آخر تحديث:
بقلم:سلام مسافر
استثمرت الإدارة الأميركية تحت تاثير ما يعرف بالمحافظين الجدد، هجمات سبتمبر،لتعزيز تمدد الولايات المتحدة في العالم،ووجدت فيها مناسبة لتاكيد سطوة واشنطن على القرار الدولي.
تزامنت ” غزوة” نيويورك و” غزوة” واشنطن ،كما كان يحلو لاسامة بن لادن تسمية الهجومين على مبنى التجارة العالمية في عاصمة الامم المتحدة، ومبنى البنتاغون في العاصمة الاميركية، مع انحسار دور روسيا في العالم، اثر انفراط عقد الاتحاد السوفيتي عام 1991.
فخلال عشر سنوات من حكم
” الديمقراطي” بوريس يلتسين، وتحالفه غير المحدود مع الغرب والولايات المتحدة، لم تعد روسيا، قوة عظمى ولا حتى كبرى، لا سياسيا ولا اقتصاديا.
اما من الناحية العسكرية، فقد كانت عاجزة عن حماية أقرب حلفائها، يوغسلافيا، والعراق، وتَفَرَج نظام يلتسين، باسترخاء، على زحف طالبان نحو الولايات الأفغانية، باتجاه كابل، وصولا لنجيب الله،زعيم بقايا الشيوعيين الافغان، رئيس الدولة المفككة، التي انسحبت منها القوات السوفيتية، عام 1989، بعد حرب استمرت عقدا كاملا، أستنزفت قدرات موسكو الاقتصادية والعسكرية.
واقتحمت طالبان مبنى بعثة الأمم المتحدة في العاصمة الأفغانية، وأخرجت نجيب الله، الذي كان لجأ الى البعثة الأممية، وعلقته ذبيحا لأيام على عمود للكهرباء مقابل مقر المنظمة الدولية، حتى تفسخت جثته.
كانت هزيمة القوات السوفيتية، أحد ابرز العوامل في انهيار الدولة التي توهم آخر رؤسائها، بان شعار ” القيم الانسانية المشتركة”يجعل منه شريكا متكافئا مع الغرب، منزوع الأنياب النووية، وسيدخل نادي” الدول المتحضرة” فاتحا!
وبلا حياء ردد ورثة الاتحاد السوفيتي، وعلى رأسهم، المخمور بوريس يلتسين، وحفنة من لصوص الدولة المتفسخة، مقولة” العالم المتحضر” مقابل العالم المتخلف، وتطوعوا لتسجيل اسم روسيا بين اعضائه، في سلوك ينم عن عقدة مركب النقص، متجاهلين عقودا من التقدم العلمي والتقني، والثقافي وحتى السياسي،رغم التعثر؛ ناهيك، عن العسكري، اجترحته الشعوب السوفيتية المبدعة الخلّاقة.
على خلفية مزابل ” الديمقراطيين” الروس،تحركت الآلة ” الحضارية” للولايات المتحدة، بولدوزر ، تكتسح دولا وشعوبا باكملها، دون ان يرفع احد إصبعا بوجهها.
الى الان، لم تقدم واشنطن دليلا واحدا ملموسا، او قرينة دالة، على ان وراء هجمات سبتمبر، تقف قاعدة بن لادن الذي كان يختفي، بعلم الاستخبارات الأميركية في كهوف تورا بورا، وكان في أوقات الشدة، يتعالج من مرضه الكلوي، في مشافي دول حليفة لواشنطن.
لقد استندت كل الآلة الإعلامية ، لتغطية غزو أفغانستان، وبعدها العراق، على تصريحات فضفاضة مثقلة بالعبارات حمّالة الأوجه، شأن الآيات القرانية التي كان بن لادن يجود بها في خطب، تسحر كارهي الولايات المتحدة، الدولة الحامية لأنظمة الفساد والاستبداد في العالم الاسلامي، وخاصة في العالم العربي.
تحول بن لادن الى بطل، رغم جريمة قتل الاف الأبرياء في” غزوتي” واشنطن ونيويورك، التي ليس ثمة أدلة قاطعة على ان ” أبو زيد الهلالي” يقف بالفعل خلفها.
اما القرائن، الخاضعة للجدل ، فانها لا تمثل براهين؛ تقطع الشك باليقين. بل تمثل، مستمسكا على ان امرا ما يزال غامضا يغلف هجمات سبتمبر الارهابية، حتى بعد مرور عقدين، أنتجت خلالها عشرات الاف الكيلومترات من الاشرطة السينمائية، والاف الكتب والمقالات، دون ان يصل” العالم المتحضر” الى جواب شاف ونهائي؛الامر الذي يجعل عشاق ” نظرية المؤامرة” يسرحون في الخيال، كلما تجددت الذكرى.
واقع الحال، فان نظرية المؤامره، قدمت وتقدم، خدمة كبيرة؛ للإدارات الأميركية، لانها تغنيهم ، عمليا، عن كشف الحقيقة التي لا شك ان الأجهزة الاميركية على دراية تامة بتفاصيلها.
استثمرت واشنطن” الغزوتين” في عربدتها على الساحة العالمية. ولفقت عن طريق عملاء رخيصين، أمثال أحمد الجلبي، وزمرته، تهما ضد العراق، واستخدمتها ذريعة لاحتلال، وتدمير الدولة، بيد مجموعة من الطارئين، اللصوص؛غالبيتهم عاشت على نفقة بلديات دول أوربية، أو على مكافآت تافهة من أجهزة استخبارات دولية وعربية، ونصبتهم حكاما على شعب مقهور لنصف قرن، بفعل القمع والحروب و الغزوات المدمرة.
لم تواجه واشنطن، رادعا، حين استثمرت الى أبعد الحدود، مأساة سبتمبر، وغالبية ضحاياها من كادحي الشعب الأميركي، داهمهم الموت الزؤام فجر الحادي عشر من سبتمبر 2001؛ وهم يكنسون او يمسحون مكاتب مبنى البرجين، في أنتظار السادة ذوي الياقات البيضاء.
صحيح ان الدولة الأميركية، خلدت ذكراهم، وعوضت شركات التأمين، ذويهم؛ الا ان ارواح ملايين الأفغان والعراقيين، لن تستكين؛ قبل ان تسمع جوابا شافيا على السؤال المدوي:
باي ذنب قتلنا؟
أ على الشبهة فقط؟
أعترف كولن باول، وزير خارجية إدارة بوش الابن، بانه كان ضحية خديعة من قبل الاستخبارات الاميركية، حين لوح في مجلس الأمن الدولي، بقنينة أمصال صغيرة، على ان مثلها لدى العراق، يمكن ان تهلك الملايين، بالسلاح الجرثومي.
لم يحمر وجه الجنرال، آنذاك خجلا، لكنه بعد خراب البصرة، أعتبر كلمته تلك:
“وصمة في تاريخي العسكري”. كلمات لا تصلح للصرف حتى عند أبو علي الشيباني!
اما مئات الوف الأفغان الذين قضوا في حرب العشرين عاما، فان أرواحهم لن تهدأ، لانهم كانوا ضحية الخديعة أيضا.
كل قيادات طالبان التي تحدثت لنا، سواء قبل الهزيمة الأميركية من أفغانستان او بعدها، أكدت لنا بشكل قاطع، ان الولايات المتحدة، وهي تطالب بتسليم بن لادن، لم تقدم اي دليل، على تورطه في هجمات سبتمبر.
وبغض النظر عن الموقف من الحركة التي تدرجها الدول الى الان، في قائمة المنظمات الإرهابية، لكن الجميع يتعامل معها بأريحية(!) فان ضحايا الحرب الأميركية على أفغانستان من المدنيين، يبلغون مئات الآلاف، كما في العراق، دون ان تلوح أية بوادر لتعويض أسرهم ،او في الأقل، الكشف عن أعدادهم الحقيقية والاعتذار من الشعبين بصراحة ووضوح .
لا يبدو ان حكومة طالبان في وارد المطالبة بتعويضات عن حرب واشنطن لعقدين كاملين.
فقد أبلغنا المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان محمد نعيم؛ في اخر مقابلة لبرنامج ” قصارى القول” أنهم سيتجاوزون الماضي، وليسوا بصدد فتح ملف دور، حليفهم بن لادن من عدمه. وان الحركة مستعدة للتعاون مع واشنطن دون إملاءات.
اما ضحايا العراق، فلا احد يطالب بحقوقهم، لا حكومات الفساد، ولا منظمات المجتمع المدني، المغيبة تماما، بحكم التركيبة السياسية الكسيحة في عراق ما بعد الاحتلالات.
وحتى المبادرات التي انطلقت موخرا تحت شعار” الإفلات من العقاب”؛ فانها تستبعد مطالبة العم سام، واخوانه، بالمسؤولية عن تدمير العراق، وتنصيب زمر حاكمة، تتكاثر مثل الفطريات المتعفنة ، بفضل عمليات انتخابية، تجري تحت تهديد السلاح، وسطوة المليشيات، وقبول أميركي، علني أو خفي، بدورها في توجيه بوصلة العراق المنتهك.
ولا تجد دعوات محامين دوليين، يتطوعون للمطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب، في بريطانيا وفي الولايات المتحدة، اذانا صاغية من العراقيين. واخرها دعوة المحامي الدولي عبد الحق العاني المقيم في لندن وجاء فيها:
مواطن بريطاني يرغب في مقاضاة رئيس وزراء بريطانيا أمام محكمة الجنايات في بغداد لقيامه بارتكاب الجرائم التالية خلافا للقانون العراقي:
-
جريمة الإبادة في فرض الحصار التام على العراق خلافا لإتفاقية منع الإبادة لعام 1948.
-
جريمة حرب في استعمال اليورانيوم المنضب خلافا لإتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 .
-
جريمة حرب للمشاركة في قصف المدنيين في مدينة الفلوجة جواً وبراً عام 2004 خلافا لإتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 .