(السقشخي) للروائي علي لفته سعيد إدانة لمجمل سلبيات الماضي

(السقشخي) للروائي علي لفته سعيد إدانة لمجمل سلبيات الماضي
آخر تحديث:

 أياد خضير

من العنوان السقشخي يتضح أنها رواية مكان تطلق على الشخص الساكن في منطقة سوق الشيوخ، كما البغدادي والنجفي وغيرها من المدن، سوق الشيوخ مدينة الشعر والكرم والشجاعة، مدينة فراتية تصدت للعنف والدكتاتورية فكانت منبع الثورات، رغم الحصار والظلم فهي مدينة الشجعان.. بعض الروائيين يكتبون عناوين فيها غرابة تلفت النظر لأنَّ العنوان يلعب دوراً كبيراً، يهيئ للقراء قبول المطالعة.. أمثلة كثيرة على ذلك كما رواية الخيميائي التي اشتهرت على هذه الشاكلة. مدينة سوق الشيوخ يعتز أهلها والعراقيون بتاريخها.

تحكي الرواية قصة شاب عراقي اسمه ماجد معلم فنية، جامعي في مدرسة السوق الابتدائية، كان الراتب بسيطاً لا يغطي نفقات الأسرة العراقية، لذلك لا تجد أحداً يقدم على الوظيفة لأنَّ الراتب لا يكفي أسبوعا أو عشرة ايام، الراوي يسرد محنة العراقي ابان الحصار الاقتصادي على العراق.. فكرة الرواية تجسد الظلم والجور الذي يصيب الانسان في الوجود كونه محاصراً بالكثير من مطبات الحياة، يقوم البطل ماجد ببيع الشاي بعد الدوام الرسمي، فيطارد ويعتقل من قبل السلطة بحجة المخالفة لتعليمات الوظيفة الحكومية، أحدهم كتب تقريراً بذلك.

(ألا تخجل من نفسك.. معلم تربية فنية يعني فنان.. وتبيع الشاي!!) ص44

الرواية تحدثنا عن تاريخ العراق وما مرَّ به من ويلات وعن الحالات الاجتماعية والثقافية وحتى الدينية التي تجعل القارئ يبحر في مغازيها محاولاً الوصول الى حقيقة المجتمع وما يعاني منه من ظلم وحكم تعسفي يدفع (ماجد) بعد خروجه من المعتقل للسفر الى الخارج خصوصاً أنه علم بأنه مطارد من أشخاص كتبوا عنه تقريراً اعتقل على إثره، استطاع الهروب الى الأردن عن طريق راعي غنم أوصله الى الساحة الهاشمية وعرفه على شخص صاحب فندق الذي هيأ له السفر الى لبنان عن طريق شخص معاق اسمه حامد السماوي المتواجد في الساحة الهاشمية بعد تعرضه للاعتقال في الأردن مطالبين بأوراقه الثبوتيَّة استطاع صاحب الفندق تخليصه من المأزق.

في لبنان يتعرف على فتاة مسلمة أميركيَّة اسمها (زينب) هربت أسرتها جراء الحرب اللبنانية، استطاع أنْ يقيم معها علاقة ويتزوجها، أكملت زينب أوراق الزواج من السفارة الأميركيَّة، بعدها استطاع الوصول الى أميركا. (هاربا من جور الحياة.. كنت ساهماً في أحد مقاهي شارع الحمراء.. أخاف من رؤية أية شخصية عراقية قد تعرفني.. وكانت هي كذلك، تجلس وحيدة.. ومثل قدر لا يراه إلا في المخيلة، ابتسم أحدنا للآخر ربما الوقت الطويل الذي أمضيناه جلوساً منفردين أوحى لبعضنا أننا في مأزق حياتي) ص15

رحلة ماجد من العراق الى الأردن والى لبنان والى أميركا كانت تحمل صراعاً من الحزن والخوف، فقد اعتقل من قبل جماعة اتهمته بأنه إرهابي لأنه صور برجي التجارة العالميين أثناء الانفجار في 11 ايلول الذي/ سبتمبر، كان محض صدفة أثناء تواجده قرب المركز التجاري جاءت طائرة وقصفت البرج ولحقتها طائرة ثانية وقصفت، أخذ يصور بكاميرته وهو مرعوب هرب كما هرب الكثير من الأشخاص عمت الفوضى المكان ولأنه كان مُتابَعاً من قبل أشخاص اتهم بأنه من تنظيم القاعدة وهو المشارك في التخطيط. يسرد لنا الروائي كيفية اعتقاله والأسئلة المملة التي تلقاها ماجد.. إنه سرد محبوك من سارد ممارس له باعٌ بالثقافة يحكي وجعه أثناء الاعتقال والاستجواب. (وأنا أصلاً تتنازعني الأسئلة العديدة.. لماذا لم أبق في لبنان؟ لماذا جئت الى أميركا؟ لماذا أصلاً خرجت من العراق؟ كان عليَّ البقاء هناك مثل ملايين الشباب، أندمج في المجتمع وأكون كما تريد الدولة وأنخرط في العمل السياسي لأتبوأ أماكن جديدة في الدولة ويكون لي موقع اجتماعي مهم، ولن أحتاج الى الشعور بالندم واليأس..) ص49

إننا توصلنا الى أنَّ الرواية فيها العديد من النقاط المهمة:

1 – الرواية فيها تعدد الأمكنة تلازمها تعدد الازمنة، الهروب من العراق الى الاردن الساحة الهاشمية والى لبنان الساحة الحمراء والى أميركا والمركز التجاري في نيويورك ومن ثم الرجوع الى العراق بغداد والتجوال في أمكنة عديدة ومن ثم الى الناصرية وسوق الشيوخ الى أهله في منطقة الاسماعيلية غنية بالأمكنة، فضلاً عن العنوان السقشخي الذي يعني سوق الشيوخ.

يقول الناقد عبد الهادي الزعر: (المكان هو ذلك الحيز الذي يترك أثراً في النفس الانسانية بالأخص إذا كان مرتعاً للطفولة والصبا او ما يعرف بمسقط الرأس، وقد ترى التوحد قائماً بين الانسان والمكان لدرجة العشق والتآلف).

فالأمكنة والأزمنة في الرواية مهمه تسهم في تحديد مسار الرواية.

2 – الرواية كثيرة الاسترجاع (فلاش باك) بين فترة وأخرى يذكر الراوي ماجد عندما يكون في الخارج بالتفاصيل خاله وأمه وأخاه ويتذكر زوجته زينب وعندما يكون بالعراق يكتب سطوراً كثيرة عن الشوق والفراق.

(في أي اتجاه صفنت وشردت يا ماجد.. سأجعلك الآن تطير فرحاً.. السفارة صادقت على الزواج.. سأتركك هنا بعد أيام لأسافر الى أميركا أكمل الأوراق واطلبك للمجيء والعيش معي.. انتبه الى نفسك ولا تجعل الوساوس تأكل رأسك واستقرارك..) ص 93

3 – الرواية فيها كلمات عامية وهي ليست عيباً، بالعكس زادت السرد اشتياقاً، كبار الكتاب أمثال نجيب محفوظ رواياته درجت فيها العامية.. حين سأله أحد المرافقين له لماذا أغلب كتاباتك جاءت في سطورها العامية؟ أجاب: بأنني لا أكتب للنخبة أنا أكتب الى عامة الناس.

4 – رواية السقشخي من ثلاثة عشر باباً أو مقطعاً، أغلب هذه المقاطع تحمل مواصفات القصة القصيرة ذات ثيمة واحدة، أذكر بعض عناوينها (ظلام/ نميمة الكلمة/ توثيق الهرب/ تدوين ذاكرة / ذاكرة الوجع/ العودة/ الوضوح الغائب/ وخزة الغصة) ساعدت على اكتمال الرواية بنجاح.

5 – أخيراً ما الذي أرادت الرواية البوح به؟ إنها إدانة لمجمل سلبيات الماضي التي مرَّ بها العراق والشعب العراقي من حصار وحروب وانتهاك للحريات والدكتاتورية القاتلة وتهشيم القناعات الزائفة.. كل هذه الأشياء دعت القارئ الى استيعابها مع الشعور بالمرارة، فكانت رحلة مكوكية ذهاباً وإياباً، إنها صراعٌ مع الخوف والحزن والألم.

يذكر أنَّ الرواية طبعت عن دار فؤاد للطباعة والنشر/ مصر بواقع 248 صفحة بالحجم المتوسط.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *