الرافدان يشكوان الظمأ والجفاف

الرافدان يشكوان الظمأ والجفاف
آخر تحديث:

بقلم: أحمد صبري

كُلَّما تراجعت مناسيب مياه نهرَيْ دجلة والفرات ارتفعت دقَّات ناقوس الخطر تحذِّر من مخاطر نضوب النهرَيْنِ وتصحُّر وجفاف ما بَيْنَهما من أراضٍ، في ثنائيَّة تعكس حال العراق وتحَوُّلَه إلى بلد يشكو الظمأ والجفاف والتصحُّر.

ما يزيد من احتماليَّة نضوب النهرَيْنِ هو ما ذكرته تقارير دوليَّة عن إمكان تعرُّض نهرَيْ دجلة والفرات إلى الجفاف بشكلٍ تامٍّ بعد ثلاثين عامًا، وهذا ما أكَّدته منظَّمة المياه الأوروبيَّة والمنظَّمة الدوليَّة للبحوث في تقريرَيْنِ عن أنَّ نهرَيْ دجلة والفرات قَدْ يجفَّان تمامًا خلال العقود المقبلة؛ وذلك بالاستناد إلى جملة من المعطيات، مِنها ما يتعلَّق بالتغيُّرات المناخيَّة التي يشهدها العالَم وتطوُّراتها في المستقبل، ومِنها ما يرتبط بالسِّياسات الأحاديَّة التي تنتهجها دوَل الجوار العراقي.

هذا الأمْرُ يتطلب إحداث نقلة في طُرُق إدارة واستثمار المياه في العراق؛ لأنَّ ما موجود من مياه في الوقت الحاضر قَدْ يسدُّ حاجة العراق الراهنة شريطة أن تُدارَ بشكلٍ علمي حسب مسؤول في وزارة المياه العراقيَّة.

وتحَوَّلَ تراجع مستوى مناسيب نهرَيْ دجلة الفرات أو اختفاؤهما من الوجود إلى هاجس، ليس للسكَّان وحدهم، وإنَّما للمعنيين في إدارة ملف المياه في ظلِّ غياب استراتيجيَّة للأمن المائي وسُبل مواجهة التصحُّر والجفاف الذي حَوَّلَ المسطَّحات المائيَّة إلى أراضٍ قاحلة وطاردة للمزارعين.

يُشار إلى أنَّ نهرَيْ دجلة والفرات يؤمِّنان (90%) من حاجات العراق المائيَّة التي تتراوح من (70) إلى (80) مليار متر مكعَّب سنويًّا، طبقًا للتقديرات الرسميَّة، غير أنَّ حجم هذه الحاجات سيتجاوز بكثير(100) مليار متر مكعَّب سنويًّا خلال الأعوام المقبلة. وما يُعمِّق مخاطر الأزمة المائيَّة في العراق هو العزوف عن بناء السدود، وعدم الاكتراث بالتجاوز على حصَّة العراق من مياه دجلة والفرات طبقًا لنظام الدوَل المتشاطئة، ما ألْحَقَ أضرارًا جسيمة بالأرض والإنسان.

وفي مشهد خطير يكشف عن مخاطر تراجع مناسيب النهرَيْنِ وتغوُّل التصحُّر على مُدُنه وأنهاره، عبور سكَّان بعض القرى التي يمرُّ بهما نهْرَا دجلة والفرات مشيًا على الأقدام، فضلًا عن جفاف أنْهُر متفرِّعة من النهرَيْنِ، ناهيك عن جفاف بُحيرات وتناقص مياه السدود، الأمْرُ الذي زادَ من رقعة التصحُّر على حساب المساحات الخضراء، ما دفع منظَّمات وهيئات محليَّة ودوليَّة إلى التنبيه من مخاطر الأزمة المائيَّة التي ستبلغ مفاعيلها وذروتها خلال الأعوام المقبلة. يضاف إلى ما ذكرناه تجاوز المحافظات العراقيَّة على حصصها المائيَّة، الأمْرُ الذي أدَّى إلى عدم حصول محافظات أخرى على حصَّتها، وهذا الأمْرُ قَدْ يتحَوَّلَ إلى صراع؛ جرَّاء فقدان السُّلطات العراقيَّة السيطرة على تأمين الحصص المائيَّة للمحافظات وتوزيعها بشكلٍ عادل.

واللافت أنَّ التجاوزات على حقوق وأمن العراق المائي قابلها موقف المعنيِّين بهذا الأمْرِ لا يرتقي إلى مستوى الكارثة المحتملة. وحتى لا يتحَوَّلَ العراق إلى بلد منكوبٍ يعاني من التصحُّر وندرة مياه نهرَيْه واحتمالات نضوبها مستقبلًا، ينبغي تصحيح هذا الخلل بالشروع في بناء سدود وإقامة بُحيرات لتخزين مياه النهرَيْنِ، وتصحيح علاقة العراق بالدوَل المتشائطة لضمان حقوقه، ودرء مخاطره المحتملة على الإنسان والأرض معًا.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *