الدستور العراقي جرد الشعب العراقي من انتخاب الرئاسات الثلاث
آخر تحديث:
بقلم:باسم محمد كريم
الدستور العراقي صدر عام 2005 وهذا معناه انه كتب وشرع أثناء فترة الاحتلال الامريكي للعراق واستناداً لقانون إدارة الدولة الذي شرعته سلطات الاحتلال بعد 2003 وبالمقارنة بينهما نجد انه نسخة طبق الاصل مغ بعض الاختلافات الصغيرة.
والمتفق عليه بين فقهاء القانون أن الدساتير التي تشرع في ظل الاحتلال يطعن في وطنيتها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى أن الدستور الذي نحن بصدد دراسته قد وضع على عجل ووفق المدة التي حددتها سلطات الاحتلال ، وهذا يؤكد انه دستور لم يكتب بارادة عراقية ولايستند الى رؤيا قانونية ولا الى شرعية الشعب .
ونحن هنا نطرح رؤيتنا الشخصية بكل تجرد وموضوعية والتي اخذناها من عدة قراءات لنص الدستور الذي راينا فية الكثير من الثغرات التي جردت حق الشعب في اختيار من يحكمه ونحن نعلم تماما بأن كتابة أي دستور يحتاج الى عمل جمعي من قبل رجال القانون ومن اراء ونقاشات المواطنين حول الثغرات والسلبيات التي وردت في الدستور وماافرزه من عملية سياسية فاشلة، وقد يكون راينا صائبا او خاطئا ولحاجتنا في هذا الوقت بالذات الى اعادة النظر بكل الاسس التي تم اعتمادها في وضع وكتابة الدستور العراقي والذي أفرز وبعد خمسة عشر عاما فشلا سياسيا ودستوريا ذريعا في العراق ، ولان بعض نصوص الدستور الهزيلة افرزت جزءا كبيرا في هذا الفشل السياسي وكانت سببا فيه لانها وضعت وفقا لرغبات السياسيين وليست وفقا لارادة الشعب او لتنظيم الحياة السياسية في العراق .
وفي الفترة التي كتب فيها الدستور وهي فترة الاحتلال لم يراعي الجانب الاميركي طبيعة تكوين المجتمع العراقي بل فرض الخيار الفيدرالي مراعاة لمصالح اقليم كردستان في المادة الاولى من الدستور برغم انعدام الثقافة الفدرالية عندنا . وعدم رغبة وقناعة الشعب العراقي بخيار الفيدرالية لانها ثقافة غربية دخيلة على مجتمعنا ومن الصعب ان تطبق على مجتمع عربي كالمجتمع العراقي، حيث لم يتعاط الشعب العراقي سابقا مع هذا المفهوم الجديد الوافد على الثقافة العراقية من الخارج
وقد فرض الجانب الاميركي اعتماد معيار المكونات الاجتماعية الطائفية كأساس للدولة العراقية بدلا من اعتماد معيار المواطنة وهذا ورد في المادة 3 من الدستور , الامر الذي شكل اهم قصور في الدستور لأنه لا يتناسب مع الدولة العصرية الديمقراطية ولايراعي تاريخ العراق المتعايش سلميا على مر التاريخ. وهذا بحد ذاته يعتبر تفكيك لوحدة ونسيج المجتمع العراقي المتعايش كتنوع ديني وعرقي.
من اوجه قصور الدستور , انه لم تكن رئاسة لجنة واعضاء كتابة الدستور من ذوي الاختصاص في القانون الدستوري . و مما عزز من اوجه هذا القصور ان اغلب اعضاء اللجنة لا يمتلكون تخصصًا في القانون الدستوري ايضا . بل انهم ينتمون الى كتل سياسية وهم بذلك راعوا مصالحهم الحزبية عند كتابتهم لنصوص الدستور ، لذلك نلحظ الضعف حتى في الصياغة واللغة و في استعمال المفاهيم و المصطلحات الدستورية و اتسمت تلك النصوص احيانًا بالمصطلحات العاطفية او الميول السياسية او المذهبية او العرقية.
وكذلك الخلل في تركيبة لجنة كتابة الدستور ولانعرف ماهي المعايير التي تم اعتمادها في تسمية اللجنة التي قامت بكتابة الدستور. وفي كل الاحوال فان اللجنة تمت تسميتها والاشراف عليها من قبل سلطات الاحتلال.
ومن اوجه الخلل ايضا أن الجانب الاميركي هو الذي وضع سقفًا زمنيًا ضاغطًا لعملية الانتهاء من كتابة الدستور الدائم حسب المادة ( 61 ) من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية و التي سنته الادارة المدنية الامريكية لقوات الاحتلال , والتي نصت على تكليف الجمعية الوطنية الانتقالية المنتخبة بكتابة الدستور و الانتهاء منه في 15 آب 2005 . وللتاريخ فقد تم الانتهاء من وضع اللمسات الاخيرة للدستور ليس داخل لجنة كتابة الدستور انما في اجتماعات ضم قيادات الاحزاب السياسية. اي ان اصل العملية برمتها كتبها وصاغها ووضع اسسها ومددها الزمنية واشرف عليها الاحتلال الامريكي.
الدستور يعتبر أعلى وثيقة قانونية للدولة. ولما كان الدستور بهذه المثابة من الأهمية والسمو. فيجب أن تتم صياغته واصداره بكل تأن وتريث، ولا يشرع على عجل، كما حصل في وضع كتابة هذا الدستور ، وأن بعض الدساتير استغرقت وقتاً قد لا يقل عن سنتين أو ثلاث، ويلزم اضافة الى ذلك أن يتم عمل الدستور من قبل أهل الاختصاص من رجال القانون بمختلف فروع القانون ، والقانون نفسه من العلوم الانسانية، إلا أن الثغرات التي حصلت في الدستور كان سببها الاختلافات السياسية بين الطبقة الحاكمة وليست المصلحة العليا للوطن، مما اضعف من شرعية الدستور .
المادة (70) من الدستور لم تبين هوية أؤ قومية أو مذهب المرشح لرئاسة الجمهورية. ومن الناحية العملية أصبح هذا المركز الرئاسي حكراً على الأكراد. وفي المستقبل قد يحتج الأكراد بأن هذا المركز أصبح من الناحية الدستورية حكراً على الأكراد على أساس العرف الدستوري على هامش الدستور المكتوب.
وهنا نحن نتسائل لماذا اصبحت تسمية الرئاسات الثلاث تسمية طائفية وهذا مالم يرد في نص الدستور العراقي
هناك نصوص وردت في الدستور اسهمت في الغاء النصوص المتواترة في الدساتير العراقية السابقة كافة و التي تعتبر العراق جزءًا من الامة العربية لان نسبة السكان العرب في العراق تصل الى نحو 80 % . و هذا الحذف احدث سلبيات عدة منها عزل العراق عن حاضنته العربية ، واحدث شرخا في هوية العراق الطبيعية , و التي تحكمها لغة الضاد .
ورد في المادة (1) ان جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة… الخ وذكر أن نظام الحكم جمهوري نيابي (برلماني). والمعلوم أن أنواع النظم السياسية من زاوية الفصل بين السلطات، ثلاثة أنواع (برلماني، رئاسي، حكومة الجمعية). فكان على النص أن يذكر نظام الحكم في العراق برلماني، ذلك لأن كل نظام برلماني نيابي أي ليس هناك نظام سياسي برلماني وغير نيابي، والنظام النيابي في العراق منصوص عليه في باب السلطات الاتحادية (السلطة التشريعية). فالنص بوضعه الراهن لا يتفق مع الأصول الفنية في التشريع.
وعدت المادة (56) من الدستور بإنشاء مجلس تشريعي يدعى مجلس الاتحاد، ولم يتم انشاؤه، ومثل هذا المجلس ضروري لأنه يعتبر فريداً في تمثيل الشعب وإدارة رقابية على مجلس النواب.
في المادة (4) ذكر بأن صاحب السيادة ومصدر السلطة هو الشعب، واذا قيل بأن الدولة صاحبة السيادة، فالدولة بمؤسساتها تمارس مظهراً من مظاهر السيادة، والقول بأن السيادة للقانون فكرة أثارت جدلاً، ذلك بأن البرلمانات استغلت ذلك، فبدلاً من ان البرلمان يمارس مظهر السيادة كأحد المؤسسات الديمقراطية أصبح هو صاحب السيادة، والحقيقة العلمية أن مبدأ سيادة القانون فكرة سياسية وليست قانونية مفادها أن الجهاز التنفيذي يخضع للجهاز التشريعي بوصف أن الأخير يمثل الشعب.. وبالتالي فان ماحصل هو ان السياسيين توارثوا التمثيل البرلماني فيما بينهم وبقي الشعب معزولا مهمشا غير مشتركا في اتخاذ القرار وخير ظلال على كلامنا هو مقاطعة الشعب العراقي للانتخابات التي جرت في عام 2018 وقد ذكرت كل الاحصاءات العالمية بان نسبة الانتخابات لم تتجاوز 19% بينما اوردت مفضوضية الانتخابات ان نسبة المشاركة تجاوزت 55 % !!!
أن مضمون المادة ( 30 ) تكفل الدولة حق المواطن بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وان على الدولة توفير سكن للمواطنين وان وينظم ذلك بقانون، ولم يتحقق شيء من هذا القبيل ولم يصدر قانون بذلك.
كذلك هناك مؤسسات ومرافق مهمة وعد الدستور بانشائها ولم يتحقق شيئاً منها، وبقيت هذه المادة حبرا على ورق !!!!!
الخلاصة:
يفترض في الدستور أن يستمد شرعيته من الشعب وان الشعب هو من يختار من يحكمه وهذه الحقيقة تضمنتها كل الدساتير في العالم والخطيئة الكبرى التي وضعها الاحتلال ومن كتب الدستور ان الشعب العراقي لايحق له انتخاب رئيس البرلمان أو رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء وان من ينتخب ويختار هؤلاء هم الاحزاب فقط ووفق صفقات سياسية لايحق للشعب العراقي ان يتدخل بها وهذا بحد ذاته اجحاف بحق الشعب وطموحاته ولايستمد مادته القانونيه منه وان الدستور صمم وكتب لخدمة الاحزاب والكتل السياسية فقط ، واكبر دليل على مانذكره هو مقاطعة الشعب الكبيرة للانتخابات التي جرت في عام 2018 بسبب ماحدث من ماسي وكوارث للعراق منذ ان وضع هذا الدستور وحتى الان وماافرزه من عملية سياسية بائسة وفساد لامثيل له.
يجب ان يلغى نظام القوائم او النظام البرلماني سيء الصيت الذي انتج لنا احزابا فاسدة وكتلا طائفية ويجب ان يعدل الدستور ليكون الحكم في العراق رئاسيا وان ينتخب رئيس الجمهورية من قبل الشعب ويعطى صلاحيات واسعه حتى يستطع تنفيذ البرنامج الحكومي الذي يخدم الشعب والاصلاحات ومحاسبة الوزراء المقصرين وان يلغى منصب رئيس الوزراء الذي اعطى صلاحيات مطلقه لان هذا النظام اثبت فشله وهو لايلائم مجتمعنا بل هو مفصل للمجتمعات الغربية
لذا يجب اعادة النظر في بعض الفقرات والنصوص التي وردت في الدستور العراقي وفقا لما ذكرناه اعلاه وان تتم اعادة صياغته من قبل متخصصين وفقهاء ومستشارين في القانون وخبراء في تاريخ العراق وان يراعى كل هذه الملاحظات التي ذكرناها وان يتم اشراك الشعب والحصول على موافقته في كل مادة ونص بل في كل كلمة تكتب في الدستور ويجب ان تطرح في استفتاء على الشعب وان تكون هناك قراءة اولى وثانية وثالثه وعاشرة حتى يرضى الشعب وتكون له قناعة وقبول لكل فقرات الدستور ويطمأن على وضع ارادته فيها لان الدستور هو القانون الذي يمثل ارادة الشعب ويستمد شرعيته منه