بغداد/شبكة أخبار العراق- “الدنيا دوارة”..أٌقوال وأمثال وحكم وعظات.. لو أردت إكمال سردها لتطلب الأمر عشرات الصحف والمجلدات، وكلها تنبهنا أن الحياة في تغير دائم، ويعتريها تغيير مستمر، وبحكم هذا بتنا على يقين أن عقارب الساعة تدور حول نفسها برتابة ونمطية على الحائط فقط، أما على أرض الواقع فتختلف الساعات فيما بينها تماما. وقد يتشابه لونها في الموضعين، إذ هناك على الحائط ساعة بيضاء وأخرى سوداء، كذلك في الواقع فهناك ساعة بيضاء مفترجة.. وهناك (ساعة السودة). والأخيرة هذه على ما يبدو هي المحور الذي يدور حوله ساستنا من أصحاب القرار، لاسيما أعضاء مجلس نوابنا -وعلى رأسهم رئيسه قطعا- إذ أنهم يأبون إلا أن يضعوا العراقيين في دوامة عقاربها، ويرجعون بهم القهقرى الى مانسميه “العهد البائد” او “زمن المقبور”.
اذكر يوما قال فيه المقبور رأس نظام البعث الدموي ما مفاده؛ “أن القانون لدينا مطاطي نغير في مقاساته وفق مانشتهي ونرغب”. وبهذا كانت سياسته هوجاء لاتخضع لتخطيط سليم، ولا لدراسة النتائج، فآل وضع البلاد على يديه الى الخراب والدمار، بعد أن وضعه بنهجه المتبع على حافة هاوية السقوط، ولولا سقوط شخصه ونظامه عام 2003 لانحدر العراق الى قعر وادٍ لاتقوم له قائمة بعدها، ولكان في عداد الدول التي دالت واندرست وصارت نسيا منسيا.
فحمدا لله على انقشاع غمته وزوال شره.. ولكن..! من سوء طالع العراقيين، بقي شعاره في الـ “مطاطية” ساري المفعول..! إذ أن القوانين لدى صناعها اليوم تخضع لذات السياسة ونفس المنهاج، بصرف النظر عن حاجة المواطن وما يتطلبه ظرفه، فقد ألغيت حساباته من جداول أعمال المجلس التشريعي، فصارت القوانين تُسن لصالح غير صالح المواطن.. وترمي الى هدف غير هدفه.. وتخدم بلادا غير العراق.. فكأن ما أنشده شاعرنا عبد الغني الرصافي قبل ثمانين عاما، ينطبق تماما على مايحدث اليوم.. فقد قال بحق مجلس النواب آنذاك:
من ينظرُ العلمَ المرفرفَ يلقهُ
في عزّ غيرِ بني البـلادِ يرفرفُ
من يأتِ مجلسنـا يصدّق أنه
لـمُرادِ غير الناخبين مؤلّـفُ
وهذا ما يفعله مجلسنا اليوم.. فأعضاؤه يستخدمون ذات الخيوط ليحوكوا بها نسيجهم الثابت على مقاسهم منذ تسنمهم مناصبهم، واعتلائهم كراسيهم المحصنة. وهم غافلون عن معرفة القاصي والداني بخفايا زيهم الذي فصلوه وصار عليهم (غسل ولبس). حيث لم يعد يخفى على الجميع، وعلى وجه الخصوص المواطن العراقي، الأسرار الكامنة خلف إرجاء تصويت او تأجيل إقرار او إعادة قراءة قانون مرات عديدة، وأثبتوا بهذا أنهم يكرهون الطهي السريع -في ظرف يستوجب عليهم الإسراع فيه- ويستهوون الطبخ (عالريحة) مع سماعهم ملء آذانهم تصاعد صيحات ملايين العراقيين الذين يستنجدون بهم لنيل الاستقرار والأمان.
ومن المؤكد أن القابعين على كراسيهم لم تفتهم قراءة التحليلات والدراسات العالمية المهتمة بالشأن العراقي، التي خرجت بإحصاء نسبة عالية جدا من العراقيين الذين يرزحون تحت خط الفقر، وهم في بلد يطفو على بحر من النفط، فاستحال حالهم كقول لبيد بن الأعوص:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول
وبعودة الى تقلبات الدهر وتغير الأحوال، فإن “ساعة السودة” تأبى تغيير توقيتاتها على مدار أزمان العراقيين، بعد أن أمسك بعقاربها ساسة لايأبهون بما يحل بالبلد من تأخير وتراجع وتدنٍ، وهم يثبتون بفعالهم أن الدنيا الدنية ثابتة وليست دوارة ولكن.. بعرفهم وحدهم.