بغداد/شبكة اخبار العراق- من يتابع أغلب المعارض التي أقامها عبد الكريم سعدون يتيقن بأن مشروعه في الرسم، ليس التشخيص المزخرف، ولا الاستعارة التي تولد إشارة هنا لنفقدها في مكان آخر. قدرة الرسم عند هذا الفنان متأتية من مركبات ثقافية، ونزعة توجه خطابها نحو محيط الحداثة دون التعميق في مفاصل هيكليتها وعمقها. هذا المطاف وفر للمشاهد ما يجعله يمر بأدق تفاصيل الخطاب الثقافي والمجتمعي، ربما لأن الإشارات التي يعيد تقليبها فنيا تجعلنا نؤكد مسميات الثقافة، العراقية تحديدا. هذا ما وجدناه من اضطراب يرجح الغربة ومأساتها ليعيد تشكيلها في خصائص لها إيقاع بنائي مركب، بمعنى كلما تصاعدت تلك التشخيصية وجعلت مظاهرها الشكلية أكثر حضورا، تبينت لنا في راهنيتها أن مسعاها ليس استعراضيا ضمن حدود صياغات الشكل فقط، بل ثمة انسجام دال عليه واجهة الرسم، يكمن في التمثيل والصياغة التي تتغذى من الخيال مع الذاكرة.إقامة في الذاكرة.أعمال عبد الكريم سعدون لا تبتعد عن أواصر الحفر والإقامة في الذاكرة، مع أنها تتضاعف في أشدها حينما تلجأ لتكوين قطع متناثرة فوق السطوح تسوغ استثمار التنوع الشكلي لتضمن الصياغات الدلالية القابعة في اللوحة. موضع التشخيصية والتحليق الشكلي يتجليان ببراعة في واجهة المتن الصوري، أما محيط اللوحة فقد يتعقد بناؤه لتتلاحق الرمزية وأصداؤها بما يؤمن هامشا من اللوحة ذلك، الهامش ليس ببعيد عن الارتباط بالأصول التي تدعو اليها أبعاد أعماله. فالتعامل الصريح مع البنائية المركبة، والاهتمام بالإطار المكرس لمدلول واحد ذات غاية معلنة غير مخفية هو مصدر قوة لوحته.تراكمات معرفية،قد يكون التأويل إحدى ركائز هذا الفنان، فهو لا يظهر تشخيصا متكورا على نفسه، بل تراكمات معرفية تسندها الخامات الثقيلة أحيانا، هذه الإمكانية تكشف أهمية الفن عنده، انه يلوح لبنية مركبة في الوجدان لتصب غضبها في السطح التصويري، مع أنه يطرح الأشكال الصورية بقياسات ليست معقدة وبكثافة، تبدو فيها الهيئات البشرية مفعمة بالتحول.عبد الكريم سعدون يعي تماما أن مخزوناته الحياتية والبيئية لا يقدر على مقاومتها أو كبح جماحها، لهذا تظهر تباعا في السطح التصويري لها لذائذ الإيغال في التعبير، وهواجس النفس المركونة بالعودة إلى الأصول، ومن هذا المنطلق نراها تدور في فضاء يبدو لنا غنائيا، تاركا أثرا وجدانيا أو نزعة نفسية توسع من قدرتها التصويرية حقولها الدلالية المشتغلة على الذاكرة التي تلتحم بمرجعياتها، ومع كل هذا ما الذي يحرك حساسية التعبيرية فوق سطوح لها تعاظم الخطاب الداخلي؟ اكثر لوحات عبد الكريم سعدون منشغلة بالمكان والحدث، بمعنى ان الموضوعية مسيطرة على مفاصلها وهي لا تخلو من ركائز لمضامين يومية حياتية او سياسية منغلقة وان اختلفت في بنائيتها الرمزية الا ان دواخلها وبواعث مظاهر سطوحها لن تذهب أبعد من هذا التوصيف، أو هذه الحقيقة.. تشخيصية تستلذ بقضيتها وهيئات تهيم بإعلان ذاكرتها على أسس تتشكل في أصالة مع المشهد الذي يريد توظيفه هذا الفنان.
الخيال والذاكرة في لوحات عبد الكريم سعدون
آخر تحديث: