه الجريمة وإسدال الستار عليها .. للمرّة الألف أتوّجه للسيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس مجلس القضاء الأعلى للقيام بواجباتهم الدستورية والقانونية وفتح تحقيق شّفاف وعلني وإعلان نتائج هذا التحقيق على الرأي العام العراقي .. فالصمت في مثل هذه الجريمة هو دليل على التواطئ ..