السوداني.. عاشر الوعود السبعة

السوداني.. عاشر الوعود السبعة
آخر تحديث:

بقلم:علي الصراف

مضى محمد شياع السوداني نحو ستة أشهر على تشكيل حكومته. الوقت ما يزال قصيرا على إصدار حكم عليه وعليها. ولكن لم يظهر من الوعود التي قدمها إلى البرلمان شيء حتى الآن يشير إلى أنه يتجه بالفعل إلى تنفيذ ما وعد.الوعود العريضة يمكن التملص منها. لأنها عريضة ولا تتيح ممسكا يمكن التشبث به لتدقيق الحساب. والذرائع كثيرة، إلى درجة أن المرء يمكن أن يعد قائمة مسبقة لتلك الذرائع. بعضها مما كان قد تذرع به الذين سبقوه. ومنها ما يمكن ابتكاره في كل وقت. ومنها ما هو جار كما جرت الأيام على امتداد العقدين الماضيين.أولى الحقائق هي أن حكومته ما تزال بلا ميزانية متفق عليها.وثانيها، أنها لم تسوّ الخلافات مع إقليم كردستان حول قانون النفط والغاز.وثالثها، أنها زادت الطين بلة في العلاقة مع تركيا لأنها لم تضغط عليها بشأن قضية مصيرية تتعلق بتدفقات المياه.ورابعها، أنها ما تزال خاضعة لأهواء المصالح التجارية الإيرانية، حتى أنها تحولت إلى صوت ينطق باسم هذه المصالح حيال ضغوط الاحتياطي الفيدرالي.ليس مطلوبا من السوداني، بعد مرور هذه المدة، أن يُثبت شيئا. إذ أثبت ما يكفي. ولكن إذا كان هناك مَنْ ما يزال يعتقد أنه قادر على تنفيذ ما وعد، فمن الخير أن يعد نفسه للمعاذير والذرائع، لا للتنفيذوخامسها، هي أنه لم يعد بمكافحة الفساد ولم يكافحه. وبرغم أنه بدأ سلطته بـ”سرقة القرن” ووعد اللصوص بعدم سجنهم إذا أعادوا الأموال التي نهبوها، فلا المال عاد، ولا حوكم اللصوص، واندفنت القضية. ربما لأن بعضا من الجماعات التي تدعمه هي التي نفذت السرقة.وسادسها، أن حكومته رتبت أمورها لأجل إقامة مديدة في السلطة رغم أنها لم تكن إلا حكومة تدابير مؤقتة، بالنظر إلى أنها لم تكسب الحق بالوجود إلا بعد اختلال الموازين البرلمانية التي أعقبت انسحاب نواب “التيار الصدري”.وسابعها، أن مقترحات “الميزانية الثلاثية” (التي أعدت لثلاث سنوات)، لم تلحظ أي شيء من الوعود التي قدمها السوداني للبرلمان لأجل المصادقة على حكومته التي ظلت، كما هو مألوف، حكومة محاصصة، أي حكومة تقاسم الكعكة بين الجماعات التي تدعمه. وقالت الأرقام المقترحة في الميزانية إنها لم تبق مالا يكفي لتنفيذ تلك الوعود العريضة.وكان السوداني وقف أمام البرلمان يوم 27 أكتوبر الماضي ليقدم الوعود السبعة التالية (مع التشكيل، كما جاء في الأصل، لإضفاء إيقاع على إيقاع الطبلة)، قائلا بالحرف: “إن فريقَنا الوزاريَ سوفُ يطبقُ جملةً من المبادئِ للعملِ على بناءِ اقتصادٍ حديثٍ يخدمُ العراقيين في الحاضرِ والمستقبل، هي:

إيقافُ التدهورِ الذي يعصفُ بمختلفِ القطاعات.

تمويلُ وإنجازُ المشاريعِ المتلكئةِ والجديدةِ التي لها وقْعٌ مباشرٌ على حياةِ المواطنينَ والخدماتِ المقدمةِ لهم.

مكافحةُ الفقرِ والبطالةِ وتمكينُ محدودي الدخل.

التحولُ التدريجيُ من الاقتصادِ الريعي عن طريقِ تحديثِ عملِ الاقتصادِ من خلالِ رعايةِ الحكومةِ لمحركٍ اقتصاديٍ مهمٍ يرتكزُ على استثمارِ إبداعاتِ الطاقاتِ الشابةِ الهائلة؛ لتفعيلِ بناءِ الشركاتِ الصغيرةِ والمتوسطةِ في الزراعةِ والصناعةِ وتكنولوجيا المعلوماتِ والخدْماتِ والبيئةِ لترفدَ الدولةَ بخلقِ آلافِ فرصِ العملِ واستقطابِ الاستثمارِ المحلي والعالمي.خلقُ طفرةٍ نوعيةٍ في بناءِ الخبراتِ ورأسِ المالِ البشري والقدراتِ المؤسساتيةِ لمواكبةِ التحولاتِ التكنولوجيةِ الهائلةِ في جميعِ المجالاتِ والمؤثرةِ جداً في الاقتصادِ والطاقةِ والبيئة.العملُ مع مجلسِ النوابِ ومجلسِ القضاءِ لتشريعِ وتطويرِ وتحديثِ القوانينِ الساندةِ للاستثمارِ بما يتلاءمُ مع متطلباتِ اقتصادِ القرنِ الواحدِ والعشرين.

الإفادةُ من التجاربِ الناجحةِ حولَ العالمِ التي اختبرت ظروفَ العراقِ نفسَها”.يُحسب للرجل أنه لم يقدم في وعوده هذه وعدا بمكافحة الفساد. ولقد وردتنا النصوص كما هي لكي نثبت بالدليل الملموس، أن الرجل، في ما يخص هذه القضية بالذات “رجّال ونص”

وتضمنت الوعود السبعة، وعودا أخرى من قبيل “إعادةِ النازحين إلى مناطقِ سكناهم بعـد استكمال متطلبات العودة”، والاهتمام “بحقوقِ الإنسان وتمكينِ المرأة”. و”الدعمَ لقواتِنا المسلحةِ وقوى الأمنِ الداخلي بكلِّ مسمياتِها وتشكيلاتِها، لكونِها الضامنَ للسلمِ الأهلي وأمنِ البلادِ وتنفيذِ سلطةِ القانون”. وهذا الوعد الأخير مضمون، لأنه مصدر من مصادر النهب المنظم لموارد الدولة. رغم أنه لا يضمن “السلم الأهلي”، مع بقاء تهديدات الميليشيات، ولا “أمن البلاد” مع بقاء الاعتداءات القادمة من إيران وتركيا ما يجعل العراق “خان شغان”، ولا “تنفيذ سلطة القانون” لأن الواضح من إفلات اللصوص بما سرقوا أن العراق ما يزال مغارة “علي بابا”.

ولكن يُحسب للرجل أنه لم يقدم في وعوده هذه وعدا بمكافحة الفساد. ولقد وردتنا النصوص كما هي لكي نثبت بالدليل الملموس، أن الرجل، في ما يخص هذه القضية بالذات “رجّال ونص”. أما “الرجّال” فإنه لا يؤخذ بما لم يخرج من لسانه. وأما “النص” فلأن جماعاته هي عنوان الفساد ومقصده ومرجعيته. وهو يعرف ذلك. فأرخى لها حبال الجرأة.

ليس مطلوبا من السوداني، بعد مرور هذه المدة، أن يُثبت شيئا. إذ أثبت ما يكفي. ولكن إذا كان هناك مَنْ ما يزال يعتقد أنه قادر على تنفيذ ما وعد، فمن الخير أن يعد نفسه للمعاذير والذرائع، لا للتنفيذ.

أولا، فالموارد العراقية وإن كانت كثيرة، فإن المنهوبات أكثر. وهو لم يَعدْ بوقفها.

وثانيا، فالظروف الإقليمية، وإن كانت تسير نحو التهدئة، فإن الضغوط الإيرانية، من تحت البساط ومن فوقه، لا تسمح له بالكثير. فالإيرانيون يريدون أن يأخذوا من العراق ما لا يقل عن 20 مليار دولار سنويا، من أصل المئة مليار من مدخولاته، تحت أغطية “التجارة” الوهمية، بينما هي “خُمس” السيّد المفروض على عبيده.

وثالثا، فحكومته، وإن كانت تحكم من دون منافس، ولا مدقق، ولا رقيب، فإنها حكومة وزراء فاشلين لا يقدر هو نفسه على إزاحتهم لأنهم جزء من نظام “المحاصصة”.

هذه الذرائع الثلاث كان يجب أن تكون هي تتمة الوعود السبعة. حتى ليمكن القول إن الرجل صدق وعده، وأعز جنده، وانتصر على العراقيين وحده.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *