في مبدأ ثابت ومعلوم لدى القوات المسلحة للبلدان جميعها، إقرار بأن صنف المشاة هو سيد الصنوف جميعها. أما سبب كونه سيد الصنوف فلأن حسم أية معركة لايتم إلا بتدخل صنف المشاة الى ميدانها، حتى لو كانت باقي الصنوف قد سبقته في معالجة الأهداف المعادية، لاسيما اذا كانت معارك مدن. فالأمر الذي حدث في محافظات الموصل والأنبار وصلاح الدين وبعض مدن محافظة ديالى، يعد من الناحية التعبوية بالغ الخطورة، بوجهة نظر ذوي الاختصاص والمحللين العسكريين، إذ أن قيادات عصابات داعش يدركون جيدا صعوبة تحرير المدن إذا توغلت عناصرهم فيها، حيث لايمكن استخدام قوة عسكرية جوية او برية لشن هجوم على مدينة آهلة بالسكان، كمدينة الموصل ذات الكثافة السكانية العالية. وبذا لن يكون من السهولة تحرير ماوطئته أقدام عصابات داعش بالسلاح الجوي او المدافع بعيدة المدى وحدها، فالمشاة هم الذي يحسمون المعارك صغيرة كانت أم كبيرة!.
من المؤكد ان قوات التحالف تدرك هذه الحقيقة جيدا، أي أن سلاح الجو ومدافع عابرة القارات وبعيدة المدى، لها دور فاعل في ضعضعة مراكز قوة داعش، وتدمير آلياته وآلته الحربية، وتساعد كثيرا في قصم ظهره، بانهاء قدرته على إمداد وحداته المنتشرة بشكل واسع في الأراضي العراقية التي وقعت تحت سيطرته، إلا أن الجانب الأمريكي متحفظ منذ البداية من إرسال قوات برية الى العراق، مخافة الدخول من جديد بمعارك على الأرض قد توقع في صفوف الجيش الأمريكي خسائر بالأرواح، وهذا واضح بكل صراحة في النقاط الرئيسة لخطاب الرئيس السابق اوباما مع بدايات اجتياح داعش الأراضي العراقية، والذي نقله كيري بمؤتمر جدة الذي عقد في السعودية في أيلول من عام 2014 ، إذ ورد في إحدى نقاطه: “سنرسل 475 مستشارا كقوة اضافية الى العراق. هذه القوات الاميركية لن تكون مهمتها قتالية، ولن نسمح بان ننجر الى حرب برية اخرى في العراق”. فهو إذن، يتفادى التدخل العسكري حسب ماجاء في نقطة ثانية من خطابه حيث قال: “هدفنا واضح.. سوف نضعف تنظيم “الدولة الاسلامية” وصولا الى القضاء عليه من خلال استراتيجية شاملة ومستديمة للتصدي للارهاب”.
اليوم وقد مضى على خطاب أوباما أكثر من عامين، ما المعطيات التي قدمت الى العراق، فيما يخص اجتياح عصابات داعش أراضيه؟ ولو افترضنا جدلا أن أمريكا وفت بوعدها وكان المستشارون المرسلون من قبلها يديرون ما كلفوا به على الأرض العراقية، أين كانوا يوم اخترقت القوات التركية حدود جارها الجنوبي؟ وكيف تم السماح لها بالتموضع والتعسكر على مشارف محافظة نينوى؟ وكيف ثبتت وجودها رغم صيحات العراقيين بضرورة انسحابها؟ أما لو استذكرنا شيئا من السنوات القليلة الماضية، فمن حق الجانب العراقي ان يطالب أمريكا بالإيفاء بما منصوص عليه في اتفاقية كانت قد أبرمت بين الطرفين، والتي تلزم أمريكا بحماية العراق أرضا وجوا من أي اعتداء خارجي.
من هذا كله، ومادام تحرير الموصل على الأبواب، على قادة المؤسسة العسكرية العراقية، والقائد العام للقوات المسلحة أولهم، ان يحسبوا حساباتهم بأن جيش العراق وقوات الحشد الشعبي وحدهما، هما اللذان يعول عليهما في تحرير ما تبقى من الأراضي العراقية لاغيرهما، وعليهم -تبعا لهذا- أن يضعوا الأولوية في مهامهم لهذا الجانب، أما تداعيات السياسيين وخلافاتهم، وتأثيراتها على الجانب الأمني والعسكري، فعليهم عدم الانصياع لها، وإبعاد عبئها عن كاهل المؤسسة العسكرية، إذ أن خناق الوقت ضاق تماما على العراقيين، فهل هم فاعلون هذا؟