الرقابة الفنية

الرقابة الفنية
آخر تحديث:

 حسين القاصد
 لم ينعم التفكير بحريته وحرية استنطاقه وحرية بوحه في العراق قبل عام 2003 وربما تمتع بذلك في العهد الملكي وهي الفترة التي ظهر فيها اوائل شعراء القرن العشرين، ولا سيما المثلث المتساوي الاضلاع المتكون من الزهاوي والرصافي والجواهري، اذا استثنينا مؤسسي الوعي الشعري من مثل محمد رضا الشبيبي وعلي الشرقي اللذين عاصرا المثلث الذي أنا بصدده قبل أن يتحول من مثلث متساوي الاضلاع إلى متساوي الساقين بعد أن ارتقى الجواهري قمته بموهبته وفنيته  العالية.
ولقد شرب الجواهري الكبير تجربة الشيخين الزهاوي والرصافي ثم احالهما إلى ارشيف ذاكرته لكنه ظل مصابا بعقدة تأخره عن قريبيه الشرقي والشبيبي فقد نال الاثنان حظهما من السلطة، كما أصيب بنسق ولعبة التنقل في البلاطات متأثرا بالرصافي لحد ما وغير متأثر بالزهاوي إطلاقا، فإن سألتني عن تأثره بالرصافي اقول لك ان الجواهري أعاد اغلب ماقاله الرصافي باستثناء شعر الرصافي في مدح العثمانيين والانكليز واليهود، وإن سألتني عن عدم تأثره بالزهاوي فأقول لك إن الجواهري اعظم موهبة من الاثنين واقربهما للوطنية اذا اتخذنا ثورة العشرين معيارا وطنيا، وهي الثورة التي هجا شهداءها الزهاوي وتخلف عنها  الرصافي.
 ولا شك أن القارئ الكريم سيسأل عن علاقة كل هذه المقدمة بعنوان المقال، فأقول : إن معيار المفاضلة غير السياسي يرفع كفة الجواهري فهو أصغرهم سنا وأبلغهم قولا وأغزرهم بوحا، وهو شاعر العرب الاكبر ، اللقب الذي لم ينله سابقاه الزهاوي والرصافي، ولأن المعيار فني، ولقد مر الشعر في العراق بارتقاء ونكوص ، فإني ارى الانفلات الشعري الذي يعانيه العراق بلغ مبلغا لايطاق حيث الأمية اللغوية والثقافية وغياب الوعي الشعري فضلا عن استسهال النقد برصف المصطلحات الاجنبية دون وعي وإدراك وعلى حساب الفن الشعري ، لذلك لا مفر من العودة للرقيب وبعض الرقابة حرص وليس عيبا، وهنا لا نعني الرقيب الفكري فلكل مبدع حرية ما يفكر به ، لكننا بصدد القيد الأهم والأكثر نفعا والأحرص على المنجز العراقي وأعني به القيد الفني إذ ليس من المعقول أن نتخذ المسابقات العبثية معيارا فنيا وهي (جنابر( ثقافية لاصحابها ومآربهم الناسفة لثقافة العراق، ولعلنا صدمنا بمن لا يجيد كتابة الهمزة بحسب مقتضى حالها، بل صدمنا اكثر بمن لا يجيد مخارج الحروف وتصدى لثقافة بلد المدرستين الحارستين للغة، البصرة والكوفة ، الرقيب الفني ضرورة ملحة لإنقاذ الشعر العراقي لكنه يحتاج لشجاعة ادارية لايشوبها عامل المجاملة، فمن سيتصدى لهذا الأمر ؟ ننتظر لعلنا ندرك ذلك.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *