الروائي الشعبي.. الرواية الشعبية

الروائي الشعبي.. الرواية الشعبية
آخر تحديث:

خضير فليح الزيدي

إن مفهوم الأدب الشعبي ليس بجديد بكل الفضاءات النظرية التي أفردت مساحات واسعة بشرح وإفاضة وتنظير لحاجة المجتمعات إلى هكذا نوع من الأدب الشعبي الذي تفرضه طبيعة التعاطي في ثنائية التداول بين محتوى النص ونظريات التلقي بقديمها وحديثها.ينعكس ذلك على مفهوم الرواية الشعبية والروائي الشعبي، والشعبي ليس بصيغته المثلى ببطولته الخارقة وتحقيق المعجزات، إنما بصيغة الانسان القاعي الأكثر تداولا بين شرائح المجتمع.
وثمة مفارقة لم تدرك أو ربما لم تفحص فحصا دقيقا في الدرس الاكاديمي في طريقة اداء فعالية الرواية العربية « الأكثر شعبية من غيرها» تاريخيا، إذا ما صنفنا الأدب بمعيار «النخبوي / الشعبي» في ثنائية التداولات والفحص، والمفارقة تلك التي لم تدخل الرواية العربية الكلاسيكية – إن صحت التسمية -، ضمن ما يسمى في خانة الأدب الشعبي لاعتبارات غائبة لدى الجهات الفاحصة مع حداثة التجربة الروائية العربية مقارنة بالتجارب الروائية الغربية، ليس بمعنى أن تترجّل الرواية من برجها النخبوي لتتحول إلى رواية شعبية واسعة التداول، بل أن تتحول المسرودات الروائية إلى قضية تداولية بفنية حكائية تأخذ حيزها من اهتمامات القراء العرب على مختلف أصعدتهم.
نعم يمكن أن نضع في خانة الرواية الشعبية العربية بعض روايات نجيب محفوظ ويوسف السباعي واحسان عبدالقدوس إلى حد ما في فترة بروز الرواية العربية في منتصف القرن العشرين، بوصف أدبهم محاولة مشروعة للوصول إلى أكثر شرائح وقيعان المجتمعات القارئة ليصنفوا نظريا بريادة نسبية في مفهوم الرواية الشعبية، مع العلم أن هذا المفهوم عالميا لم يكن متداولا على نطاق واسع قبل فترة ليست بعيدة.
نحن ندرك تماما أن الهيمنة الشعرية على المجتمعات العربية لدهور طويلة يتحول بفعلها الشاعر العربي إلى شاعر شعبي متداولا على ألسنة العامة من القراء الهواة، ليس شعبيا من حيث اللغة واللهجات، إنما في طريقة الأداء الشعري البسيط في ترادف الصور اليومية التي تكون قريبة بمشاعرها من مشاعر الناس في شجونها وتطلعاتها وتفاصيل اليوميات التي يعيشونها. نزار قباني ومحمود درويش والجواهري هم أكثر شعبية من كل روائي عربي، فالمناهج التربوية والمنبرية الادائية ساعدت في ظهور أجيال من « السميّعة» لقصائد الشعر المجلجلة بموسيقى شعرية ساحرة، والتي يطرب لها «أجيال السميعة» أكثر من نصيب أي روائي عربي آخر، كما أن اللغة العربية بنيويا تتفاعل إيجابيا الموسيقى الشعرية للمفردات اللغوية في معظم تفاصيلها.
أما صنّاع الكتاب الروائي / الحكائي في العالم الغربي قد انتبهوا لتلك القضية ، مما جعلهم يعمدون إلى آلية نمذجة الإنتاج الروائي الحديث، في تصنيف الروايات الصادرة بتخصصات جديدة ومحدّثة في تصانيف غريبة عن مفاهيمنا، فطرحت في الأسواق في عالم اليوم روايات المطبخ مثلا وهي تعمل في مجال التّخصص التذوّقي لرواية متخصصة ما فوق الدقيق، فهي اذن رواية التفاصيل المطبخية على سبيل المثال، كذلك انتاج رواية المترو السريعة بثيمتها وعدد صفحاتها المحسوبة والمناسبة للمسافات المتبقية من الطرق، ورواية السماء أو الطائرة ورواية القطار والتي توضع في المحطات وتذيل في حافة اغلفتها مدة القراءة لهذا الصنف بالتزامن مع عامل الوقت الذي تقطعه رحلة القطار إلى آخر محطة، كذلك بروز روايات الجريمة الغامضة و .و . الخ. وقد نجحت تلك التجارب الذكية في إنجاح اقتصاديات سوق الكتاب الأدبي في جلب المزيد من القراء المتخصصين.
إن نهضة الرواية العربية الصاعدة عليها ان تأخذ بنظر الاعتبار تلك الاقتصاديات في انتاج الكتاب الروائي المتدفق للسوق العربية بتصنيفاته المحدّثة، والنهوض بالرواية المتخصصة في واحدة من تلك الأنماط، لتكتمل حلقة البحث عن الروائي الشعبي المتخصص والرواية العربية الشعبية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *