الخيانة كالكفر ملّة واحدة … بقلم صباح علي الشاهر

الخيانة كالكفر ملّة واحدة … بقلم صباح علي الشاهر
آخر تحديث:

كم هي المتشابهات فيما حدث للعراق، وفيما يحدث الآن لسوريا ؟؟ , دولياً نفس الأصطفافات تقريباً، ما خلا إختلافات بسيطة، أما عربياً فنفس ما تبقى من أنظمة ، تتخذ نفس الموقف، وبحذافيره تقريباً , أنحن شعوب بلا ذاكرة ؟!، نستغفل بنفس الأكاذيب، وعندما نصحوا، حيث يكون الأوان قد فات ، لا يكون بمقدورنا سوى شدّ شعر رؤوسنا ندماً، ولات ساعة مندم.

كانت إسرائيل في طليعة من كان يحرّض على العراق، واليوم هي في طليعة من يحرّض على سوريا، وإذ أعفت أمريكا إسرائيل مغبة ضرب العراق مباشرة، فإنها كلفتها الآن بفعل ماتشاء، وحيثما تشاء، إذ لم تعد أمريكا، ولا إسرائيل يخشون نظاماً عربياً، أو حتى جماهير عربية، أضحت منشغلة في قتل بعضها بعضاً , منذ أضحى عدوي زميلي في المدرسة، والدائرة، والمعمل، وربما في الحزب والنقابة، والفريق الرياضي، إنتهت فاعليتنا، وبطل أن يكون لنا أي دور إيجابي.

أضحى كل منا مشروع موت، قد يكون مؤجل لغد أوما بعد غد، بكاتم صوت، أو صلية رشاش ، أو حزام ناسف، أو مفخخة، أو  ما لاندري ما يكون من وسائل دمار تُعد لنا خصيصاً، نحن العرب والمسلمين , أصبحنا حقل تجارب للموت العبثي والمجاني!!

لا تسأل من القاتل، ومن المقتول، فالمقتول هو نحن، أنا وأنت، أخي وأخوك، إبني وإبنك، هو دوما من هوية واحدة، ولسان واحد، والقاتل هو ذاك الذي كان وما يزال يتربص بنا، والذي أصبح بإمكانه أن يحرك بعضنا كما يحرّك رقع الشطرنج، فيضرب تارة بيد شيعيّة، وأخرى سنيّة، وفي أغلب الأحيان خفيّة .

شاهدت، وسمعت، من دونما إندهاش ولا تعجب، بعض ممن ينتسب للمعارضة السورية وهو يهلل للضربة الإسرائيلية، ويدعو إلى المزيد، لا بل تجرأ البعض على الظهور على القنوات الإسرائيلية والتحدث عن إمتنان الشعب السوري للشعب الإسرائيلي إلذي إقتص من الجلاد!! , وقبل عشر سنوات شاهدت أيضاً على شاشات الأم بي سي، والبي بي سي، عراقيون يرقصون، وعراقيات يزغردن على إيقاع القصف الهمجي الذي كانت تتعرض له بغداد، بغداد التي لم تكن خالية من الناس، الناس العراقين من كل ملّة ومذهب ودين.

كانت قلوب بعض العراقيين في الخارج تدمي، في حين كان بعض العراقيين يرقص على جثة العراق المستباحة, لم يكن المبتهجون بحرق بغداد من ملّة واحدة، ولا طيف واحد، منهم السني، والشيعي، الكردي والعربي والتركماني، والمسيحي والصابئي، والقومي والشيوعي، الرجعي والتقدمي ، الجمهوري والملكي، ومن كل ما يخطر على بالك من تلاوين.

واليوم في سوريا كان المبتهجون بقصف إسرائيل لسوريا من كل الأصناف، البعثي المنشق، والقومي المرتد، والشيوعي الذي أضاع البوصلة، والإسلامي الضائع بين الله وأمريكا , للمرة الثانية خلال بضعة أشهر تعربد إسرائيل، وتقصف مواقع سورية بالغة الأهمية والحساسية، مستثمرة الظروف العصيبة التي يمر بها النظام السوري، وإنشغال قواته بحرب داخلية شعواء، أضحت حرب كر وفر، ومن دونما أفق محدد بالحسم لأي من الطرفين، وإن بدت كفة النظام راجحة في الأشهر الأخيرة، خصوصاً في ريف دمشق وحمص وصولاً إلى ريف أدلب وحلب . 

الغريب في الحالة السورية، أن أولئك الذين فرحوا وهللوا لقصف إسرائيل للمواقع السورية الإستراتيجية، هم عينهم الذين يطالبون النظام السوري بالرد على العدوان، إن كان نظاماُ تهمه كرامة سوريا، ولقد وجدوها فرصة سانحة لتأكيد عجز وجبن النظام السوري، وإستعملوا كل ما في ترسانتهم من السب والقذف، وفاحش القول، فهل يريد هؤلاء فعلاً إظهار عدوهم اللدود بصورة البطل، المدافع عن الحمى، والذي لا يقبل الدنية والمذلة، هل يريدون للعرب ناصر جديد، أم أنهم يستهدفون أمراً آخر، ليس من الصعب ملامسته، وإستنتاجه؟ 

وحتى أنصار النظام السوري، أو الذين إتخذوا موقفاً محايداً، إندفعوا للنسج على نفس المنوال، طالبين بالرد على العدوان، على الأقل من جنسه، بقصف محدود، ومختار بدقة، وطبيعي أن هؤلاء تختلف أسبابهم ودوافعهم، عن اسباب ودوافع المعارضة السورية .

صحيح أن الرد على الإعتداء بمثله، وبما هو أشد وأقسى، يقدم رسالة بالغة للعدو، ويفهمه أن الزمن قد تغير، وإن أي إعتداء يشنه منذ الآن سيواجه بمثله، لذا فإن العدو سيفكر ألف مرّة قبل أن يقوم بأي عدوان مستقبلاً، ولكن هل هذا ممكن وفق موازيين القوى التي لا تخطئها العين البصيرة، وهل سوريا اليوم قادره على الرد الذي لم تكن قادرة عليه يوم لم تكن ثمة حرب أهليه، أنهكت الجيش، وقطّعت أواصر البلد؟

لنتذكر أن إسرائيل قامت قبل بضعة أشهر بإعتداء لا يقل وحشيّة ودماراً عن الإعتداء الأخير، وعلى نفس المنشأة تحديداً، لكن سوريا إكتفت بالقول: أنها تحتفظ بحقها في الرد بالوقت المناسب والطريقة المناسبة، لكن الأشهر مضت دون أن ترد، ولا نعتقد أن الوضع قد تغير الآن، فسوريا مازالت مشغولة بالتصدي لجحافل متزايده باستمرار من المسلحين الذين جعلوا إسقاط النظام هدفهم الأساسي.

مم يشكوا المسلحون السوريون ؟

يشكون من الصواريخ وسلاح الطيران اللذان يحولان دون تحقيق النصر، ومن دون تدمير هذان السلاحان فإن إمكانية حسم المعارك لصالح المسلحين ميؤوس منها.

لم يستطع المسلحون تدمير هذين السلاحين رغم كل جهودهما، التي إنصبت على المطارات الحربية، وقواعد الطيران و منصات الصواريخ، فهل يكون الطيران الإسرائيلي، الذي لا يقارن بمثيله السوري، ولا بأي سلاح طيران عربي هو الذي سيقوم بإنجاز هذه المهمة ؟

قد تكون هذه أحدى السيناريوهات، حيث ستتكفل إسرائيل بتحييد الطيران، والصواريخ السورية، ويقوم المسلحون بإحتلال المدن، وحسم المعركة.

هل يعني هذا أن على سوريا إبتلاع الإهانة، وعدم الرد؟

كلا.. سوريا يجب أن ترد، وترد بالطريقة التي ثبت نجاحها بمواجهة العدو، وليس بالجيوش التقليديه، غير القادره على مجاراة القدرة الإسرائيلية العسكرية, ما تخشاه إسرائيل وتخافه، هو الذي سيحدث، والذي سيحدث ينبغي أن يكون هو الإسلوب المعتمد في مقاومة إسرائيل، إحياء المقاومة، تلك التي هزمت أمريكا، وهزمت إسرائيل، إنها سلاحنا المجرّب, بقلة من عدد، وقلة من سلاح، ومرونة في التحرّك، وإجتراح للبطولة التي هي بقامة إنساننا، والتي فصلت على مقاس الفلسطيني، واللبناني، والعراقي، وستفصل أيضاً على مقاس السوري , لم نكن بحاجة لكل هذا ليهتدي النظام السوري إلى هذا الخيار، ليس في الجولان فحسب ، وإنما حيث رسمت حدود الدويلة اللقيطة .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *