على مَنْ يريد رئيس الوزراء حيدر العبادي أن يضحك بالإعلان عن الأمر أخيراً بإحالة وزيرن سابقين وعدد من المدراء العامين، السابقين أيضاً في ما يبدو، الى هيئة النزاهة للتحقيق معهم في قضايا فساد إداري ومالي؟
لا يُمكن للسيد العبادي الضحك بهذا على عشرات الآلاف من الشباب والشيوخ العراقيين، نساءً ورجالاً، ممّنْ خرجوا الى الشوارع والساحات في عزّ الصيف اللاهب للتعبير عن غضبهم وسخطهم وغيظهم ونقمتهم حيال هذه الحكومة والحكومات السابقة كلّها وسائر مؤسسات الدولة العليا ورؤسائها ومسؤوليها الكبار، لما تسبّب فيه فسادهم الفريد من نوعه من خراب عام ودمار شامل في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للعراقيين جميعاً بكل قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم.
الذين تظاهروا في البصرة والناصرية والعمارة والسماوة والديوانية والنجف وكربلاء والحلة والكوت وبغداد وتوابعها من الأقضية والنواحي والقرى، وكان جزاؤهم وهم يمارسون حقّهم الدستوري في التعبير عن الرأي، أن يُرسل إليهم السيد العبادي ومساعدوه العسكريون والأمنيون قواتهم المدجّجة بالرصاص الحي والغازات لتقتل 14 متظاهراً وتصيب مئات آخرين، بالمشاركة مع عناصر المليشيات التي لم تخضع يوماً لسلطة السيد العبادي ولم يجرؤ السيد العبادي يوماً على فرض سيطرة الدولة عليها، ما تظاهروا ضدّ الوزيرين السابقين فحسب… هم تظاهروا في المقام الأول ضدّ الفاسدين من مسؤولي الأجهزة الإدارية والمجالس المحلية في محافظاتهم، فهؤلاء هم السرّاق المباشرون للمال العام الخاص بقراهم ونواحيهم وأقضيتهم ومحافظاتهم.
والذين تظاهروا الآن وفي السنة الماضية والتي سبقتها وسبقتها، منذ 2010، ما كانوا مُضارين من فساد وزارتي التربية والصناعة وحدهما.. كلّ الوزارات والمؤسسات والهيئات ضالعة في الخراب العام والدمار الشامل.
السيد العبادي.. على مدى السنوات الأربع الماضية أوجعتَ لنا رؤوسنا وآلمت آذاننا الوسطى والداخلية بتعهّداتك ووعودك المتكرِّرة بالإصلاح ومكافحة الفساد، وها هو جبلك يتمخّض أخيراً فيلد فأراً..!!.. ثلاثة وزراء سابقين وثلاث أو أربع دزينات من المسؤولين الآخرين، ربما معظمم قد فرّوا بالجمل وما حمل الى خارج البلاد!.
مكافحة الفساد لا تكون بطريقة التنقيط بالقطّارة.. إما أن تكافحه بستراتيجية تامة وكاملة وواضحة ومحدّدة لا تستثني أحداً حتى لو كان من حكومتك الحالية أو من حزبك، أو اترك المهمّة لغيرك، معترفاً بعدم قدرتك على المكافحة وعلى الإصلاح، فتُريح وتستريح.
هذه الطريقة في المكافحة المحدودة والانتقائيّة، وربما المُسيَّسة أيضاً، لا تفيد ولا تنفع ولا تداوي ولا تعالج، ولن تستطيع بها أن تضحك علينا.. إنك في الواقع تدفعنا للضحك على بؤس هذا النمط من التفكير.