بغداد/شبكة أخبار العراق- اذا كانت ايران ترى في ملفها النووي ركيزة من ركائز امنها الوطني، فهي ترى في استمرار سيطرتها على مراكز نفوذها في المنطقة والحفاظ على اذرعها المسلحة فيها ركيزة اساسية لهذا الامن لايمكن الافراط بها باي حال من الاحوال، خاصة استحواذها الكامل على العراق وتبنيها لمليشيات الحشد الشعبي التي تعتبرها الدرع الذي يمكن له ان يتلقف الضربات نيابة عنها ويتصدى لتهديدات مستقبلية قد تطالها من دول المنطقة او من المجتمع الدولي. من جهة اخرى.. يبدو ان ادارة ترامب الامريكية عازمة وبقوة على الوقوف بوجه الطموح الايراني في المنطقة واضعاف سيطرتها خاصة على العراق.
فقد حاولت امريكا منذ الايام الاولى لادارة ترامب التنسيق مع حلفائها في المنطقة لتحقيق هذا التوجه، فحرصت (كخطوة اولى) على ان تفتح الدول العربية قنوات اتصال جديدة مع العراق في محاولة جذبها للمحيط العربي بعد ان بقيت سنوات بعيدةعن هذا المحيط، كللت في الاونة الاخيرة بزيارات قام بها بعض المسئولين العرب (والخليجين منهم خاصة) الى بغداد تباحثوا مع مسئوليها كيفية تطبيع العلاقات معها.
والخطوة الامريكية الثانية في هذا الصدد هو محاولة استقطاب حيدر العبادي واظهاره بمظهر السياسي القوي الذي يمكن لامريكا الاعتماد عليه في رسالة واضحة الى الطرف الايراني وحلفاءها داخل العراق، تمثل ذلك في حفاوة الاستقبال الذي حظى به العبادي في واشنطن او في التصريحات التي ادلى بها هناك خاصة حول موقفه من مليشيات الحشد الشعبي.
لا شك ان ايران تمكنت من السيطرة على العراق بشكل كامل بعد الانسحاب الامريكي منه في الـ 2011، من خلال التنسيق العالي بينها وبين الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي وبمباركة من التحالف الوطني الشيعي، وتم بعد ذلك تحييد القوة السياسية للمكونين السني والكوردي في الحكومة ليصبحا بدون تاثير في العملية السياسية، وكذلك انهاء تمثيلهما في مؤسستي الجيش والداخلية العراقيتين، وعززت ايران هذه السيطرة بتشكيل مليشيات الحشد الشعبي وفرضها على المؤسسة العسكرية والامنية العراقية.لذلك فان عراق اليوم يختلف عن عراق الامس ابان الانسحاب الامريكي منه، وليس من السهل ارخاء القبضة الايرانية عليه من خلال الرهان على العبادي او على محاولات كسب العراق للمحيط العربي.
فرغم حاجة العبادي الى الدعم الامريكي للوقوف بوجه منافسيه المقربين لايران، فهذا لا يعني وصول هذه التفاهمات لدرجة التسنيق حول الحد من التدخلات الايرانية في العراق، ولا يمكن للحكومة العراقية ذات الاغلبية الشيعية ان تختار التقارب مع المحيط العربي على حساب علاقاتها الستراتيجية مع ايران وذلك لاسباب كثيرة منها : –
-التركيبة الفكرية السياسية للعبادي مبنية على خلفية اسلامية شيعية تؤمن بوحدة المصير الشيعي وتعطي للمذهب اولوية على حساب المفاهيم السياسية الاخرى سواء كان الوطن او القومية. ولذلك فاختلافه مع ايران في بعض التوجهات السياسية لها لا يعني استعداده(للتامر) عليها بالتناغم مع امريكا وتوجهاتها، وهذا الكلام يسري على جميع ساسة الاحزاب الشيعية في العراق وليس العبادي وحسب .
– وجود العبادي ضمن حزب الدعوة ذو العلاقة التاريخية الوطيدة مع ايران تقيد اي تحرك مضاد لها من خلال حزبه حتى وان كان على مديات ضيقة.
– التحالف الوطني الشيعي الذي يعتبر تجمعا يضم الاحزاب التابعة لايران يستطيع وبسهولة اقصاء العبادي عن منصب رئاسة الوزراء وسحب ترشيحه له حال تجاوزه الخطوط الحمراء في التعامل مع ايران. وما يؤكد توجهات التحالف الوطني هذه هي الهجمة القوية التي يتعرض لها العبادي بعد عودته من زيارة واشنطن وعلى يد ساسة وبرلمانيين ينتمون لاحزاب تنضوي تحت مسمى التحالف الوطني هذا .
– الشارع الشيعي الذي يعتبر اي تحرك ضد ايران من قبل العبادي هي خيانة للمذهب، مما يمثل انتحارا سياسيا له خاصة والعراق على اعتاب انتخابات جديدة.لذلك فان رهان امريكا على العبادي و على محاولات جذب العراق للمحيط العربي هي رهانات خاسرة محكوم عليها بالفشل، واذا ارادت ادارة ترامب التاثير بشكل جاد على الوضع الايراني في العراق وخلخلته فعليها التحرك وفق النقاط التالية :-
-اضعاف دور التحالف الوطني الشيعي كتركيبة سياسية ضامنة للتوجهات الايرانية في العراق، لان وجود هذا التركيب السياسي بهذه الصيغة يسهل على ايران تمرير مشاريعها السياسية والعسكرية من خلال الاغلبية التي تشكلها احزاب هذا التحالف في البرلمان والحكومة العراقية والتي يمكن لها تمرير اي قانون او قرار تفرضها عليها ايران.
– تفعيل بنود الدستور التي تحضر تشكيل احزاب تتبنى افكارا دينية متطرفة، واسقاط هذه البنود على اكثرية الاحزاب الشيعية والسنية التي تتبنى التوجهات الدينية المتطرفة في طرحها السياسي، فاغلب الاحزاب الشيعية المشاركة اليوم في العملية السياسية هي احزاب تتبنى توجهات دينية مذهبية متطرفة وهي وان لم تصرح بتطرفها فان مجرد وجودها في العملية السياسية يدفع الطرف الاخر الى التطرف، ويقوض محاولات القضاء على الارهاب.
– العمل على انهاء وجود مليشيات الحشد الشعبي خاصة تلك التابعة لايران، بفضح الممارسات التي ارتكبتها ولازالت ترتكبها ضد المدنيين بحجة الحرب على داعش، والتي تساعد على وضعها ضمن قوائم التنظيمات والمجاميع الارهابية، مما يحبط محاولات ضم هذه المليشيات الى المؤسسة العسكرية وفق قانون الحشد الذي مرر في البرلمان قبل فترة.
– اتهام اي جهة سياسية عراقية تدافع عن الحشد بالارهاب او دعم الارهاب من خلال منع انهاء ظاهرة هذه المليشيات.
– العمل على تفكيك مليشيات الحشد الشعبي الغير تابعة لايران , او تحديد اماكن تواجدها في المناطق الشيعية جنوب العاصمة بغداد . بالمقابل العمل على تشكيل مليشيات في المناطق السنية تكون بمستوى كفاءة وتسليح المليشيات الشيعية انفة الذكر لتحييد مخاطرها على تلك المناطق مستقبلا .
-العمل على اعادة التمثيل المكوناتي في الجيش العراقي حسب النسب السكانية لها، وعدم اقتصاره على العناصر الشيعية التابعة لاحزاب التحالف الوطني، وبذلك ترخى قبضة ايران على المؤسسة العسكرية العراقية بشكل كبير .
– اعادة اعمار كل مناطق العراق وليس فقط تلك التي دمرها القتال مع داعش، واقامة مشاريع استثمارية فيها برؤوس اموال عربية وغربية لاضعاف الهيمنة الاقتصادية الايرانية على العراق .