الشاعر وسيكولوجية الحيوان

الشاعر وسيكولوجية الحيوان
آخر تحديث:

محمد علي جواد

من البديهي أن الشاعر هو إنسان قبل كل شيء يحس ويشعر ويفكر وقد سُمي شاعرا تحديداً لأن مشاعره مضاعفة وعالية المستوى وليست عادية كما هي عند غالبية البشر الآخرين .والشاعر يتعرض لصدمات تخص جسده الذاتي مثلما تصدمه المؤثرات الاجتماعية الموضوعية التي تخص أقرب وأحب الناس إلى نفسه أو وطنه وعقيدته ومدينته.فقد يتملكه المرض أو الألم الشخصي والأحلام التي تراوده في عقله وضميره ومستقبل مصيره وقدره الخاص، إضافة إلى رؤاه العالمية واطلاعه على أحداث العالم واتجاهات التيارات السياسية والاقتصادية ومشاركاته في المؤتمرات والمنتديات الشعرية الإقليمية والدولية.ولاشك أن الإنسان عموما نتاج تربيته العائلية والاجتماعية والعلوم والتقنيات التي وصلها البشر في جميع أنحاء المعمورة. إن الشاعر ليستخدم كل ما يعرفه بين طيات أبياته الشعرية ومن الأفكار ما هي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار وأفكار أخرى قد تكون متوارية أو غير مباشرة أو رمزية ، ولهذا أسباب عديدة قد يكون الخوف من البوح بها أحدها، أو أن الشاعر ذو أفق ثقافي عال وقد يقال فيها في بعض الأحيان إن المعنى في قلب الشاعر وقد تكون الأبيات الشعرية ذات مغزى فلسفي صعب الإدراك لعموم الناس . ولاشك أن الشاعر يدرك وجود الأجناس الأخرى معه في الوجود والكون وفي السماء والأرض وما تعلمه أو قرأه أو تربى عليه في صغره عن الملائكة والجن وغرائب الأقوام وأنواع الحيوانات . وترمز الحيوانات إلى معان عديدة تتعلق بشكلها ومشيتها أو أسلوب عيشها وضعفها وقوتها أو كيفية قتل ضحيتها أو أصواتها ليلا ونهارا .وعندما يحاول الشاعر التعبير عن انفعالاته وتأوهاته فإنه يتقمص نفسية حيوان ما تعبيرا عن وحدته وخوفه وهواجسه القلقة وبحثه عن الحرية ورفض الظلم والقيود ولوعاته المحطمة ونفسه الأبية وأناه الراقية التي تحيا في مجتمع جاهل متخلف يزيد من غربة الشاعر . ومن الأمثلة على ذلك :

1 – بلدي قد كتــب التاريــخَ             وحواهــا الدنيا بالأسـدِ

2 – ونصبح أسرى الحضارة هذي           فترعى بنا مثل باقي الغنمْ

3 – لقمــة العيــش نريــدُ                 وغدونــا مثــل فارةْ

4 – هــا هو الديكُ يصيــحُ             إحذروا يــا غافليــنْ

5 – وأجريَ حراً قويَ الصهيلِ          كما في البراري تجري الخيولْ

6 – إذا ما فقدتك يوماً سأعوي           كذئبٍ جريحٍ جرى في القطيعِ

7 – أخاف المصير وبي لوعةٌ            فأعوي بليلٍ أعالي التلــولْ

ففي البيت الأول، كان الأسد ــ والمقصود هنا هو ( أسد بابل) ـــ رمزا للقوة والسيطرة، وان بلاد الرافدين قد كتبت تاريخها المشرق وأبقت لنا ( أسد بابل) تعبيرا ورمزا لقوتها في الشرق الأوسط القديم، أما في البيتين الثاني والثالث (فالغنم والفارة) يرمزان إلى الضعف والضآلة وأننا مذبوحون لا محالة وأن لا سيطرة لنا على قدرنا المحتوم كما أنهما يدلان على فقدان الحس الإنساني وسير المجتمع في طريق خاطئ .وفي البيت الرابع يعبر الديك هنا عن الحكمة فهو نشط ينهض كل يوم فجرا ويذكر البشر بيوم جديد في حياتهم لكنه يرمز إلى أن يوما قد مضى من عمرهم فليستعدوا للحياة الآخرة. إن صياح الديك من أكثر الأصوات المألوفة والمسموعة لدى البشر لكن البشر لا يعيرون صاحبه الحكيم أي اهتمام أو انتباه!.أما في البيت الخامس فقد ذهب الشاعر إلى حبه للحرية المطلقة والقوة العقلية والبدنية في جسم الحصان وصهيله وأنه يحن إلى الحياة البرية بلا قيود وأنه لا يحب العيش وحيدا بل يجري مع بقية الخيول الحرة، ولاشك أن هذا هو حلم الشاعر، وأنه فاقد لما يقول بسبب الظروف الاجتماعية للبلاد التي تجعل من أحلامه شيئا تذروه الرياح .وفي البيت السادس حين يفقد الشاعر حبيبته وحبه الوحيد في الحياة فإنه يفقد الأمل ويأخذ في العواء متقمصا حالة الذئب الجريح الضعيف الذي يعرف مسبقا أن بقية الذئاب ستمزقه متى حانت الفرصة أو ستلتهمه بقية الحيوانات الضارية الأخرى فحري به أن يقلق بشأن مصيره ويقلق شديدا لقرب نهاية حياته.أما في البيت السابع والأخير فقد تقمص الشاعر نفسية الذئب، وعندما يعوي الشاعر – الإنسان فكأنه يعبر عن حالاته النفسية الكئيبة العميقة لتجسيد حزنه (الجوّاني ) و ( أناه العريقة) أو ينقل بطريقة ( التناسخ الهندية ) آلامه ويحولها إلى عواء ذئب وحيد في أعالي التلول وهو ملتاع لا يعرف نهاية مصيره، وفي ليالي اكتمال القمر قد يتحول إلى الرجل – الذئب وهنا تكتمل ( غربته الإنسانية).

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *