ما الذي يعنيه تهديد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بضرب إسرائيل مجددا؟ لم يكمل الرجل الذي لا يملك صلاحية إعلان الحرب في إيران جملته. الجملة كاملة هي “سنضرب إسرائيل إذا لم توقّع اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله”. تهديد قد لا تنظر إليه إسرائيل بعين جادة، غير أنه قد لا يخالف الضغوط الأميركية من أجل ألاّ يمعن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الغرور.
اللافت أن غزة لم تعد مهمة. لا لأنها لم تكن كذلك، بل لأنها مُحيت من خارطة الصراع. لم تعد غزة إلا مأساة ومسألة إنسانية ومساحة للإبادة. ثم أين هي حركة حماس التي كانت تتفاوض في السر أو عن طريق داعميها الذين أعلنوا الحرب في السابع من أكتوبر 2023 وفي مقدمتهم يحيى السنوار باتوا تحت التراب؟ أما المكتب السياسي الذي مقره في الدوحة فلا يملك أن يقرر شيئا في ما يحدث داخل غزة.
تخلت إيران عن غزة. غير أنها تعرف أن هزيمتها في لبنان ستكون مكلفة أكثر لذلك تصر على إدارة الحرب هناك بنفسها. تلك هي حربها الأخيرة. إما أن تثبت فيها من خلال الحفاظ على ما تبقى من حزب الله وإما أن تعلن هزيمتها لا في لبنان وحده، بل في سائر المناطق التي احتلتها من العالم العربي.
لا ترغب إسرائيل في مجاراة الرغبة الأميركية في ألاّ تخرج إيران مهزومة من الحرب. غير أن الخوف من أن يعود لبنان ساحة لحرب أهلية جديدة بسبب هزيمة حزب الله المثقل بسلاحه قد يدفع بإسرائيل إلى إعادة النظر في حساباتها. ذلك ما تراهن عليه الولايات المتحدة ومعها إيران.
ومن المؤسف أن الدول العالمية والإقليمية على حد سواء القادرة على ممارسة ضغوط بمستويات متباينة من أجل إنهاء الحرب تنتظر كلها قرارا إسرائيليا. وكما صار واضحا أن الكلفة الباهظة لذلك الانتظار يدفعها أهل غزة واللبنانيون من غير أن تتضح في الأفق ملامح المرحلة القادمة كما ترغب فيها إسرائيل وهي الطرف الذي صار يستعرض قدراته العسكرية مستخفا بخسائره البشرية المحدودة. وهو ما لم تفعله إسرائيل من قبل.
هل يمكن أن تشكل إيران تلك القوة التي ظهرت بعد “خراب البصرة” كما يقول المثل؟
بعد اغتيال قيادتي حماس وحزب الله وهو ما لم يكن في الحسبان شعرت إيران بأنها إذا لم تمارس دورها علانية وبشكل مباشر بعد حرب طويلة بالوكالة فإن كل ما عملت على صنعه والإنفاق عليه طوال أكثر من عقدين من الزمن سيضيع وسيكون ذلك بداية لانهيار حتمي لمشروعها في التمدد والتوسع على حساب العالم العربي. فلمَ لا تجرّب حظها في تذكير إسرائيل بالقواعد التي كان معمولا بها قبل أن يوسّع حزب الله حربه لمناسبة إسناد غزة.
ذلك تفكير غير واقعي. متى كانت إيران تفكر بطريقة واقعية؟ أما الإقبال الأميركي والغربي عليها فلم يكن إلا حيلة سياسية للتعبير عن النفور من العرب أو الاستخفاف بهم. ففي كل ما عرضته إيران وما طالبت به في الماضي لم تكن واقعية ولا عملية غير أنها كانت على يقين من أن الطرف الآخر ينصت لها وينفذ رغباتها.
حتى وهي تطلق تهديداتها الفارغة في اتجاه إسرائيل فإن الولايات المتحدة اكتفت بأن دعت إيران إلى التهدئة وعدم التصعيد. وإذا كانت رسالة خامنئي قد وصلت إلى نتنياهو فإن الأخير سينظر إليها بحجمها الحقيقي وليس وفقا للقياس الوهمي الذي أشاعته إيران بين أتباعها ومن خلالهم. فإيران دولة مثقلة بالأسلحة الثقيلة غير أنها في الوقت نفسه لم تتمكن من مجاراة التفوق العلمي في صناعة الأسلحة الحديثة أو تقنيات القتال بخفة.
لقد أمضت إيران زمنا طويلا وأنفقت الكثير من أموالها في سباق تسلح غادره الجميع. أما مشروعها النووي فإنه سيصل إلى نهايته في اللحظة المناسبة. لقد صار معلوما أن كل ما تفعله إيران بسرية مكشوف بالنسبة إلى قوى المراقبة ومن ضمنها إسرائيل. كل شيء تحت السيطرة إذن.
الأخطر من كل هذا يكمن في الدور الخبيث الذي تلعبه الولايات المتحدة. فهي أعلنت منذ الثامن من أكتوبر عام 2024 أن حرب إسرائيل على غزة هي حربها غير أنها وبعد أن حققت إسرائيل الجزء الأكبر من أهدافها في اجتثاث حركة حماس وحزب الله تسعى إلى ألاّ تدفع إيران ثمن لعبتها الإجرامية في المنطقة كاملا.