هذه هي الزيارة الأولى لشخصية عراقية تتقلد أعلى منصب في الدولة تزور الرياض بعد انتخابات عام 2014 وتشكيل حكومة حيدر العبادي ولاشك فإن الجميع يعول على نتائج هذه الزيارة وإن كان كل طرف ينظر للموضوع من زاويته الخاصة بعد أن أحدثت السياسات الخاطئة لنوري المالكي والنفوذ غير المسبوق لإيران انقساما مجتمعيا حادا وصل حتى الاحتراب والتهجير والقتل على الهوية بين مكونات الشعب العراقي، والمهم في نظري ليس ما سيطرح ويناقش بل تنفيذ ما يتفق عليه أو يتعهد به.
عام 2006 منحت السعودية فرصة ذهبية لنوري المالكي كي ينجح في إدارة العراق وفي لقاء ضمه مع خادم الحرمين الشريفين استمع نوري المالكي بعناية إلى نصائحه وتعهد بأنه سيتصرف باعتباره رئيس وزراء لجميع العراقيين لن يفرق بين مكون وآخر وبالطبع لن يعادي طرفا على طرف، كما أنه لن يسمح بتمدد دول الجوار.. لكن المالكي نكل بجميع ماتعهد به وكذب، وهو ما أثار حفيظة خادم الحرمين الشريفين الذي نظر إلى موقفه وكأنه خذله شخصيا وانعكس ذلك بشكل قطيعة أو ما يمكن أن اسميه سياسة الباب المغلق حيث رفضت المملكة أي شكل من أشكال التواصل مع نوري المالكي كما رفضت جميع الوساطات لاستقباله أو التعامل معه وانعكس ذلك سلبا على العلاقات الثنائية بين البلدين.
وظف نوري المالكي هذه المقاطعة للتنكيل بالعراقيين من العرب السنة وأجج المشاعر الطائفية في الإساءة للمملكة واتهمها بدعم الإرهاب في العراق.. ورغم العداء والتشهير والتجريح من جانب واحد فإن المملكة اختارت عدم الرد، كان لي رأي في سياسة المملكة ولم اقتنع بجدواها وانتهزت فرصة دعوتي للقائه على انفراد في قصر الجنادرية في أبريل من عام 2010 بعد الانتخابات حيث قررت أن اطرح الموضوع على خادم الحرمين الشريفين واستمع إلى وجهة نظره وحاولت كمبادرة مني لاعتبارات كثيرة لكني لم استطع أن أزحزحه عن موقفه قيد أنملة واسقط في يدي عندما نادى أحد الأمراء المعنيين بملف العراق بينما كنت أحاول جاهدا إقناعه بوجهة نظري وخاطبه قائلا: أمير.. اشرح للسيد النائب تجربتنا مع المالكي، ماذا قدم لنا خطيا، بماذا تعهد، وماذا أنجز…كيف كذب علينا.؟ وبعد أن أنهى الأمير شهادته خاطبني خادم الحرمين قائلا: لقد منحنا المالكي فرصة ذهبية لكن هو من ضيعها، لقد تعهدت المملكة بتقديم كل وسائل الدعم للعراق دون شروط بل مقابل أن ينجح العراق، ولن ينجح حتى ينعم الجميع بخيراته دون تمييز أو تفضيل…ولهذا طالما كان المالكي في الحكم فإن موقف المملكة لن يتغير….أصبت بالذهول وبلغت محاولتي في تشجيع المملكة بالمبادرة لطائف عراقي على ضوء الطائف اللبناني إلى طريق مسدود واضطررت أن انتقل لموضوع آخر.
لم أسمع منه خلال هذا اللقاء إلا خيرا، وكان يتحدث وينصح ويذكر بلغة الوطني العراقي الحريص والغيور على وحدة شعب يتلون عرقيا ودينيا ومذهبيا….حتى خاطبته قائلا:
طويل العمر كنت أتمنى أن يسمع المالكي ومن يتهمون السعودية بأنها وراء جميع متاعب العراق هذا الكلام الجميل لعلهم يتوارون خجلا ويعيدون النظر بقناعاتهم وحساباتهم….
تجربة ينبغي أن تبقى في الذاكرة بالنسبة لصانع القرار السياسي في العراق في أي محاولة مستقبلية تستهدف إحياء العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين.
هناك اليوم أكثر من مشترك يجمع الطرفين، بالطبع مع وجود خلافات في جوانب أخرى.
والمهم أن نركز على المشتركات مهما كانت محدودة ونبني عليها مشتركات أخرى ونعمل على تضييق دائرة الخلاف بمرور الوقت حتى ينعم البلدان بعلاقات متميزة ولا أعتقد أن ذلك أمرا مستحيلا.
زيارة معصوم للسعودية ضرورية، ولابد انه سيحمل معه ملفات يركز عليها الجانب العراقي كالحرب على الإرهاب وأنبوب النفط العراقي السعودي واستعجال فتح سفارة في بغداد والتوسط لتخفيف الحكم الصادر بحق مدانين من الشيعة السعوديين، وبالوقت نفسه سوف يطمئن خادم الحرمين الشريفين إلى أن حكومة العبادي عازمة على المصالحة الوطنية وإصلاح ما أفسده نوري المالكي خصوصا ما يتعلق بإنصاف بالعرب السنة بعد أن تعرضوا ولازالوا إلى حملات منظمة من تطهير طائفي لم يسبق أن شهده العراق الحديث. مقابل ذلك لا اعتقد أن المملكة وباستثناء المطالبة بتسليم المحتجزين السعوديين المتهمين بالإرهاب ستفرض شروطا او مطالب لكنها ستتحدث عن أمنيات ورغبات تصب في صالح أمن واستقرار العراق، وحدة شعبه وأرضه والحفاظ على هويته ومنع التدخل وإقامة دولة مؤسسات ونظام….بالطبع السعودية كغيرها من الدول العربية تشعر بالحساسية والحرج البالغ عندما ينفلت حبل الأمن وتصبح الهيمنة لميليشيات مؤدلجة مذهبيا وموجهة خارجيا، أو عندما تصبح الدولة العربية حكرا على طائفة ووبالا ونقمة على طائفة أو طوائف أخرى، أو عندما تفرط الدولة في الأمن القومي العربي وتفتح أراضيها للغير للتخريب والتآمر…
لكن من خلال التجربة وعلى قدر تعلق الأمر بالعلاقات مع السعودية فانه ليس المهم ما يناقش او ما يتفق عليه بل ما ينفذ مايتفق عليه على ارض الواقع وهنا كان مقتل العلاقة مع نوري المالكي الذي تعهد ونكل، وهو ما ينبغي أن يدركه العبادي منذ البداية، أن العرب جميعا ومنهم السعودية يتطلعون إلى عراق لكل العراقيين وإلى حكومة جامعة، وهو الأمل والحلم الذي يراود الجميع والذي لم يتحقق حتى الآن رغم الوعود والتعهدات التي قطعها على نفسه عشية تشكيل الحكومة واعتاد أن يكررها العبادي وآخرها قبل يومين على لسان الناطق باسم حكومته.
حاجة السعودية للعراق ليست كحاجته الماسة إليها، وعلى العبادي أن لا يضيع مزيدا من الفرص بل إن يتحرك بسرعة داخليا في برنامج الإصلاح والتغيير إذا كان قد اختار صدقا وكان عازما وجادا على إخراج العراق من عزلته متفهما (أن مقبولية العراق عربيا مرهونة بمقبولية حكومته وطنيا وشعبيا).
الرئيس فؤاد معصوم في السعودية بقلم الدكتور طارق الهاشمي
آخر تحديث: