الدستور العراقي في عيون مدحت المحمود …

الدستور العراقي في عيون مدحت المحمود …
آخر تحديث:

بقلم:اياد السماوي

لا شّك أنّ الدستور العراقي قد جعل من المحكمة الاتحادية العليا أعلى سلطة قضائية في البلد , بما لديها من سلطة الرقابة على دستورية القوانين والانظمة وتفسير الدستور والفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والإدارات المحلية والبلديات والنظر بالطعون المقدّمة على الأحكام والقرارات الصادرة من القضاء الإداري وباقي الاختصاصات الأخرى , ولا شّك أنّ الدستور العراقي قد أعطى للمحكمة الاتحادية العليا بموجب المادة 93 دورا أساسيا ومفصليا في حماية الدستور العراقي , وذلك من خلال دورها الهام في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور , في هذا المقال نريد أن نسلط الضوء على دور المحكمة الاتحادية العليا ودور رئيسها مدحت المحمود المثير للجدل , هذا الدور الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام , فعلى أساس الفقرة ثانيا من المادة 93 من الدستور العراقي فسرّت المحكمة الاتحادية العليا الكثير من النصوص الدستورية التي حدث اختلاف في تفسيرها بين القوى السياسية المتصدّية للمشهد السياسي العراقي , ولكن يبقى التفسير الأبرز والأهم الذي أثار ولا زال حتى هذه اللحظة جدلا واسعا هو التفسير الذي تقدّمت به المحكمة الاتحادية للمادة 76 أولا من الدستور العراقي والذي يتعلّق بتكليف رئيس الجمهورية لمرّشح الكتلة الأكثر عددا , فالدستور العراقي نصّ في المادة 76 أولا على ( يكلّف رئيس الجمهورية مرّشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تأريخ انتخاب رئيس الجمهورية ) , وقد جرى تطبيق هذه المادة الدستورية في انتخابات عام 2006 من غير إشكال حيث تمّ تكليف مرّشح الأكثر عددا نوري كامل المالكي مرّشح القائمة 555 .

في انتخابات عام 2010 برز إلى الوجود مفهوم الكتلة الأكبر الذي تفتّقت به عبقرية رئيس المحكمة الاتحادية مدحت المحمود , بناء على الاستفسار الذي وجّهه مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي آنذاك عن المقصود بالكتلة الأكثر عددا , حيث أجابت المحكمة الاتحادية في حينها أنّ المقصود بالكتلة الأكثر عددا هي الكتلة التي تتشّكل داخل قبة مجلس النوّاب في جلسته الأولى , وليس من الضروري أن تكون الكتلة الأولى الفائزة في الانتخابات بأكثر المقاعد , وبموجب هذا التفسير حجبت القائمة العراقية الفائزة بالمرتبة الأولى بالانتخابات عن تكليف مرّشحها الدكتور أياد علاوي بتشكيل الحكومة وأنيطت مهمة تشكيل الحكومة بموجب هذا التفسير الملزم إلى مرّشح كتلة التحالف الوطني نوري المالكي التي تشّكلّت من ائتلافي دولة القانون والائتلاف الوطني , وحتى بعد هذا التفسير وبغض النظر عن دوافع المحكمة في هذا التفسير المثير للجدل , ليس هنالك إشكال قانوني حيث بررّت المحكمة تفسيرها بمبررات تبدو منطقية ومقبولة , وبموجب المادة 93 ثانيا فإنّ المحكمة الاتحادية هي الجهة الحصرية الوحيدة في تفسير نصوص الدستور , لكن المصيبة الكبرى حصلت في انتخابات عام 2014 عندما حجبت المحكمة الاتحادية حق كتلة ائتلاف دولة القانون التي دخلت جلسة مجلس النوّاب وهي الكتلة الأكبر , حيث لم تتقدّم أي كتلة أخرى بكونها الكتلة الأكبر , وهذا ما شهد به رئيس السن المرحوم مهدي الحافظ بشهادة مكتوبة إلى المحكمة الاتحادية , ولم تنظر المحكمة الاتحادية إلى الآن بالدعوى التي تقدّمت بها كتلة ائتلاف دولة القانون بعدم شرعية ودستورية تكليف رئيس الجمهورية فؤاد معصوم لحيدر العبادي الذي أصبح رئيسا للوزراء بموجب هذا التكليف اللا دستوري , وها هي المحكمة الاتحادية العليا ممثلّة برئيسها مدحت المحمود الذي حضر مراسم تكليف السيد عادل عبد المهدي من قبل رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح , تعود مرّة أخرى لتتغافل وتتراجع عن ابتكارها التاريخي ( العظيم ) المتمّثل بالكتلة الأكبر وتسحق عليه باقدام رئيسها مدحت المحمود صاحب هذا الاختراع , لكن تبقى هنالك أسئلة تدور بأذهان الرأي العام والمعنيين باحترام الدستور , من هي الكتلة الأكبر التي رشّحت رئيس الوزراء الحالي السيد عادل عبد المهدي ؟ ولماذا تعمدّ السادة رئيس مجلس النوّاب ورئيس المحكمة الاتحادية العليا على تجاوز الدستور في موضوع الكتلة الأكبر ؟ وهل كان رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح مجبرا على هذا التجاوز الفاضح وهو المعني بالسهر على ضمان الالتزام بالدستور ؟ من سيحمي الدستور بعد الآن ؟ وهل يحق للسادة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النوّاب ورئيس المحكمة الاتحادية أن يطالبوننا بعد الآن باحترام الدستور والالتزام به ؟ والسؤال الأخير للسيد مدحت المحمود .. هل ستقوم بتغيير مفهوم الكتلة الأكبر إلى المفهوم الجديد ( العراق أكبر من الكتلة الأكبر ) ؟ …

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *